عمار علي حسن يكتب: حالة المصنع.. علاقة بريطانيا بالجماعات السياسية الإسلامية

ذات مصر

انتظر كثيرون طويلا حتى يتم الإفراج عن وثائق رسمية بريطانية سرية كي يقفوا على طبيعة العلاقة بين لندن وجماعات وتنظيمات إسلامية متطرفة في ربوع العالم الإسلامي، الذي وقع تحت احتلال الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، بدءا من نيجيريا غربا وحتى الهند شرقا. وفي الوقت الذي كانت فيه جماعة "الإخوان المسلمين" تقترب من الوصول إلى سدة الحكم في مصر، كانت رحم إحدى المطابع تقذف كتاب مارك كورتيس، حيث رأى النور عام 2010، ثم تُرجم في مصر، ونشر بعد أسابيع قليلة من بدء حكم الإخواني محمد مرسي.

وإذا عرفنا شيئا عن كورتيس والطريقة التي ألف بها كتابه، سنقف على مدى مصداقية ما ورد في من معلومات وتحليلات أيضا. فالمؤلف صحفي وكاتب، عمل باحثا في المعهد الملكي للشؤون الدولية، ومديرا لحركة التنمية الدولية، ورئيسا لقسم السياسة في مؤسسة المعونة المسيحية. أما الكتاب فهو ثمرة لبحوث استمرت شهورا كثيرة تم خلالها التنقيب في المحفوظات الوطنية بلندن، وفحص الملفات البريطانية التي رفعت عنها السرية، والخاصة بجهاز المخابرات ووزارة الخارجية تجاه العالم الإسلامي. أما الدافع الرئيسي لقدومه على البحث في هذا الاتجاه، ووضع نتائج بحثه بين دفتي كتاب، فينبع من الخوف الذي انتابه بعد تفجير قنابل بلندن في شهر يوليو من عام 2005، مما أدى إلى قتل اثنين وخمسين وجرح ما يربو على سبعمائة شخص، وهو الحدث الذي أثار صدمة البريطانيين وهم يسمعون من يقول لهم: "من أعمالكم سلط عليكم" أو ينصتون إلى حديث شخصيات عسكرية بريطانية بارزة عن "تهديد التطرف الإسلامي" و"حرب الثلاثين عاما الخاصة بنا".

عبر مطالعته الصبورة لهذه الوثائق الرسمية التي لفها الكتمان خمسين عاما يرسم الكاتب لنا خريطة كاملة للدور الذي لعبته بريطانيا في إطلاق وصناعة أو تشجيع وتوظيف الجماعات والتنظيمات السياسية الإسلامية على اختلاف درجات ارتكابها للعنف الرمزي واللفظي والمادي، سوءا باتصال مباشر بقادتها وإبرام اتفاقات سرية معهم، أو من خلال التعاون مع نظم حكم في العالم الإسلامي، أو تبادل المعلومات والتفاهمات مع أجهزة استخبارات. وهو دور استمر، بدرجة أقل، مع صعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى واجهة النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وانحسار نفوذ بريطانيا، التي لم تلبث أن عملت بدهاء في خدمة القوى العالمية الكبرى الجديدة، كي تحافظ على الحد المناسب من مصالح الإنجليز في العالم، الأمر الذي تطب قيام لندن بتسليم العديد من الملفات والمعلومات والتصورات السياسية لواشنطن، ومن بينها ملف الجماعات الإسلامية المتطرفة.

