علاء عوض يكتب: شمس الاستقرار المالي للقاهرة لم تسطع بعد

ذات مصر

أدت السياسات المالية والنقدية الخاطئة على مدار السنوات الماضية حتى الوصول اليوم لمحطة التعويم الرابعة، وفقدان الجنيه لأكثر من نصف وزنه أمام الدولار إلى الإضرار بالهيكل المالي للأسر في مصر.

ولا شك، أن في بلد حيث البنية المالية للأسر مهددة، فمن غير الممكن أن نتوقع أن تكون الهياكل المالية للدولة والشركات سليمة. إن الأسرة التي تتمتع بهيكل مالي سليم أمر ضروري لمجتمع وبلد يتمتع بهيكل مالي سليم.

وعلى نحو مماثل، وبفضل الاقتصاد العام القوي والسياسات الاقتصادية التي تعمل على خلق القيمة المضافة وفرص العمل، يستطيع المواطنون العمل والحصول على دخل دائم وبالتالي الحصول على بنية مالية متينة. إلا أن السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تنفذها الحكومة الحالية وكذلك تصريحاتها تشكل أكبر عائق أمام تحقيق هذا الهدف.

فهي رغم مرورها بأكثر من تجربة تعويم تكرر أخطاءها، فلماذا سوف تختلف النتائج؟ ولا ينبغي أن ننسى أن الهدف الرئيسي للسياسات الاقتصادية هو زيادة مستوى الرفاهية لمواطني البلاد. وليس الفقر الحالي وأعتقد أننا لم نر أو نسمع مثيلًا له منذ عام 1952.. ما هو الحل؟

العمل على رفع معدل الإنتاج المنخفض ورفع معدل استغلال القدرات، ويعني ذلك أن الدولة لا توظف وتستغل كامل مواردها الإنتاجية بالشكل الأمثل، وأحد أسباب ذلك ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج بسبب إطلاق الرصاص بشكل مستمر على قيمة الجنيه مقابل الدولار القوي، وتركيز الدولة على تجارة الديون قصيرة الأجل والأموال الساخنة في تمويل مشاريع طويلة الأمد، وليس تمويل النمو الصناعي المستدام سريع العوائد؛ فانخفاض معدل استغلال القدرات وعدم تنوع الإنتاج يؤدي إلى انتشار البطالة والفقر، واذا كان ثلث المصريين فقراء قبل التعويم الرابع فما هو الحال اليوم بعد أن فقد الجنيه خلال ساعات قليلة أكثر من 50% من قيمته.

إن إحدى أهم مشاكل مصر هي أن النمو الاقتصادي الذي طالما تفاخرت به تلك الإدارة لا يزيد من رفاهية الأمة. والسبب الرئيسي لذلك هو أن هذا النمو يعتمد على الديون الخارجية والواردات وليس لديه القدرة على النمو دون خلق عجز. فهو ينمو عن طريق عجز الميزانية الذي يقترب من 7% أو عجز الحساب الجاري الذي انكمش مؤخرا بسبب الركود الذي يطل برأسه على مصر وليس بسبب عوامل إيجابية تدفع الاقتصاد إلى الأمام.

ويجب فهم ذلك جيدا حتى يتم تعديل المسار والخروج من هذا النفق المظلم والظالم للشعب، خاصة أنه لا توجد عدالة في توزيع عوائد هذا النمو الوهمي.

وأحد أهم وسائل العبور السريع من هذا الإرهاق المالي هو تغيير تلك الحكومة الآن وليس غدًا، فهي حكومة إنفاقية انتكاسية تحل مشاكلها بإنتاج الجنيه وخفض قيمته والاقتراض الخارجي، وترى أن ذلك إنجاز عظيم، وليس جحيمًا قذفت فيه الشعب المصري إلى بؤرة الفقر.

فانخفاض قيمة العملة المصرية مقابل العملات الأجنبية يتسبب في أن تصبح مستلزمات الإنتاج أكثر تكلفة وبالتالي زيادة تكاليف الإنتاج. وعندما ترتفع تكاليف الإنتاج، فإن هذه الزيادات تنعكس حتماً على الأسعار وتتسبب في التضخم. ومع استمرار خفض قيمة العملة كذلك يستمر التضخم في النمو.

ومع ارتفاع التضخم، يصبح من المحتم أن ترتفع أسعار الفائدة التي وصلت بالفعل الآن لحدود 30 % وهي قاتلة للنمو الحقيقي المعتمد على الإنتاج الصناعي، فالإدارة الحالية على مدار السنوات الماضية ليس لديها عين ترشدها إلى أن نمو عدد المصانع وتنوع القاعدة الإنتاجية صناعيا وزراعيا هو القادر وحده سريعا على حل مشكلات مصر المالية والاجتماعية وحمايتها من الاستعمار المالي الخبيث 
فلن تتمكن مصر من خفض عجزها التجاري الخارجي ولا عجز حسابها الجاري من دون التخلص من فخ الإنتاج القائم على الاستيراد. 

وان تمويل عجز الميزانية والحساب الجاري عن طريق الاقتراض بالعملة الأجنبية يعد كارثة كاملة أدخلت الشعب في حالة عدم يقين وفقر ويأس كما أنها جعلت من مصر دولة عالية المخاطر من حيث التصنيف الائتماني حسب تصنيفات المؤسسات العالمية قاطبة، التي أكدت أن القاهرة الآن في قلب المربع السلبي ماليا هذا يعني أن إقراض مصر الفقيرة سيكون مرتفع التكلفة للغاية.

إن سعر صرف الدولار مقابل الجنيه الذي تجاوز 49 جنيها مبالغ فيه جدا ويؤشر إلى أن تلك الحكومة لا أمل فيها ولم تتعلم شيئًا من أخطائها الماضية في إدارة مرات التعويم السابقة، وسوف تحمل فقراء الوطن فاتورة حماقتها كما فعلت في السابق وعلي محافظ المركزي التدخل بضخ سيولة دولارية للبنوك وزيادة المعروض حتى يهبط الدولار دون مستوي 45 جنيه مع إعادة النظر على المدى القصير في سعر الفائدة الحالي فهذا السعر الذي يقترب من 30% ضار جدا بالصحة المالية لبلد تجاوزت ديونها الخارجية 160 مليار دولار وديونها الداخلية تجاوز 6 تريليونات جنيه فمن أين لمصر الفقيرة دفع تكلفة أعباء وخدمة تلك الديون.

أخشى أن يكون الحل مزيدًا من الاقتراض الخارجي بأسعار فائدة غير مسبوقة أو زيادة المعروض النقدي بتشغيل ماكينة إنتاج الجنيه لسداد أعباء الدين الداخلي. كما أن تلك الفائدة المرتفعة تزيد من تكلفة إقراض القطاع الصناعي الذي لن يقل سعر إقراضه عن 35% مما يجعله يرفع سعر منتجه ليستطيع سداد التزاماته المالية هذا يعني تغذية وحش التضخم وعدم السيطرة عليه.

الشعب المصري والرئيس السيسي نفسه الآن في حاجة ماسة لحكومة ذات شخصية قوية وثقافة مالية ونقدية وذات عقلية استثمارية حتى تحصل مصر على نتائج مختلفة عن محطات التعويم الثلاث السابقة، وتغيير المسار من تجارة الفائدة إلى الإنتاج ووقف كل مظاهر البذخ الإداري بكل أشكاله حتى تصل مصر إلى البر الشرقي ومشاهدة شمس الاستقرار المالي للقاهرة واستعادة الثقة في الجنيه والاستثمار الأجنبي المباشر ويعود الأمان المالي للأسرة المصرية.