أرباحها نحو 150 مليون دولار سنويًا.. حركة «الشباب» الصومالية «أثرياء الإرهاب»

ذات مصر

غيَّر «الإرهاب» شكل دولة الصومال العربية، فالبلد المنعم بالطبيعة الجذابة والجبال الساحرة، وصاحبة أطول حدود بحرية في أفريقيا لم تنعم بأي من تفاصيلها ومنحها الإلهية لتتحول إلى بؤرة للتطرف بفعل الجماعات الجهادية المسلحة، وأبرزها حركة الشباب.

حركة "الشباب المجاهدين"  أو حركة الشباب الصومالية، والشباب أو المجاهدون، وحركة المجاهدين، وحركة الشباب الإسلامي، والشباب الجهادي، كلها أسماء لفصيل واحد مسلح تأسس رسميًا عام 2006، بعد أن كانت جزءًا من كيان أكبر يعرف بـ"اتحاد المحاكم الإسلامية"، ولكنه انفصل عنه ثم أعلن ولاءه لتنظيم القاعدة عام 2012، وشنّ حربًا ضد الحكومة الصومالية وحلفائها في الداخل والخارج.

ووفقا للتقديرات الدولية فإن حركة الشباب المجاهدين تشكل واحداً من أقوى الفروع المرتبطة بتنظيم القاعدة في أفريقيا، وتم تصنيفها كأكثر الحركات الإرهابية دموية في العالم، وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023.

مخاض التنظيم

في ثمانينيات القرن الماضي ساد التوتر الصومال على خلفية حملات اعتقال شملت علماء وقادة العمل الإسلامي في البلاد، منهم عبد العزيز فارح أحد قيادات حركة الاتحاد الإسلامي، وحسن طاهر أويس أحد قيادات الجهاد، والعقيد السابق في الجيش الصومالي.

استهداف الدولة والحكومة الصومالية للقيادات الإسلامية تسبب ذلك في صراعات داخل التيار السلفي في البلاد جعلته ينقسم إلى تيارين: الأول يدعو لحمل السلاح والآخر يعارض ذلك.

وبعد انهيار الحكومة حمل الاتحاد الإسلامي السلاح برئاسة عبد العزيز فارح، وبدأ تدريب أعضائه بعد إنشاء معسكرات في أنحاء الصومال، ودخل في معارك محتدمة، حيث رأى قادة الاتحاد أن المشكلة الصومالية لن تحل إلا بحمل السلاح. 

وبعد سنوات من حمل السلاح وبالتحديد في سنة 1996 قرر قادة الاتحاد الإسلامي ترك السلاح والتركيز على العمل الدعوي، وعليه غيُرِّ اسم الحركة إلى "جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة"، لكن الفكر الجهادي كان مترسخا بعقول شباب الحركة الذين رفضوا ترك السلاح، فقررت عدة مجموعات مواصلة العمل العسكري ورفضت الانصياع للقادة، وبقيت الجماعات متمردة تحت مظلة "الجماعة"، وإحدى هذه المجموعات برزت وعرفت فيما بعد باسم "حركة الشباب المجاهدين".

رغم أن نشأة حركة الشباب الصومالية وظهورها الفعلي بدأ عام 2006 ألا إن بعض الدراسات الغربية أن قيادات حركة الشباب كانوا على تواصل دائم مع تنظيم القاعدة في المدة التي سبقت انتقال التنظيم إلى أفغانستان عام 1996 واستقراره فيها، وذلك حين أقام أسامة بن لادن وعدد من قيادات التنظيم في دولة السودان عدة سنوات، وأن هؤلاء قاموا بتدريب عناصر حركة الشباب، ثم سافر أول زعيم للحركة، وهو المدعوُّ عدن حاشي عيرو، إلى أفغانستان لتلقي التدريبات والدعم والإفادة من الخبرات.

بين المقاومة والإرهاب

اعتمدت حركة الشباب، في بداية ظهورها على الرسائل القومية البحتة في تنفيذ العمليات الإرهابية، من خلال نشر ادعاءات بأنهم الكيان الوحيد المتبقي للدفاع عن الصومال ضد ما اعتبروه “توغلًا أجنبيًا” في البلاد، ولخدمة ذلك، بدأت الحركة في تطوير هياكل استراتيجية وإعلامية تمكنها من جذب الجمهور الصومالي على نطاقات واسعة داخليًا وخارجيًا.