يسيح بنا الكاتب في جغرافية واسعة ليكشف النقاب عن صلات بريطانيا بدول وجماعات وأفراد في أفريقيا وآسيا ودول البلقان في أوروبا أدت في خاتمة المطاف إلى تعزيز نفوذ "الإسلام السياسي"، بدءا من التآمر مع قوى إسلامية متطرفة على خلافة سوكوتو بنيجيريا في أوائل القرن العشرين وحتى محاربة بقايا الشيوعية واليسارية في يوغسلافيا المتفككة مرورا بدق المسمار الأخير في نعش الخلافة العثمانية التي تحولت إلى "رجل أوروبا المريض"، وفصل باكستان عن الهند، ومحاربة القومية العربية التي بلغت أوجها مع حكم جمال عبد الناصر في مصر، وإسقاط مصدق في إيران، ثم التحالف مع مجموعات متطرفة شيعية في إيران وسنية في العراق، والحفاظ على المصالح التجارية في جنوب شرق آسيا والهند، وتعزيز وجود إسرائيل. وقد تم كل هذا تحت طائلة المبدأ السياسي الأثير لدى بريطانيا وهو "فرق تسد".

لم يبدأ الكاتب في علاقة بريطانيا بجماعة الإخوان المسلمين من تلك الواقعة الشهيرة التي صارت من المسلمات في كتب التاريخ المصري الحديث والمعاصر، وهي قيام شركة قناة السويس، البريطانية وقتها، بالتبرع بمبلغ خمسمائة جنيه لمؤسس الإخوان حسن البنا بعد تأسيس الجماعة بفترة وجيزة، إنما يؤكد أن العلاقة الأقوى والتواصل المباشر بين الطرفين بدأ عام 1941، حين أدرك البريطانيون أن الإخوان قد صاروا قوة بوسعها أن تهدد مصالحهم في مصر، فعرضوا على البنا تأييد سياستهم، أو على الأفل عدم القيام بأي عمل مضاد لهم، مقابل تقديم معونات مادية. 

وفي 18 مايو من العام نفسه عقد مسؤولو السفارة البريطانية بالقاهرة اجتماعا مع أمين عثمان رئيس وزراء مصر تم فيه الاتفاق على أن تدفع الحكومة المصرية سرا دعما ماليا للإخوان، وأن يتم زرع عملاء للحكومة في صفوف الإخوان لمراقبة أنشطتهم، وتقدم المعلومات للبريطانيين، تحسبا لميل الإخوان إلى النازي، بعد اتصال جناح الجماعة في فلسطين وقتها بهتلر. وأسفر الاتفاق عن هدوء الإخوان في الشارع، في حين تبين الكتابات التاريخية المصرية في هذه الفترة، مثل كتاب طارق البشري عن الحركة الوطنية المصرية 1945 ـ 1952، أن طلبة الإخوان كانوا يتصدون للمتظاهرين الوفديين ضد الإنجليز، ويرصد حالة من تحسن معاملة الإخوان المسجونين، مقارنة بغيرهم من الشيوعيين وأنصار "مصر الفتاة" والوفديين.

وفي حين يشير الكاتب إلى احتمال أن يكون أحد أتباع البنا من التنظيم الخاص هو الذي قام باغتياله يتابع تعاون الإنجليز مع خليفته حسن الهضيبي، ففي ديسمبر 1951 عقد مسؤولون بريطانيون عدة اجتماعات مع أحد مستشاريه، فيما تبين الوثائق أن الإخوان كانوا مستعدين تماما للقاء البريطانيين سرا، رغم دعوتهم العلنية لشن هجمات عليهم كقوة محتلة. أما في أوائل عام 1953 عقد مسؤولون بريطانيون اجتماعا مباشرا مع الهضيبي لمعرفة رأي الإخوان في المفاوضات الوشيكة بين لندن والحكومة المصرية الجديدة، بعد حركة الضباط في يوليو 1952، بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر. وهنا تبين الوثائق أن البريطانيين أرادوا الاعتماد على الإخوان كقوة تأثير تعمل لصالحهم في هذا التفاوض. وقد هاجم عبد الناصر الإخوان لهذا السبب، واتهمهم بأنهم "يجرون مفاوضات سرية من وراء ظهر الثورة" وأنهم قد قبلوا بشروط معينة للجلاء تغل من يد الحكومة المصرية، واتهم بريطانيا نفسها بأنها تتآمر مع الإخوان. 

