رغم أنها ساعدت في "ولادتها".. الصراع يشتعل بين «الأمم المتحدة وإسرائيل»

ذات مصر

دائمًا ما ينظر للأمم المتحدة على أنها المنظمة الدولية التي ساهمت بشكل رئيسي في "ولادة إسرائيل" ذات يوم، ففي عام 1947، فأقرت الجمعية العامة للمنظمة، بما يخالف إرادة الدول العربية، خطتها لتقسيم فلسطين، ما مهد الطريق لتأسيس دولة إسرائيل بعد ستة أشهر.

وبعد حرب عام 1967 أو ما تعرف بحرب الأيام الستة التي انتهت بهزيمة الجيوش العربية، واحتلال إسرائيل لأرض سيناء والضفة والجولان والقدس، تدهورت العلاقات بين إسرائيل والأمم المتحدة بشكل ملحوظ.

ومنذ ذلك الحين تنامت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنتقد إسرائيل بشكل لافت، ويوجد الآن في كل اجتماع لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بند في جدول الأعمال يتناول الوضع في الأراضي التي تحتلها إسرائيل.

هجوم وانتقادات

ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع، وصلت العلاقة بين إسرائيل والأمم المتحدة إلى أدنى مستوياتها، لاسيما بعد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، استخدامه المادة 99، وهي أداة نادرة الاستخدام، في إطار سعيه الجاد لوقف إطلاق النار في غزة، ما أثار غضب الدبلوماسيين الإسرائيليين.

وأدان جوتيريش بشدة، عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس وفصائل فلسطينية مقاومة على إسرائيل، لكنه ذكر في الوقت نفسه أنه لم يأت "من فراغ"، وأن الفلسطينيين عانوا من "احتلال قمعي" من قبل إسرائيل لعقود من الزمن وأن إسرائيل ارتكبت "انتهاكات ضد القانون الإنساني الدولي في غزة".

وجاءت انتقادات الأمين العام للأمم المتحدة، لإسرائيل لتصب الزيت على نار العلاقة المتوترة مع تل أبيب، والتي تتسم أصلا بالتعقيد منذ فترة طويلة، حيث أثارت انتقاداته ضجة، حتى في أروقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهاجم المندوبون بعضهم البعض باتهامات كـ "الافتقار إلى التعاطف"، وفي المقابل، أصيب جوتيريش نفسه بالصدمة وقال بأنه "أسيء تفسيره".

ولم تتأخر إسرائيل كثيرًا في الإعراب عن غضبها، فقالت الخارجية الإسرائيلية: "لقد تجاوز أنطونيو جوتيريش الخط الأحمر وبرر الفظائع التي ترتكبها حماس". كما دعا سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، إلى الاستقالة الفورية للأمين العام للأمم المتحدة. ووصل الأمر إلى إعلان الحكومة الإسرائيلية أنها سترفض منح تأشيرات لممثلي الأمم المتحدة.

وهاجم وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين الأمين العام للأمم المتحدة بسبب انتقاداته، قائلاً إن ولاية الأمين العام للأمم المتحدة تشكل “خطراً على السلام العالمي” وأن دعوته لوقف إطلاق النار في غزة ترقى إلى مستوى دعم حماس وهجوم 7 أكتوبر.

تاريخ من التشويه

ورغم أن الأمم المتحدة ساعدت على قيام دولة الاحتلال، إلا أن النهج الإسرائيلي في تشويه سمعة المنظمة بدأ مبكرًا بعيد اعتماد المنظمة خطة تقسيم فلسطين عام 1947، باغتيال وسيط الأمم المتحدة آنذاك الكونت السويدي فولك برنادوت في سبتمبر عام 1948 في القدس على يد مجموعة إسرائيلية متطرفة بعد أن حصل على هدنة واقترح تسوية للصراع، على أساس تدويل القدس وعودة اللاجئين.

ولم تنفك دولة الاحتلال عن تشويه سمعة المؤسسة بشكل ممنهج، فعندما كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، سفير بلاده في الأمم المتحدة بين عامي 1984 و1988، شن حملة لتشويه سمعة المؤسسة بمستوى "غير مسبوق" من العدوانية، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.

وتضيف الصحيفة أن نتنياهو لا يزال مصممًا على تحرير إسرائيل من قواعد القانون الدولي، باسم الضرورات الأمنية التي يصدرها هو وحده ويريد فرضها على جميع الأطراف، وأن إسرائيل منذ قيامها، تستمر في تحدي سيادة الأمم المتحدة باستفزاز لا مثيل له.

مشكلة فلسطين

لا توجد منطقة احتلال أو أزمة أخرى في العالم أصدرت الأمم المتحدة بشأنها قرارات مثل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولطالما كانت العلاقة بين إسرائيل والأمم المتحدة متوترة في معظم أحوالها. 

وهناك أغلبية ثابتة ودائمة من الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تضع بانتظام وضع الفلسطينيين على جدول أعمال المنظمة الأممية على مدار سنوات، وتنتقد إسرائيل، فضلًا عن الدول ذات الغالبية المسلمة.

وتفيد منظمة "رقابة الأمم المتحدة"، أن الجمعية العامة أصدرت بين عامي 2015 و2022 نحو 140 قراراً تنتقد إسرائيل في قضايا مثل بناء المستوطنات أو ضم مرتفعات الجولان. وفي الفترة نفسها، لم يصدر سوى 68 قراراً آخر بشأن كل مناطق العالم الأخرى، من بينها خمسة تناولت إيران.

ويرى محللون أن الإسرائيليون يشعرون منذ فترة طويلة بأنهم يُعاملون بشكل غير عادل من قبل الأمم المتحدة. ولعل هذا هو السبب الذي جعل رد فعل إسرائيل على كلمات أمينها العام حاداً بهذا الشكل.

دعم أمريكي متواصل

وعقب اغتيال المبعوث الأممي في القدس عام 1948، اعتمدت الجمعية العامة، قرار "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين، كبديل للخيار بين العودة والتعويض، لكن إسرائيل عارضت المبدأ بشكل جذري، وساعدتها الولايات المتحدة بتحويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين التي استبعدت تنفيذ العودة للتركيز على "عمل" اللاجئين في البلد المضيف لهم.

وبعد حرب 1967 أصبحت الولايات المتحدة الوسيط الحصري في الصراع العربي الإسرائيلي كما حدث في محادثات السلام المنفردة مع مصر والأردن. ويستبعد هذا السلام الأمريكي الأمم المتحدة، كما تستخدم واشنطن حق النقض بانتظام لصالح إسرائيل، في انحياز مستمر عطلت بموجبه كل مشروع قرار غير مواتٍ لإسرائيل.