هلال عبدالحميد يكتب: رسالة لرئيس مجلس النواب “تأجير المستشفيات غير دستوري”

ذات مصر

معالي المستشار / حنفي الجبالي رئيس مجلس النواب، اخاطب فيكم ضمير القاضي قبل منصبكم السياسي، كرئيس لمجلس النواب، فقد طرحت الحكومة بعض المستشفيات العامة كفرص استثمارية على موقع الهيئة العامة للاستثمار، ومن هذه المستشفيات مستشفى ابوتيج العام بمحافظة أسيوط  ، وهو مستشفى عام حديث البناء- تكلف بناؤه نصف مليار جنيه غير الأجهزة الطبية طبعًا -، وكما قال الموقع الرسمي مروجًا لهذه الفرصة الاستثمارية فالمستشفى (البنية التحتية للمستشفى جيدة جدا حيث تم إنشاءها حديثاً  وتتوافر  بها الاجهزة الطبية اللازمة ويوجد بالمستشفى عناية مركزة وحضانات وإستقبال وطوارئ وعمليات جراحية ومعامل واشعة عادية واشعه مقطعية وموجات فوق صوتية ،وهو المستشفى الوحيد بمركز أبو تيج  )
وأضاف موقع الهيئة لعامة للاستثمار مروجا للفرصة لاستثمارية : (​مستشفى حكومى متعددة التخصصات بطاقة إستيعابية 185 سرير، تتكون المستشفي من 4 مبانى، يتكون المبنى الرئيسي من دور أرضي و 5 أدوار متكررة).

يوجد بالمستشفى قسم طوارئ، عيادات خارجية، رعايات مركزة كبار وأطفال ومبتسرين ,رعاية قلب ,رعاية عصبية، قسم عمليات، قسم جراحات اليوم الواحد، وحدة غسيل كلوى،قسم مناظير، بنك دم، وحدة العلاج الطبيعي، قسم الداخلى، قسم معامل، قسم أشعة وصيدلية مركزية بالإضافة الى صيديليات فرعية. (تحتوى المستشفى على وحدة التصلب المتعدد)

ومن لا يعرف فإن مستشفى ابوتيج المركزي وكما قالت الحكومة هو المستشفى الوحيد بمركز الوتيج التايع لمحافظة أسيوط ، وهي أكثر محافظات الجمهورية فقرًا وحسب آخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء فقد بلغ عدد الواقعين تحت خط الفقر بمحافظة أسيوط  ٦٦.٧٪؜ -بلتأكيد فهذه النسبة سترتفع بحسب معدلات التضخم المتتالية – ومن بين قرى أسيوط هناك  ٨٨٪؜ من قرى أسيوط جاءت من بين الـ ١٠٠٠ قرية الأكثر  فقرًا على مستوى  الجمهورية!

 فكيف تتصورون أن تؤجر الحكومة مستشفياتها ، وتترك المواطنين يواجهون أسعار تجار العلاج وبالمستشفيات العامة ؟!

تساءلت النائبة سناء السعيد وهي تمثل محافظة أسيوط : كيف تؤجرون المستشفيات؟!  ، وما القانون الذي تعتمدون عليه ؟! وقالت في سؤالها للحكومة : إن هذا الإجراء يخالف المادة ١٨ من الدستور.

لم ينتفض مجلس النواب لمخالفة الحكومة للدستور وانتهاكها للقانون ، وإنما  سارعت لجنة صحة النواب بالدفع بمشروع قانون ( تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية.)  -انظر لعنوان المشروع المموه ، الذي لا علاقة له بالمتن !-  احالته لجنة الصحة للجلسة العامة  لتناقشه  اليوم الأحد ١٩ مايو الجاري 
ولي هنا ملاحظتان شكليتان :  
الحكومة طرحت ٥ مستشفيات  بالفعل من غير قانون ، أو أنها تضمن انها ستطرح وتمنح والقانون سيصدر لا محالة في استهانة مكشوفة بمجلس النواب، أن رد الحكومة على النائبة صاحبة السؤال -وهو أدنى أداة رقابية -جاء بطلبها دفع لجنة الصحة لإرسال المشروع لإقراره بالجلسة العامة فهل تبيح المادة (٣٢) تأجير المستشفيات ؟! 

أما من حيث المضمون فمشروع الحكومة  يعتمد في تأجيره للمرافق الصحية العامة على المادة (٣٢)  من الدستور والتي تنص على ( موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها.

كما تلتزم الدولة بالعمل علي الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار فيها، وتشجيع البحث العلمي المتعلق بها. وتعمل الدولة على تشجيع تصنيع المواد الأولية، وزيادة قيمتها المضافة وفقاً للجدوى الاقتصادية.

ولا يجوز التصرف في أملاك الدولة العامة، ويكون منح حق استغلال الموارد الطبيعية أو التزام المرافق العامة بقانون، ولمدة لا تتجاوز ثلاثين عاماً.

ويكون منح حق استغلال المحاجر والمناجم الصغيرة والملاحات، أو منح التزام المرافق العامة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر عاما بناء على قانون. ويحدد القانون أحكام التصرف فى أملاك الدولة الخاصة، والقواعد والإجراءات المنظمة لذلك.