كما تحوي الملفات مذكرة عن اجتماع عقد بين مسؤولين بريطانيين والإخوان في 7 فبراير 1953 أخبر فيه شخص اسمه "أبو رفيق" المستشار الشرقي للسفارة البريطانية تريفور إيفانز، أنه "إذا بحثت مصر في كل أرجاء العالم عن صديق فلن تجد سوى بريطانيا"، وفسرت السفارة البريطانية هذا بأن هناك مجموعة داخل الإخوان على استعداد للتعاون مع لندن، وجاءت ملاحظة على هذا مكتوبة بخط اليد تقول: "إن هذا الاستنتاج له ما يبرره على ما يبدو، وهو يدعو للدهشة"، وعزت المذكرة هذا إلى أنه "ربما ينبع من تزايد نفوذ الطبقة الوسطى في الإخوان، مقارنة بالقيادة الشعبية في الأساس للحركة في أيام حسن البنا". 

بعدها، ووفق هذا الكتاب، بدأت مرحلة أخرى في تعاون الإخوان مع البريطانيين لضرب "القومية العربية"، وساهمت في هذا أنظمة حكم عربية محافظة، فمنحت، برعاية لندن ومعها واشنطن، جوازات سفر دبلوماسية لقادة من الجماعة، ومولتهم ماليا أيضا، ووفرت لهم ملاذا آمنا بعد هروبهم من مصر إثر اصطدامهم الأول بعبد الناصر بعد محاولة فاشلة لاغتياله في مارس 1954. وكتب إيفانز مذكرة يبين فيها أن بلاده ستواصل التعاون مع الإخوان في المستقبل القريب، من أجل تحقيق "هدف بريطانيا الأول وهو اختفاء نظام عبد الناصر". ولم يقتصر التعاون على الإخوان في مصر فحسب، بل في بلاد الشام والعراق أيضا، لضرب كل معاقل التوجه القومي.

وبعد الانتهاء من فحص الوثائق يكمل الكاتب مسار التحالف بين بريطانيا والولايات المتحدة والإخوان عبر تنظيمهم الدولي الذي قاده سعيد رمضان، ثم الترحيب بالخطوة التي أقدم عليها الرئيس أنور السادات بتوظيف الإخوان، ثم إنشاء "الجماعة الإسلامية" في الجامعات لضرب التيار اليساري، وخصوصا الناصري، بغية تصفية الاتجاه القومي تماما، لتأتي بعدها مرحلة استغلال التنظيمات الإسلامية المتطرفة في إنهاك الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، والذي لعب فيه التنظيم الدولي للإخوان دورا كبيرا عبر هيئات الإغاثة، فيكتب تحت عنوان "احتضان القاعدة" قائلا: "في عام 1994 أنشأ أسامة بن لادن مكتبا في لندن أسماه لجنة الشورى والإصلاح" ثم يبين كيف أُستغل هذا المكتب في تجنيد متدربين، وشراء معدات، والقيام بخدمات، وتلقي التقارير التي ترسلها التنظيمات الجهادية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. 

ويبين الكتاب خيوط وخطوط التعاون بين المخابرات البريطانية ونظيرتها الأمريكية في هذا الملف، حتى إنشاء ما يسمى "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" المعروفة باسم "القاعدة" في عام 1998، وكيف سبق هذا تشجيع قيام حركة طالبان بمساعدة الحكومة الباكستانية، ما أدى إلى قيام وانتعاش تنظيمات متطرفة في جنوب شرق آسيا. وعلى هذا الدرب تعاونت بريطانيا، أو ساعدت على إنشاء وتعزيز، الجماعة الإسلامية التي تأسست في الهند البريطانية عام 1941، لتصبح قوى سياسية كبرى في باكستان عقب انفصالها عن الهند، كما عملت بريطانيا سرا إلى جانب حركة دار الإسلام في أندونيسيا، والقوى الشيعية المتطرفة في إيران، والشيعة الإسماعيلية في العراق، وشجعت على قيام مجموعات تشن حرب عصابات في أذربيجان والبوسنة وكوسوفو، وفي ليبيا حتى الآن.

