قصر عائشة فهمي.. مقر وزارة الثقافة الشاهد على «الخيانة»

ذات مصر

على ضفاف النيل في جزيرة الزمالك، تطل العديد من المباني التاريخية التي تخطف قلوب الناظرين إليها، لكن ثمة قصر هناك لا يدعك تبعد نظرك عنه، أو تشتهي الالتفات لغيره، هو قصر الأميرة عائشة فهمي.

قبل عقود لم يكن العابرين أمامه أو حتى المشاهدين له من شرفة أحد الأبراج الشاهقة هناك يدري تاريخ هذا المبنى وقصته الدرامية، حتى سلطت وزارة الثقافة الضوء عليه بتحويله إلى مجمع للفنون يضم فعاليات وأحداث ثقافية متنوعة. 

القصر التاريخي، أسسه علي فهمي باشا عام 1907 على الطراز الكلاسيكي على يد المصمم المهندس الإيطالي، أنطونيو لاشاك، أحد أشهر المصممين في أواخر القرن الـ19 والذي عاش فترة في مصر وأصبح كبير المهندسين ثم مدير القصور الخديوية، وأنشأ عددًا من القصور الملكية في مصر، من أشهرها قصر "الزعفران" وقصر "الطاهرة" وقصر "الأميرة فاطمة" في الإسكندرية.

قصر الخيانة

لم يكن علي فهمي باشا رجلًا عاديًا بل أحد أبرز قيادات الثورة العرابية، وخدم في الحرس الخديوي الخاص في عهد الخديوي إسماعيل، وفي عصر الخديوي توفيق أصبح ياورا وقائدًا للحرس الخديوي الخاص، ووصل إلى منصب كبير الياروان في عهد الخديوي توفيق الأول.

علي باشا أحد أغنياء مصر الملكية، تفنن في تشيد القصر وتأثيثه، ليقضي فيه أوقات جميلة مع زوجته الفرنسية، فجلب حجرة النوم الخاصة بملك الصرب وتحفًا من شتى بقاع العالم، لكن كتبت الخيانة نهايته قبل أن يستمع بتحفته المعمارية، فقتله زوجته بعد أشهر من الزواج عندما واجهها بخيانتها.

بموته آل القصر إلى ورثته لتقرر شقيقته عائشة فهمي، شراء نصيب أخوتها ليكون القصر ملكًا لها، بمبلغ 72 ألف جنيه في 6 مايو 1924، لتقضي عمرها داخل القصر الذي تتجاوز مساحته الـ2700 متر، بإطلالته النيلية الساحرة.

التحفة المعمارية

تتميز غرف القصر بتواجد لوحات من الحرائر والكتان، هذا بالإضافة إلى أن تواجد زخارف أوروبية على جوانب الحوائط

يتكون قصر عائشة فهمي بالزمالك من طابقين، الأول يضم 6 غرف، وردهة كبيرة في منتصفها تحوي تمثال يسمى المفكر، وبها عدد من اللوحات منها لوحة عازفة القيثارة لسانتير ولوحة أطفال في حالة رعب من كلب.

الغرف الـ3 اليمنى كانت صيفية وتتميز بإطلالة ساحرة على النيل، وتعرض في هذه الغرف عدد من اللوحات للفنانين الأجانب، منها لوحة لموقعة حربية وأخرى لتمثالي ممنون، واليسرى شتوية، أولها غرفة البلياردو ولها طابع أثري. وتتميز بالمدفئات التراثية، والنقوش في السقف وأرضياتها المصنوعة من الباركيه المشغول.

وفي الدور الأعلى على يسارك توجد الغرفة اليابانية والتي أهداها السفير الياباني لعائشة فهمي عندما زارها في القصر، والغرفة مبهرة تتضمن نقوش يابانية ومصابيح يابانية تقليدية، وتتميز الغرفة بتمثالين مطليين باللون الذهبي في جانبي الغرفة.

أما الطابق الثاني يتواجد به العديد من غرفة ذات الطابع الأثرى والتي منها الغرفة اليابانية التي أهديت لعائشة فهمى وصممت من أجلها، ونقش على حوائط الغرفة بعض من الكلمات والصور اليابانية، هذا بالإضافة على تواجد تمثلين مصنوعين باللون الذهبي.

القصر الحزين

القصر يعد ضمن الأفخم في مصر، لكن الحزن خيم على صاحبته فلم تجد السعادة والاستقرار، فقد تزوجت مرات عدة لم تكلّل بالنجاح. وكان أشهر زواجها من الفنان يوسف وهبي، الذي عاش معها في القصر لـ6 سنوات.

تقول سهير عبد الحميد، الباحثة في تاريخ القصور المصرية: "تزوجت عائشة هانم فهمي ثلاث مرات ولم تنجب. كان زواجها الأول من أحمد سعيد، طبيب أمراض النساء والتوليد، ثم تزوجت بعده من يوسف بك وهبي، ولم يدُم زواجهما كثيراً لأنه استوحى قصة فيلمه (أولاد الذوات) من حادثة نسيبه المقتول، ليكون هذا الفيلم هو أول فيلم ناطق في مصر، تم إنتاجه عام 1932 وحقق نجاحاً هائلاً لدى عرضه نظراً إلى اهتمام الناس بالقضية التي كانت مطروحة على الساحة آنذاك".

وتضيف: "الزوج الثالث لعائشة فهمي هو أحمد فتحي، عضو مجلس الشعب في ذلك الوقت، وكان لعائشة فهمي نشاط واسـع في العمل الاجتماعي، وكانت عضوة في جمعية الهلال الأحمر، ولها مشاركات في مجالات مختلفة، وكانت تربطها صلة قوية بهدى شعراوي، خصوصاً أن محمد شعراوي كان متزوجاً منيرة، ابنة شقيقتها فاطمة فهمي".

القصر في حوزة الثقافة

ضم وزير الثقافة السابق، يوسف السباعي، عام 1975 القصر إلى هيئة الفنون والآداب وقطاع الفنون التشكيلية حاليًا، وفي سنة 1978 صدر قرار جمهوري لتخصيصه متحفاً لمجوهرات أسرة محمد علي، وتم إلغاؤه بقرار جمهوري آخر سنة 1986، بعد تخصيص قصر فاطمة حيدر بالإسكندرية متحفًا للمجوهرات، ليعود مرة أخرى تحت تصرف وزارة الثقافة ليصبح بذلك مجمعًا للفنون.