السفير عبد الله الأشعل يكتب: مفهوم الأمن القومي وأقسامه

ذات مصر

لا يوجد في اللغة العربية مصطلح (الأمن القومي) ولا في اللغات الأجنبية، إنما تستخدم اللغات الأجنبية مصطلح (المصلحة الوطنية National Interest)، والمصلحة الوطنية أكثر شمولاً من فكرة الأمن القومي. يُعرف الأمن القومي في مصر تعريفاً عسكرياً فقط منذ عام 1952 أي منذ العصر الجمهوري الذي يُعتمد فيه علي الحكم العسكري، والمصلحة الوطنية تعني مصلحة الدولة في الداخل والخارج، وتدخل فكرة المصلحة الوطنية في إطار العلوم السياسية، بينما تدخل فكرة الأمن القومي في الدراسات الأمنية وهي حديثة ولها معني محدد في ذهن القارئ أو الكاتب، والمصلحة الوطنية لها ارتباط مباشر بفرع من فروع العلوم السياسية وهو (الجيوكولتكس)، ويختلف اختلافاً واضحاً عن فكرة الجغرافيا السياسية، هذا العلم مهمته البحث في أحوال القوة State Power -حدوث القوة والضعف- لدي الدولة ولا علاقة له بالنُظم الحاكمة، ويترتب علي ذلك أن المصلحة الوطنية في الداخل تعني تماسك المجتمع ووعيه بوطنه وقدرته علي التماسك ودعم الديمقراطية وأدب الاختلاف وقواعده، فيمكن أن يختلف المواطنون في آرائهم تجاه قضية معينة، ولكنهم يلتقون جميعاً عند المصلحة الوطنية.

أهم عوامل قوة الدولة في الداخل هي المجتمع وقوة نظام الحُكم الذي تديره الدولة والالتزام بالدستور وقدرته علي زرع الوعي لدي الناس حتي يستطيعوا أن يميزوا عند الانتخاب بين من يصلح للوطن ويصلح للدائرة، وقد جرت العادة في الدول المتخلفة أن يركز المواطن فيمن يراه صالحاً لعضوية البرلمان علي نفعه الشخصي ثم علي نفع المرشح في الدائرة التي ينتمي إليها، ولا ترتقي معايير الناخب في الدولة المتخلفة إلي المصلحة الوطنية العليا، ولذلك الفرق بين الدولة المتخلفة والمتقدمة هو علاقة السلطة السياسية بالوطن في الدولة المتخلفة التي تستخدم السلطة السياسية لخدمتها، وتقوم هذه السلطة علي الأشخاص وتسمي في هذه الحالة (الدولة المافيا). أما المصلحة الوطنية علي المستوي الدولي فهي تحصل في قدرة الدولة علي احتلال موقع متميز سواء في الإقليم  أو في العالم بين القوي الكبرى، وهناك دول لا تملك المساحة ولا المكان ومع ذلك تحتل مكانة متميزة علي الخريطة الإقليمية والدولية مثل (قطر) التي تلعب أدوارًا تعجز عنها دول كبيرة مثل (مصر والسعودية). والمصلحة الوطنية علي المستوي الدولي تعني الكثير من أوراق القوة في يد الدولة، فلا تدخل في منازعات حادة وتحتفظ بكرامتها وحساسيتها تجاه العلاقات الإقليمية والدولية، كما تتدخل لتسوية المنازعات، كما يمكن أن تمارس نفوذ علي دول أخري في إقليمها، وهذا كله لحماية المصلحة الوطنية.

المصلحة الوطنية يجب أن يتم الاتفاق عليها في الداخل والخارج، ولا تنفرد بها قوة مهما كان حجمها، وتشمل المصلحة الوطنية أقسام متعددة: 

- القسم الأول هو المصلحة السياسية

- القسم الثاني هو المصلحة الاقتصادية

- القسم الثالث هو المصلحة المعنوية والأخلاقية

- القسم الرابع هو المصلحة الاجتماعية

- القسم الخامس هو المصلحة الأمنية والعسكرية

والمُلاحظ أن التعريفات السائدة في مصر تُركز علي القسم الأخير بمعني أن الأمن الجنائي والسياسي والحدود الدولية تدخل في هذا المفهوم، ولكن هذا المفهوم قاصر؛ لأن المصلحة الوطنية المصرية تظهر في أن يكون لمصر نفوذ في القارة الأفريقية والعربية إذا دخلت في نزاع مع أثيوبيا في سد النهضة، وتحريك للقوي سواء في الإطار الإقليمي أو الدولي، والمصلحة الوطنية المصرية تتركز في هذه الحال علي تأمين مصالح مصر المائية لنهر النيل، وتلك أولوية مطلقة في أقسام المصالح الوطنية المصرية ما لم تتمكن الحكومة من تجميع أوراق القوة وحُسن استخدامها لتأمين هذه المصلحة المصرية العليا، فيمكن القول أن المصلحة الوطنية المصرية مهدرة حتي لو كانت مصر تملك أقوي جيش في العالم وتتمتع برخاء ملحوظ.