ويعود الكاتب إلى رهان بريطانيا على "جماعة الإخوان المسلمين" في أواخر عهد مبارك، حيث كتب السفير البريطاني في القاهرة عبر مذكرة له في عام يونيو 2005 إلى أن الحديث مع الإخوان قد يكون مفيدا للحصول على معلومات وهو ما يتفق مع سياسة بريطانيا في تجنيد مرشدين، كما أن توظيف الإخوان في الضغط على مبارك سيسهم في إجباره على "الإصلاح السياسي"، وفي الوقت ذاته حذر من أن التعامل مباشرة مع الإخوان، أو الضغط على مبارك لإضفاء شرعية على الجماعة، قد يؤدي إلى الإضرار بعلاقة القاهرة بلندن، إلا أنه قال: "إذا تم قمع الإخوان بشكل عدواني، فإن الأمر سيقتضي منا ردا".

 واتفق مسؤولون بالخارجية البريطانية مع هذا الاتجاه بدعوى أن التعاون مع الإخوان سيساعد في استيعاب التنظيمات الإسلامية الأشد تطرفا، ويُبقى بعض الأوراق في يد بريطانيا على المستوى الإقليمي والدولي، تستغلها لتحقيق مصالحها. وهنا يرى الكاتب نفسه أن لندن نظرت إلى الإخوان على أنهم "يشكلون سدا منيعا أمام أي تغيير وطني أكثر شعبية في مصر والمنطقة".

ووصل الكاتب إلى المحطة الأخيرة في كتابه بعد أن طاف بآثار تعاون الحكومات البريطانية المتعاقبة من المحافظين والعمال مع القوى الإسلامية المتطرفة في بلدان إسلامية كانت تنضوي تحت الاحتلال البريطاني، وهي وجود المتطرفين في لندن نفسها، منعمين بـ "ملاذ آمن" من خلال منح قادة بعض التنظيمات الإرهابية حق اللجوء السياسي، والسماح لهم بتكوين الجمعيات والمؤسسات التي يمتد نشاطها إلى بلدانهم الأصلية. وهنا يقول: 

"لم تتسامح هوايتهول فحسب مع تطور لندنستان ـ العاصمة التي تعمل قاعدة ومركز تنظيم لجماعات جهادية كثيرة، بل وشجعت ذلك ـ ووفر هذا ضوءا أخضر بحكم الأمر الواقع لذلك الإرهاب. وأظن أن بعض العناصر، على الأقل في المؤسسة البريطانية، سمحت للجماعات المتأسلمة بأن تعمل انطلاقا من لندن ليس فقط لأنها كانت تقدم معلومات لأجهزة الأمن ولكن أيضا لأنها كانت تعد مفيدة بالنسبة للسياسة الخارجية البريطانية، خاصة في الحفاظ على شرق أوسط منقسم سياسيا، وهو هدف قديم العهد للمخططين في عصر الإمبراطورية وفيما بعد الحرب، وكرافعة للتأثير على سياسات الحكومات الخارجية".

من أجل هذا كانت لندن في تسعينيات القرن العشرين من مراكز العالم الكبرى بالنسبة للجماعات الإسلامية المتطرفة غلى غرار الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وجماعة الجهاد المصرية، وتنظيم القاعدة نفسه من خلال مكتبها المسمى "لجنة الشورى والإصلاح" كما سبق الذكر، واعتبر التنظيم لندن المركز العصبي لعملياته في أوروبا، وتم جمع ملايين الجنيهات الإسترليني لتجنيد إرهابيين وتمويل قضاياهم من أفغانستان إلى اليمن.

