فراج إسماعيل يكتب: إسرائيل تحت الصفر

ذات مصر

سيقول البعض إنني استلهمت العنوان من اسم فيلم قديم لعادل إمام "شعبان تحت الصفر" تحول خلاله بالنصب والتزوير من معدم إلى ثري، ولكن صعوده السريع عاد به إلى تحت الصفر.

الحقيقة أن حال إسرائيل اليوم هو من ألهمني العنوان. لا يغرنكم إسرائيل التي أبادت أكثر من 5 آلاف طفل في غزة بدم بارد من بين 12 ألفا تقريبا، كلهم من المدنيين الأبرياء، وحولتها إلى مدينة أشباح مدمرة كما وصفها الصحفيون والمنظمات الإنسانية الذين رأوها رأي العين في ظل هدنة الأربعة أيام.

إسرائيل برغم تهديداتها العنترية ببدء حملة تدمير غزة بمجرد انتهاء الهدنة للقضاء نهائيا على حماس، تعيش أضعف مراحل تاريخها منذ تأسيسها عام 1948.

تعيش تحت الصفر اقتصاديا وعسكريا ونفسيا. سمعتها الدولية في الحضيض. يهود العالم يتبرؤون منها، والذين كانوا يعتبرونها مقدسا إلهياً لا بجب الاقتراب منه بسوء، ينتقدونها بعنف ويعتبرونها شراً متوحشاً، ورأينا ذلك بدهشة في تصريحات وموقف رئيسي حكومة إسبانيا وبلجيكا، وقد انزعجت تل أبيب من ذلك بشدة، وهو انزعاج غريق يبحث عن قشة يتعلق بها وسط محيط من الكراهية العالمية.

لخص الحالة الصفرية لإسرائيل الكاتب الأمريكي الصهيوني المعروف مايك إيفانز في مقال مؤخرا نشرته جيروزاليم بوست الإسرائيلية.

ملخص المقال الذي يعتمد على معلومات لقربه الكبير من مطبخ القرار في تل أبيب وفي الإدارة الأمريكية، أن إسرائيل خسرت الحرب ضد حماس، حتى لو انتهت من تدمير كل غزة بشمالها وجنوبها، فقد فرضت حماس شروطها في اتفاق الهدنة، وهي التي تقرر حالياً ما إذا كانت الهدنة ستمتد أم تنتهي، ففي يدها ورقة الرهائن وتناور بها بدهاء شديد.

إسرائيل تحت الصفر في كل الأحوال، حتى في حالة نجاحها في هدفها وهو قتل حماس، لأن ذلك لن يمنع أن تتعرض لهجمات تشبه ما حدث في 7 أكتوبر على مستوطنات غلاف غزة، والذي أنهى أسطورة التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي، وبالتبعية أجهز على التفوق العسكري للدولة العبرية.

بالتعبير النصي للكاتب الصهيوني الشهير مايك إيفانز "بدون حماس ستكون هناك هجمات أخرى كثيرة مثل 7 أكتوبر، أو ما هو أسوأ. حروب القرن الواحد والعشرين الجديدة هي حروب بالوكالة، ولكنها أيضا حروب إعلامية ولا يمكن لإسرائيل أن تربحها. إنها مسألة وقت فقط قبل أن يتمكن نادي كارهي الصهيونية العالمي التابع للأمم المتحدة من تحويل الرأي العام الدولي ضد إسرائيل بمساعدة وسائل الإعلام.

الصفر الإعلامي يجاوره الصفر الاقتصادي. إسرائيل في حالة اقتصادية صعبة. كل الأنشطة المنتجة توقفت لديها لأنها بلا بشر يعمل فيها ويديرها، فكلهم يشكلون الاحتياطي الذي اٌستدعي لحرب غزة، والتجهيز لحرب الشمال مع حزب الله، غير الحصار الذي قد يطبق عليها من ناحية باب المندب الذي سينتج عن الخطر الذي يشكله الحوثيون في البحر الأحمر على سفنها التجارية، فقد نجحوا في خطف سفينة، وكادوا يخطفون السفينة النفطية سنترال بارك لولا تدخل البحرية الأمريكية في اللحظات الأخيرة.

إسرائيل استدانت 6 مليارات دولار لتمويل هجومها على غزة، وفي غياب المداخيل الاقتصادية ستقترض أكثر، ومن حظها السيئ أن الممول الذي تعتمد عليه، وهو الولايات المتحدة، تمر بأزمة اقتصادية صعبة.

يقول الكاتب مايك إيفانز المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وله حوالي 77 كتابا مطبوعا: لا يمكن لإسرائيل أن تربح حرباً اقتصادية. إنها دولة صغيرة بحجم نيوجيرسي، سكانها في الشمال والجنوب أصبحوا نازحين، ومواطنوها في حالة حرب، والأضرار الاقتصادية التي لحقت بالبلاد هائلة.

حتى لو أنهت إسرائيل حماس، فإن حزب الله يضم أكثر من ضعف مقاتلي حماس، وأكثر من عشرة أضعاف صواريخها، وأكثر تطورا بكثير. هكذا يقول إيفانز.

أطلق مقاتلو الحزب ما يتجاوز ألف صاروخ على إسرائيل منذ بدء حرب غزة وقتلوا 6 جنود و3 مستوطنين، وهذا من شأنه أن وضع ظهر إسرائيل إلى الحائط.

يتابع مايك إيفانز وصف الحالة الصفرية بأن 7 أكتوبر خلق صدمة لم تشهدها إسرائيل من قبل وأيقظها على واقع مرير. إنها تواجه الآن معضلة وجودية.

وإذ يتناول الكاتب التضخم الإيراني في المنطقة ودوره المستقبلي في تقويض فرصة بقاء إسرائيل، يقول إن أحد كبار الجنرالات الإسرائيليين ورئيس المخابرات أخبره بأن روسيا وافقت على مساعدة إيران في برنامجها النووي، وعلى توفير مظلة نووية لإيران، حيث يتحلق الطائرات فوق المجال الجوي الإيراني، وذلك سيجعل من المستحيل على إسرائيل شن حرب على إيران في ضوء برنامجها النووي.

لو امتلكت إيران القنبلة النووية فلن تستطيع أمريكا نفسها أن تشن حرباً عليها. معادلة صفرية أيضا يقارنها الكاتب بنهاية الحرب العالمية الثانية. إذ يقول "لو كان هتلر وقتها يمتلك قنبلة نووية لكان العالم كله اليوم يتكلم اللغة الألمانية".

المذهل أن حرب غزة وضعت إسرائيل تحت "صفر كبير".. حتى لو احتلت غزة وأنهت وجود حماس.. وتلك فرضية تبدو حتى الآن مستحيلة، بدليل أن الدفعة الثالثة من الرهائن الإسرائيليين خرجوا من شمال غزة، رغم أن الجيش الإسرائيلي يزعم أنه في قبضته.