وهذا التأصيل الدستوري الذي تعتمد عليه الحكومة في تأجيرها لمستشفيات الشعب تأصيل باطل جملة وتفصيلًا لأن :
١-المادة الدستورية ليست مادة حديثة فهي من المواد العتيقة دستوريًا  وكانت الفقرة الثالثة منها متواجدة منذ دستور ١٩٢٣ بالمادة ١٣٧ /٢ وبدستور ١٩٣٠ بالفقرة الثانية من المادة ١٢٥
وبمشروع دستور ١٩٥٤ – لم يصدر -بالمادة ١٥٧ ، وفي دستور ٥٦ تناولت المادة ٩٨ نفس المضمون ، واستمرت المادة بمضمونها مرورا بدستور ٢٠١٢ و٢٠١٤ وتعديلاته في ٢٠١٩
( انظر التطور التاريخي للمادة عند الدكتور صلاح فوزي المادة ٣٢/٢ من دستور ٢٠١٤ وجهة نظر تحليلية -مجلة البحوث القانونية والاقتصادية العدد (٧٨ ديسمبر ٢٠٢٢

وهذه المادة الدستورية كما يبدو من متنها تتحدث عن الموارد الطبيعية واملاك الدولة العامة والمرافق العامة غير الاستراتيجية فمرافق الدفاع والامن والصحة والتعليم من المرافق الإدارية الاستراتيجية ( هناك أحكام متواترة لمجلس الدولة تؤكد هذا المعنى ) 

وعلى الرغم من وجود مضمون المادة (٣٢ ) بكل  دساتير مصر منذ عرفت مصر الدستور ، إلا إننا لم نجد حكومة تتجرأ فتطرح مرافق مثل الدفاع والامن والصحة والتعليم للبيع أو للتأجير، ممكن القطاع الخاص ينشأ مدارس ومستشفيات ويتيحها كما يشاء بأسعار خدمات كما يشاء ولمن يقدر   لكن بيع وتأجير مرافق عامة خاصة بالصحة والتعليم وهما محميان دستوريا وحدد لهما الدستور نسبة دستورية من الناتج المحلي الإجمالي بواقع ٣٪؜ للصحة و٤٪؜ للتعليم و ٢٪؜ للتعليم العالي ،١٪؜ للبحث العلمي حسب المواد  ١٨،١٩،٢٠،٢١غير متخيل عقلًا ولا دستورًا!
فهل تريد الحكومة أن تحول صحة وتعليم المصريبن كمصدر من مصادر دخلها  بدلًا من انفاق النسب الدستورية عليها ؟!

وأين ستذهب هذه الـ ١٠٪؜ من الناتج المحلي الاجمالي التي خصصها الدستور ؟! بل أين ستوجه الحكومة كل موارد الدولة وأولها الضرائب ؟! 
هل ستوجه كل الأموال بما فيها عوائد إيجار المرافق الصحية وبالتاكيد ستأتي بعدها المرافق التعليمية ، هل ستوجها لسداد ديونها ؟! التي لم ينفقها الشعب بل انفقتها الحكومة ولا نعرف أين ؟!

 ثم كيف سيحصل المواطنون المصريون على حقهم في الصحة كما تنص المادة (١٨) من الدستور، اذا كانت الحكومة ستبيع وتؤجر المستشفيات.

الغام مواد المشروع

أما مواد المشروع نفسها فمليئة بالألغام المدمرة لصحة الشعب المصري ولمرافقه الصحية وطواقمه الطبية 
أ - فالمشروع لم يحدد نسبة لما ستطرحه الحكومة للمستثمرين ، فهو يطلق يد الحكومة لتؤجر كل المستشفيات والوحدات الصحية بنسبة ١٠٠٪؜.، فالمشروع لم يحدد نسبة من المرافق الصحية ليجعلها محلًا للطرح، فالمشروع جاء مطلقًا دون تحديد نسبة، وكل ما الحكومة ( مزنوقة)  هتبيع وتأجر ) !
ب- البند (٧) من المادة (٢) يطلق يد ممنوح حق الالتزام ( المستثمر ) ليشرد ٧٥٪؜ من الموتد. الطبية بالمرفق الممنوح فهي تلزمه بالحفاظ على ٢٥٪؜ فقط من العمالة -إذا أرادوا ، وطبعًا القطاع الخاص في مصر يتفنن في جعل العمالة تستقيل 
ج- يتيح المشروع للمستقمر الاستعانة بعمالة من الخارج دون ان يحدد نوعية هذه العمالة ومدى مهارتهتا ومؤهلاتها، فهل سيستعين المستثمر الأجنبي بأساتذة أجانب ليعالجوا مواطنينا في أسيوط الواقعين تحت خط الفقر بأكثر من ٦٦،٧٪؜ والمواطنون الباقون يتأرجحون على الأعراف؟!

السيد المستشار لقد كنتم رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا، فأناشد فيكم ضمير القاضي ألا تصدروا هذا التشريع واذا كانت رقابة المحكمة الدستورية العليا رقابة لاحقة فمن الممكن ان تطلبوا تفسيرها للمادتين ( ١٨، ٣٢ ) فهل  تجيز المادتان للحكومة تأجير مرافق الصحة بدلًا من رعايتها والحفاظ  عليها كما ينص الدستور ؟! 
      
 وإلى حكومتنا غير الرشيدة : لقد تاجرتم بكل شيء وكانت كل تجارتكم خاسرة فابتعدوا عن صحة الشعب ولا تتاجروا بها.