وقد ساهم التواطؤ البريطاني مع الجماعات الإسلامية المتطرفة في خدمة ثلاثة أهداف رئيسية للندن، يمكن ذكرها على النحو التالي:

  1. ـ ضمان النفوذ والسيطرة على موارد الطاقة.
  2. ـ الحفاظ على مكانة بريطانيا في نظام مالي دولي موالي للغرب. وفي هذه الناحية تعاونت بريطانيا مع الولايات المتحدة التي يقول الكاتب "إن لها تاريخا مماثلا من التواطؤ مع الإسلام المتطرف"، حتى تراجعت بريطانيا في هذا وصارت تشكل الشريك الأدنى، أو الذراع السرية للحكومة الأمريكية، بل "قامت بالعمليات القذرة التي لم تكن تستطيع واشنطن القيام بها، أو لا تريد القيام بذلك".
  3. ـ اتقاء شر هذه الجماعات، ما وضحه كريسين بلاك، وهو محلل سابق لمعلومات المخابرات في رئاسة مجلس الوزراء، بقوله إن هناك ما يسمى "عهد الأمن" بين المتطرفين في بريطانيا وإدارات الأمن، باعتبارها عادة بريطانية قديمة تقوم على توفير الملجأ والرفاه لأهل التطرف الإسلامي مقابل عدم تنفيذ أي هجمات في بريطانيا أو ضد مصالحها في الخارج، وهو ما أكده ضابط استخبارات بريطاني بقوله:

 "كانت هناك صفقة مع شذاذ الأفاق هؤلاء. فقد أخبرناهم أنهم إن لم يسببوا لنا أي مشاكل، فإننا لن نضايقهم".

ولا يعني هذا أن الكاتب يميل إلى أن بريطانيا هي التي صنعت "الإسلام المتطرف" أو "الجماعات الجهادية العنيفة"، لأن هذا الاستنتاج، في نظره، ينطوي على مبالغة في تقدير النفوذ الغربي في مناطق مثل الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، ويتجاهل عوامل محلية أو داخلية، وإرث أيديولوجي، ساهم في إنتاج هذه التنظيمات، لكن السياسة البريطانية زكت هذه الصناعة، بما ساهم في خلق خطر الإرهاب الراهن. وهنا يقول: 

"إن الحكومات البريطانية في سعيها لتحقيق ما يسمى المصلحة الوطنية في الخارج، تواطأت عقودا طويلة مع القوى الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك التنظيمات الإرهابية، فقد تسترت عليها، وعملت إلى جانبها، وأحيانا دربتها ومولتها، بغية الترويج لأهداف محددة للسياسة الخارجية .. وقد أقامت بريطانيا مع بعض هذه القوى تحالفا استراتيجيا دائما لضمان تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأساسية طويلة الأجل. ودخلت في زواج مصلحة واتحاد وثيق العرى بصورة مؤقتة مع قوى أخرى منها لتحقيق نتائج محددة قصيرة الأجل".

ومن وجهة نظر الكاتب فإن بريطانيا استفادت من التعاون مع هذه الجماعات بطرق خمس، بوصفها قوة مضادة عالميا للأـيديولوجيات اليسارية القومية العربية والشيوعية السوفيتية، وقوة عضلية محافظة داخل بلدانها للتصدي لليسار، ومساندة النظم الموالية للغرب، وقوة صدام عنيف تزعزع استقرار الحكومات، وتطيح بها إن كانت تناوئ الغرب، وبوصفها قائمة مقام قوة عسكرية لخوض الحرب، إذا استدعى الأمر، وكذلك إمكانية استعمالها أدوات سياسية لدفع الحكومات للتغيير. 

ويبدو أن هذه الطرق الخمس، وما يقع خلفها من تصور وسياسات وخطط واستراتيجيات، لا تزال تعمل، ليس لدى البريطانيين بالدرجة الأساسية في الوقت الراهن، إنما عند الولايات المتحدة الأمريكية، التي ملأت الفراغ الذي نجم عن انسحاب بريطانيا من شرق السويس، ولم تعد علاقاتها بالجماعات الإسلامية المتطرفة خافية على كثيرين.