قبل غزة.. كيف تعامل المجتمع الدولي مع الحروب السابقة؟

ذات مصر

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، يوم السابع من أكتوبر الماضي، ويمارس المجتمع الدولي ازدواجية فاضحة في المعايير، حيث الانحياز المطلق لإسرائيل، وتبني الأكاذيب وتلفيق الأخبار الزائفة مع تناقل روايات عن قتل الأطفال وقطع الرؤوس وذبح واغتصاب الإسرائيليات، لتبدو إسرائيل على أنها ضحية مظلومة افترستها أنياب "المجرمين" من المقاومة الفلسطينية.

ودفع هذا الانحياز بالعديد من النشطاء والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، إلى رفع شعار "ازدواجية المعايير"، حيث أجريت المقارنات بين طريقة تعاطي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع حالات مشابهة، كالحرب في أوكرانيا والمسارعة إلى اتهام موسكو بارتكاب الجرائم والضغط من أجل إعلاء معايير حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي، بينما يغضون الطرف اليوم عن المخالفات الإسرائيلية وانتهاكها لتلك القوانين والمعايير في عدوانها على غزة.

هذا الانحياز أيضًا، دفع إلى التفكير في الطريقة التي تعامل بها المجتمع الدولي مع حالات أخرى حدثت في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بداية من حرب الولايات المتحدة في فيتنام، ثم غزوها لأفغانستان ومن بعدهما غزو العراق، حيث بدا فيها المجتمع الدولي صامتًا عن انتهاك القوانين والأعراف الدولية وحقوق الإنسان، فيما تمارس عكس ذلك مع أوكرانيا وإسرائيل وحتى تايوان.

حرب فيتنام

دخلت الولايات المتحدة الحرب في فيتنام بكامل قوتها عام 1955، بعد تدخلها شيئًا فشيئًا خلال السنوات الخمس السابقة ومساعدتها لفرنسا ضد جمهورية فيتنام الديمقراطية (فيتنام الشمالية) المدعومة من روسيا والصين، حتى تدخلت كليًا بهدف تقييد المد الشيوعي في فيتنام؛ لأنهم اعتقدوا أنه سيؤدي إلى استيلاء الشيوعيين على السلطة في تايلاند ولاوس والملايو والمناطق التي أصبحت فيما بعد فيتنام، وقد يؤدي أيضًا إلى تغيير ميزان القوى في جميع أنحاء آسيا.

ووجدت الولايات المتحدة دعمًا واسعًا من المجتمع الدولي في حربها على فيتنام، حتى انسحبت بعد حرب استمرت نحو عشرين سنة انهزمت فيها "أمريكا القائد"، وخسرت أكثر من 58 ألفًا من جنودها هناك، إلا أنها ارتكبت كمًا هائلًا من جرائم الحرب، في ظل مجتمع دولي نسي القوانين الدولية التي يتشدق بها ليل نهار.

حرب أفغانستان.. الغزو الأعمى

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، غزت الولايات المتحدة أفغانستان ووراءها دعم حلفائها من المجتمع الدولي، فأطاحت بحكومة طالبان التي كانت تدعمها سلفًا، إلا أن الرياح جرت بما لا يشتهيه صناع السياسة الأمريكية.

دخلت الولايات المتحدة أفغانستان بهدف القضاء على نظام القاعدة، الذي اتهمته بالمسؤولية عن تفجير مبنى التجارة العالمية في نيويورك ومبنى البنتاجون في واشنطن في أحداث الـ11 من سبتمبر عام 2001، متهمة طالبان بالتستر على قادة "القاعدة" وإخفائهم في أفغانستان.

وكتدخلها في فيتنام، وجدت الولايات المتحدة دعمًا واسعًا من المجتمع الدولي في حربها العمياء التي استمرت 20 عامًا، وهي أطول حرب دخلتها الولايات المتحدة في تاريخها حتى انسحبت عام 2021، بعد كم هائل من الجرائم التي ارتكبتها هناك.

وظل المجتمع الدولي صامتًا إزاء الانتهاكات الأمريكية في أفغانستان والخسائر التي وقعت بين المدنيين هناك، فيما أثبتت منظمات حقوقية ودولية، سقوط أكثر من 100 ألف من المدنيين الأفغان، فضلًا عن 11 مليون لاجئًا.

