أيمن شرف يكتب: ثم ماذا بعد «الحرب على غزة»؟ (1-3)

ذات مصر

ماذا لو كانت نتيجة الحرب الإسرائليلة – الأمريكية الحالية على غزة هي القضاء على حركة المقاومة الإسلامية؟

النتيجة – فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية- هي استكمال السيناريو الإسرائيلي الذي بدأ منذ اغتيال رابين بعد اتفاق أوسلو، واتجاه الحكم نحو اليمين الإسرائيلي المتطرف، وهو تقويض حل الدولتين على الأرض، والذي كان قد قارب على الانتهاء – وفق تصور الحكم اليميني المتطرف لإسرائيل- بالتخلص من الفلسطينيين أنفسهم باتجاه الأردن ومصر، أو باتجاهات أخرى وفق أفكار حديثة بعد الرفض المصري والأردني الصريح.
بهذا المعنى تخسر الدول صاحبة المصلحة في إمكانية حل القضية الفلسطينية وتأسيس دولة للفلسطينيين، والذي يعني -على المستوى الاستراتيجي- تحويل إسرائيل من "قوة إقليمية" إلى دولة عادية.. هذه الدول هي من تتنافس على النفوذ في الإقليم، وهي -بدون ترتيب حسب الدور والقدرة-: إيران ومصر وتركيا والسعودية.

وبالتالي من مصلحة هذه الدول –واقعيا– أن تعمل على ألا تنتهي الحرب الإسرائيلية – الأمريكية الحالية على غزة بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية وقدراتها العسكرية، والتي تُمثل في هذه اللحظة أداة فعالة في إجبار إسرائيل على تقبل وضعها "كقوة متوسطة الحجم"، وليس كقوة إقليمية مرهوبة الجانب.

من هنا يتعين على تلك الدول أن تسعى بقوة لمنع السيناريو الأمريكي – الإسرائيلي الغربي الحالي لتركيع كل المنطقة، بالقضاء على إمكانية "الانتصار على إسرائيل"... وتحقيق انتصار إسرائيلي أيا ما كان ثمنه المعنوي حول العالم، وأيا ما كانت آثاره على سمعة "السياسيين" الغربيين المناصرين لإسرائيل.. وأيا ما كان حجم الفضيحة الأخلاقية للنخب السياسية الحاكمة في أمريكا وأوروبا (وتحديدا: بريطانيا وألمانيا وفرنسا).

وللتحديد هنا ينبغي تعريف الانتصار على إسرائيل.. لا يتمثل الانتصار على إسرائيل في "عملية 7 أكتوبر" في حد ذاتها بالطبع، بل في نتائجها الديموجرافية والجيوسياسية، أي في هجرة مئات الآلاف من الإسرائيليين (المستوطنين)، بل والملايين (مليونان إلى ثلاثة ملايين)، وانتهاء مفهوم "إسرائيل واحة آمنة- حاضنة ليهود العالم"، واحتراق صورة إسرائيل الذهنية لدى شعوب العالم وأجياله الجديدة (خاصة في أوروبا وأمريكا) وانكشاف السياسيين المناصرين لها، وكذلك في تراجع القدرة الاقتصادية لإسرائيل، وافتقادها لمكونات القوة الشاملة بمرور الوقت ما بعد 7 أكتوبر 2023.

لو أن هذه الرؤية حاضرة في أذهان من يحكمون هذه الدول الأربعة المتنافسة على النفوذ في المنطقة: إيران ومصر وتركيا والسعودية، ولو كان لديهم تصورات واضحة ودقيقة عن إمكانية إحداث تحول حقيقي في موازين القوى الدولية، سيمكنهم التحرك (معا أو منفردين) أو بالتنسيق مع كل من روسيا والصين، لصياغة مجموعة من الإجراءات الفعلية للحيلولة دون تنفيذ السيناريو الأمريكي – الإسرائيلي.

في ظل ردود الأفعال العربية والإسلامية المتواضعة تجاه "الحرب على غزة" والذي تستكمله إسرائيل في الضفة الغربية أيضاً- قد يبدو الأمر من قبيل الأمنيات، لكن البيئة السياسية في الشرق الأوسط والعالم ليست "استاتيكية" ساكنة، بل هي متغيرة بالقدر الذي يسمح بتغيير ردود الأفعال.

العالم يتحول في محطات فارقة من الأحداث.. يمكننا أن نتذكر الآن.. ماذا حدث في العالم قبيل وبعد حرب السويس 1956 مباشرة.. من محاولة بريطانية – فرنسية لاستعادة الحضور الطاغي في الشرق الأوسط إلى تراجع دراماتيكي في حضورهما كقوى استعمارية حول العالم.