تسبب في انشقاق داعش عن القاعدة

«جبهة النصرة».. التنظيم الذي كسر وحدة الجهاديين 

ذات مصر

عقب الغزو الأمريكي للعراق، شارك كثير من التيارات الإسلامية في أعمال المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي حينها، لكن كغيرها من التنظيمات غير الرسمية تبدلت أحوالها وخرجت عن مسارها الأساسي لتنشطر إلى أجزاء عديدة لكل منها أهدافه وأجندتها الخاصة التي يرغب في تنفيذها.

التأسيس والتمزق

في عام 2008، أعلن عن تأسيس تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" بقيادة الجهادي الأردني أبو مصعب الزرقاوي كأحد الأذرع الجهادية التابعة لتنظيم القاعدة لمقاومة الاحتلال الأمريكي والغربي للعراق، وكان بين عناصر التنظيم، جهادي سوري يدعي أبو محمد الجولاني كان مسؤولًا عن عمليات التنظيم في محافظة الموصل.

وعقب اندلاع الثورة السورية، عاد الجولاني إلى سوريا في أغسطس 2011 مُرسلاً  من تنظيم القاعدة لتأسيس فرع له في البلاد يمكّنه من المشاركة في القتال ضد النظام بسوريا.

وفي 24 يناير 2012 أعلن الجولاني تشكيل "جبهة النصرة لأهل الشام" ممن أسماهم "مجاهدي الشام"، واتخذ من موطنه "الشحيل" منطلقا لعمل هذه الجبهة، داعيا السوريين إلى الجهاد وحمل السلاح لإسقاط النظام السوري، وصار من يومها يدعى في أدبيات الجبهة "المسؤول العام لجبهة النصرة".

ونُسبت إلى "الجبهة" باكورة العمليات الإرهابية التي بدأت تتوالى في سوريا منذ يناير 2012. ففي مقابل المظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاح والتي انتظم فيها الشباب السوري آنذاك، بدأت "الجبهة" تنشط لتجنيد الشباب السوري والعربي والأجنبي على أجندة جهادية عالمية تقضي بـ"قتال النظام السوري على أساس طائفي متشدد". 

وبحسب تقارير يتراوح عدد المقاتلين في صفوف تنظيم "جبهة النصرة" بين 8 – 10 آلاف مقاتل ، كما تضم عناصر من السوريين ومقاتلين عرب وأتراك وأوزبك وشيشانيين وطاجيك وقلة من الأوروبيين الذين قدر عددهم بحوالي 1000 شخص، وقد شاركت جبهة النصرة بأعمال قتالية مع باقي الفصائل المسلحة  في سوريا كـ "الجيش الحر" وكتائب أحرار الشام .

أزمة داعش والقاعدة

وفي إبريل 2013، نشأ الشقاق الشهير بين جبهة النصرة في سوريا وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، بعد إعلان أبو بكر البغدادي أن "النصرة تؤتمر بأمره وأصبحت تابعة له" في كيان جديد اتخذ اسم "الدولة الإسلامية بالعراق والشام" وسُمى اختصاراً "داعش". وهو ما رفضه أبو محمد الجولاني زعيم النصرة وجدد صلته وولائه لتنظيم "القاعدة" العالمي ورفض التبعية للكيان الجديد أو الانضواء تحت زعامة البغدادي.

وانحاز زعيم القاعدة أيمن الظواهري إلي جبهة النصرة وزعيمها الجولاني، وأعلن أن "الولاية المكانية لجبهة النصرة هي في سوريا، بينما تعود "داعش" إلى ميدانها الأساسي في العراق وهو ما رفضه البغدادي معلنا الخروج على سلطة الظواهري ورفض الاستجابة لدعوته التركيز على العراق وترك سوريا لجبهة النصرة.

وعلى أثر هذا الخلاف، بدأ صراع عنيف بين الجانبين انتهي بإنفصال داعش عن القاعدة، واتهم البغدادي الظواهري بارتكاب مخالفات شرعية. وتفاقم الخلاف ليتحول إلى قطيعة حادة بين الطرفين كال فيها التنظيم الانتقادات الحادة للظواهري وبـ"الانحراف عن نهج الصواب" كما قال محمد العدناني الناطق باسم داعش.

كما أدي الخلاف إلى سلسلة من المعارك البينية بين الألوية المسلحة التابعة لـ"النصرة" وتلك التابعة لـ"داعش" والتي تعمل على الأراضي السورية.

ومع سيطرة داعش على الموصل ومناطق واسعة من العراق وسوريا في أغسطس 2014 تلقت جبهة النصرة ضربة قوية بانشقاق مجموعات كبيرة من الألوية التابعة لها والتحاقها بـ"داعش" الذي أصبح التنظيم الأكثر تأثيراً في شبكات الجهاد العالمي ومحط أنظار الشباب المتطرف الراغب في القتال في سوريا خاصةً من الغرب.

دفع ذلك "النصرة" إلى إعادة ترتيب صفوفها والبحث عن تجنيد الشباب من المناطق السورية الفقيرة الواقعة تحت سيطرتها، خاصة في إدلب، بالإضافة إلى المناطق الفقيرة في شمال لبنان والمحاذية للحدود السورية. 

تحولات جبهة النصرة

وبالتوازي مع تمدد داعش في سوريا والعراق، وتشكل تحالف دولي لمحاربته، تبنت جبهة النصرة نهجا مختلفا لا يعتمد على التوسع المكاني بقدر ما يركز على ترسيخ وجودها في مساحات جغرافية محدودة وهو ما حدث في إدلب السورية وريفها حيث عززت النصرة من وجودها بالمنطقة، وعقدت تحالفات واسعة مع المجموعات المسلحة العاملة في هذه المنطقة وتزعمتها وأصبحت لها اليد العليا فيها. 

وفي 28 يوليو 2016 أعلن زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني فك الارتباط مع القاعدة، وتغيير اسم التنظيم إلى جبهة فتح الشام وبدأ يتبني خطاب يتحاشي فكرة "الجهاد العالمي" وأصبحت الجبهة تركز على التحالف مع المجموعات المسلحة المحلية وشنت معارك واسعة للسيطرة على عدة مناطق من الشمال واقتنصتها من النظام السوري.

وفي يناير 2017 ، شهدت جبهة النصرة تحولا جديدا حيث أعلن أبو محمد الجولاني تغيير إسمها إلي "جبهة تحرير الشام" لتضم تحالفاً أوسع مع الميليشيات المسلحة في إدلب وتبتعد أكثر فأكثر عن خطاب "القاعدة". 

ورغم التحولات الواضحة التي شهدها التنظيم ومحاولاته الهروب من جلبات داعش والقاعدة، فإن الموقف الدولي من الجبهة وزعيمها الجولاني لم يتغير؛ حيث تم إدراجها على قائمة الإرهاب لوزارة الخارجية الأمريكية وأصبح زعيمها الجولاني على قوائم المنع الخاصة بالإرهابيين العالميين منذ مايو 2013، وخصصت مكافأة لاعتقاله تبلغ عشرة ملايين دولار. كما خضعت "النصرة" أيضاً وزعيمها الجولاني -ولا يزالون- لعقوبات قائمة الإرهاب وفقاً لمجلس الأمن الدولي منذ 24 يوليو 2013.