غزو العراق والنووي المزعوم

في أواخر مارس عام 2003، غزت الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها العراق، وأطاحت بنظام صدام حسين وحكومته؛ بذريعة أن بغداد تمتلك أسلحة دمار شامل تشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين.

بدأت أمريكا وحلفاؤها في تسخير آلتهم الإعلامية لترويج ما زعمت أنها أدلة دامغة على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، فضلًا عن صواريخ باليستية بعيدة المدى، وبحجة أن هذا انتهاكا للقانون الدولي، في حين أن واشنطن لم تنتظر تقرير مفتشي الأسلحة من الأمم المتحدة وهيئة الطاقة الدولية وشكلت "تحالف الراغبين" ضد العراق.

ومن بين 30 دولة في التحالف الغربي، شاركت بريطانيا وأستراليا وبولندا في الغزو، حيث أرسلت المملكة المتحدة 45 ألف جندي، وأرسلت أستراليا 2000 جندي، وأرسلت بولندا 194 من أفراد القوات الخاصة، في حين سمحت الكويت بشن الغزو من أراضيها.

ولم تعبأ الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما بتحذير العراق من الترويج الأمريكي للحرب عليه بلا أي مبرر.

وكشفت وثائق بريطانية أن لندن كانت تثق من عدم صحة مزاعم امتلاك العراق أي قدرة على الحصول على أسلحة دمار شامل أو صواريخ بعيدة المدى، قبل غزو بغداد بعامين على الأقل.

وأثبتت وثائق مجلس الوزراء البريطاني، التي أفرج عنها في فبراير 2023، علم رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، توني بلير بخلو العراق من أي قدرات لامتلاك أسلحة محظورة وفقا لقرارات الأمم المتحدة الصادرة قبل وبعد إخراج الجيش العراقي من الكويت في شهر فبراير عام 1991 في أعقاب عملية عاصفة الصحراء.

إلا أن المجتمع الدولي لم يحرك ساكنًا تجاه الانتهاكات الأمريكية في العراق، والتنكيل الذي أثبتته منظمات حقوقية ودولية، والذي لحق آلاف العراقيين في السجون الأمريكية. وتشير التقديرات إلى أن 461 ألف شخص لقوا حتفهم في العراق لأسباب تتعلق بالحرب بين عامي 2003 و 2011.

تايوان أوكرانيا.. انتفاض للمصلحة

على الجانب الآخر، وخلال الصراع في أوكرانيا، اتهم المجتمع الدولي، موسكو بممارسة "العدوان على دولة ذات سيادة"، فضلاً عن اتهامها باحتلال وقصف مرافق البنى التحتية، من مستشفيات ومدارس ومنشآت للطاقة ومراكز حكومية مدنية، بلا أدلة ومن أجل أجندات سياسية باتت واضحة اليوم.

وأطلت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين من كييف، واتهمت روسيا بقتل الأطفال وتفجير المدارس والمستشفيات والبنى التحتية، ودعت دول العالم إلى مواجهة ما اعتبرته في حينه "الإجرام الروسي".

وهي أيضًا التي أطلت من تل أبيب منذ بداية الحرب، وهي تعتمر خوذة، وتقف في صفّ الجهة القاتلة، وتقول: "نقدّم دعماً غير مشروط لإسرائيل من أجل الدفاع عن نفسها".

وفي تايوان، وقف المجتمع الدولي بجانب حقها في الاستقلال عن الصين التي كانت جزءًا منها قبل أكثر من 100 عام، حيث دعمتها الولايات المتحدة، وتعهدت بالدفاع عنها حال حدوث أي هجوم عليها من الصين.

وقبل نحو عام، ذهبت رئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بيلوسي، إلى تايوان في خطوة حذرت منها الصين مرارًا وحشدت قواتها قرب الجزيرة في رسالة تهديد واضحة لواشنطن.

ولم تأبه رئيسة مجلس النواب الأمريكي بتهديدات بكين وضربت بكل ما قيل من جانب المسؤولين الصينيين وكان آخرهم الرئيس شي جين بينغ الذي حذر نظيره الأمريكي جو بايدن من "اللعب بالنار"، عرض الحائط، وأجرت بالفعل زيارة إلى تايوان من المقرر أن تستغرق يومين.

هكذا ينتفض المجتمع الدولي لمصالحه، منتهكًا كل الحقوق والقوانين إذا تطلب الأمر، رافعًا شعار الالتزام بها وفق ما تتطلبه المصلحة.