الحرب على تجار «السوق السوداء».. هل تنهي الحلول الأمنية أزمة الاقتصاد المصري؟

ذات مصر

تشن الدولة المصرية حربًا على مافيا الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي، والمضاربة بأسعار العملات، في محاولة منها لكبح جماح دولار السوق الموازي، الذي تجاوز حاجز الـ70 جنيهًا، رغم استقرار دولار البنك المركزي عند نحو 31 جنيهًا لأكثر من عام.

الأجهزة الأمنية تمكنت من توجيه ضربات مؤثرة للسوق السوداء للدولار، استهدفت جرائم الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي والمضاربة بأسعار العملات، لتعلن القبض على عدد من رجال الأعمال والمشتغلين بسوق الصرف، بعد معلومات تُفيد باتجارهم غير المشروع بالنقد الأجنبي.

54 قضية في يوم واحد

وكثفت وزارة الداخلية جهودها لرصد وملاحقة القائمين على ذلك النشاط المالي الإجرامي، في كل المحافظات للتصدي لارتفاع أسعار الدولار، وتجار السوق السوداء الذين يستغلون الأوضاع الحالية في تعميق الأزمة، والتسبب في حالة من التدهور للاقتصاد لتحقيق مكاسب شخصية.

واستهدفت حملات الوزارة تجفيف منابع الاتجار في العملة بالسوق السوداء، من خلال ضبط أباطرة تجار العملة من جانب، وتكثيف التحريات لضبط المتهمين بغسيل أموالهم جراء الاتجار في العملة، وهو ما تسبب في هبوط سعر الدولار.

وأمس الأحد، نجحت الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة ومديريات الأمن، في ضبط 54 قضية إتجار فى العملات الأجنبية المختلفة بقيمة مالية قرابة 20 مليون جنيه خلال 24 ساعة.

وأسفرت جهود قطاع الأمن العام بالاشتراك مع الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة ومديريات الأمن خلال 24 ساعة، عن ضبط 54 قضية إتجار في العملات الأجنبية المختلفة بقيمة مالية قرابة 20 مليون جنيه.

الحملات الأخيرة سبقها ضبط مئات القضايا خلال الفترة الماضية، لعل أبرزها كان القبض على إمبراطور الذهب يمتلك عديداً من المحال بمنطقة الجمالية، والتي ضبطت الأجهزة الأمنية بحوزتها 160 كيلوغرامًا من الذهب غير المدموغ بفواتير خاصة بضريبة الذهب، في منزله بمنطقة 6 أكتوبر.

مافيا السوق السوداء

وفي سياق الحملات المكثفة التي تشنها الحكومة لضبط مافيا السوق السوداء في الدولار والذهب والسلع الأساسية والاستراتيجية والمتورطين في حجب السلع عن التداول بالأسواق لرفع أسعارها، صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ أيام، على قانون يسمح بإحالة مافيا السوق السوداء، والمتورطين في احتكار وتخزين السلع الأساسية إلى القضاء العسكري.

وأقرّ السيسي القانون رقم 3 لسنة 2024 المُقدم من الحكومة بشأن تأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية في الدولة، بعد موافقة مجلس النواب.

نتائج عكسية

في تعليقه على الإجراءات الأمنية لضبط السوق المصرفية والقضاء على السوق السوداء، قال رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، إن القبضة الأمنية لن تحل أزمة الدولار ولن تنجح في محاربة السوق السوداء، بل إنها ستزيد الأمر سوءًا، مشيرًا إلى أنها تطرد الاستثمار.

وذكر ساويرس في منشور له على منصة إكس: “نصيحة لوجه الله.. عمر الإجراءات البوليسية ما بتحل أي مشكلة اقتصادية بل بالعكس بتطفش الاستثمار”، موضحًا أن قرار الضبط القضائي للجيش هو خلط بين دور الشرطة والجيش، مشيرًا إلى أن القبض على كل من يحمل دولارات سيؤدي إلى نتائج عكسية.

وكان ساويرس طالب، غير مرة، الحكومة بتحرير سعر صرف الجنيه بنفس قيمة تداوله في السوق السوداء لكي تستطيع تدبير العملة الصعبة والقضاء على السوق الموازية.

ويتفق خبراء الاقتصاد جزئيًا مع تصريحات ساويرس، مشيرين إلى أن الحل الأمني وحده ليس كافيًا لمعالجة الأزمة، بل قد يخلق مشكلات أكبر، وأنه يمكن الاستفادة من تجار السوق السوداء كمصدر لجمع النقد الأجنبي.

ونوه الخبراء إلى أن المواطنين والمستثمرين وغيرهم، سيستمرون في البحث عن النقد الأجنبي في السوق الموازية طالما لا توفره الجهات الرسمية لهم، مشددين على أهمية اتخاذ خطوات أكثر فاعلية للقضاء تجارة العملة خارج المصارف الرسمية.

انفجار فقاعة الدولار

في المقابل، قال الخبير الأمني، اللواء عبد الوهاب الراعي، إن حملات وزارة الداخلية، على تجار السوق السوداء، ساهمت إلى حد كبير جنبًا إلى جنب، مع القرارات الاقتصادية في إحداث حالة من التخبط في السوق السوداء، وتسببت في انفجار فقاعة ارتفاع سعر الدولار وهو ما انعكس على ما نشاهده حاليًا.

وأضاف الراعي، في تصريحات صحفية، أن جانبًا مهمًا من جوانب السيطرة على السوق السوداء هو استهداف عصابات تحويل الأموال، لأنها تقوم بعمل من أعمال البنوك، وتستنزف مدخرات المصرين بالخارج، دون استفادة الدولة منها.

وتابع: "استهداف تجار العملة الذين حققوا أرباح خيالية من عملهم في السوق السوداء، وقيامهم بغسل تلك الأموال رسالة مهمة جدا تقول انه لن يفلت أي مضارب، أو تاجر للعملة من العقاب حتى لو غير نشاطه وتوجه للعمل في نشاط آخر، لأن أمواله هي متحصلة من تجارة العملة، وبالتالي ينطبق عليها أركان جرائم غسيل الأموال".