نجد أن الحركة انتجت آنذاك بعض الأفلام والمقاطع الدعائية كأداة رئيسية لتجنيد العناصر الجهادية داخل الصومال وخارجها، وقد تم تداول هذه المقاطع بصورة كبيرة، ساعد أيضًا في انتشارها بين الأوساط الاجتماعية المختلفة، بعض الاختراقات الميدانية والعمليات التي شنتها الحركة ضد الجيش الإثيوبي في الصومال آنذاك.

وكان الغزو الإثيوبي للصومال في شهر ديسمبر من عام 2006 نقطةَ تحول رئيسة في مسار حركة الشباب، إذ اتجهت إلى مقاومة التدخل الإثيوبي مستخدمةً أسلوب حرب العصابات، وهذا ما أدى إلى استغاثة القوات الإثيوبية بالأمم المتحدة لمساعدتها على الخروج من المستنقع الصومالي.

وحققت حركة الشباب كثيرًا من المكاسب نتيجة مواجهتها القوات الإثيوبية، فزادت شعبيتها، ونجحت في اجتذاب كثير من المتعاطفين والمتطوعين للانضمام إليها، وفى أعقاب رفضها الانضمام إلى تحالف إعادة تحرير الصومال بعد تأكيدها أنها ترفض التفاوض مع القوى المحتلة (إثيوبيا) أصبح لها تأثير قوي في الساحة الصومالية، وثقل معتبَر في معادلات الصراع في المنطقة، وحاولت تكوين جبهة معارضة للحكومة الانتقالية برئاسة شيخ شريف أحمد بعدما رفضت المشاركة فيها. 

وأدى فرار قادة اتحاد المحاكم الإسلامية - الذين كان لهم تأثير معتدل في حركة الشباب - من الصومال، وكذلك الغزو الإثيوبي لها، إلى جعل الحركة أكثر تطرفًا وعنفًا، وأدى هذا إلى أن تقطع عَلاقاتها بالمنظمات الصومالية الأخرى.

وتعلن الحركة أنها تسعي لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، وفقًا للتفسيرات المتشددة للحركة، ولذلك سعت إلى إسقاط الحكومة الصومالية كونها في نظرهم حكومةً عَلمانية، وإقامة حكومة تطبق الشريعة الإسلامية. وتسعى الحركة للقضاء على جميع أنواع التدخلات الخارجية في الصومال، فهي تحارب القوات الإفريقية الموجودة في البلاد، وتشنُّ هجَمات إرهابية في الدول المشاركة في هذه القوات لإجبارها على الانسحاب من الصومال، هذا فضلًا عن استهداف الحركة المصالحَ الغربية وبخاصَّة الأمريكية في الصومال وفي إقليم شرق إفريقيا. 

مصادر تمويل ضخمة

منذ نشأتها تمكنت حركة الشباب المجاهدين في الصومال من بناء شبكة مالية يتداخل فيها الاقتصاد والأمن واستخدام التقنيات الحديثة، لتشكل مصادر ثابتة تؤَمِّن للحركة عشرات ملايين الدولارات.

وتشير تقديرات غربية إلى قدرة الحركة – التي يتراوح عدد عناصرها بين 7000 و12000 عنصر – على توفير نحو 100-150 مليون دولار سنويّاً من خلال عمليات الابتزاز وفرض الضرائب؛ وذلك من أجل تمويل أنشطتها في داخل الصومال ومحيطها الإقليمي، كما أن هناك المزيد من الشكوك حول علاقة تربط بين عناصر الحركة ومجموعة من القراصنة الذين يتورطون في اختطاف السفن التجارية قبالة سواحل الصومال، إضافة إلى تفاوض الحركة مع القراصنة وجماعة الحوثي اليمنية بخصوص شراء بعض الأسلحة لتعزيز عملياتها الإرهابية في القرن الأفريقي.

ووفقا لستيفن تاونسند القائد السابق للقوات الأميركية في أفريقيا لم تكفل الشبكة المالية لحركة الشباب الصومالية القدرة على الاستمرارية فحسب، بل حولتها إلى أغنى وأهم فروع تنظيم القاعدة في العالم.

وتقدر وزارة الخزانة الأميركية أن حركة الشباب الصومالية تدر سنويا أكثر من 100 مليون دولار، وهو رقم لافت بالنظر إلى أن الإيرادات المحلية للحكومة الصومالية عام 2022 بلغت 250 مليون دولار، مما يلقي الضوء على حجم وفعالية آليات جمع الأموال التابعة للجماعة.