ياسر أنور يكتب: الفرق بين المشروع الفقهي والمشروع الحضاري

ذات مصر

يمكن أن نقول باطمئنان: إن كثيرا من أسباب  الكوارث والتراجع الحضاري في العالم الإسلامي قد حدثت بسبب  هيمنة فقه المشايخ التقليدي الذي توقف عند فتاوي قديمة لم تعد تصلح لمواكبة هذا العصر الذي يتسم بدينامية شديدة التغير تبتلع كل ملامح الجمود في خطابهم الديني وادبياتهم القديمة. وعلي الرغم من ادعاءاتهم التنويرية المزيفة، و شعاراتهم الداعية للإصلاح، فإن مشروعهم الذي يقدمونه - إن كان ثمة مشروع- هو مشروع عبثي قائم على عدة مغالطات شرعية ومنطقية، فهو مشروع مخالف لجوهر الشريعة التي تتسم بمرونة وواقعية. وتعود أسباب أخطاء الخطاب الديني التقليدي  إلي الآتي :
- عدم التفريق بين المشروع الفقهي القائم علي الحلال و الحرام، والمشروع الحضاري القائم علي المصالح والمفاسد، فالمشروع الفقهي خاص بالأفراد في إطار ضيق لا ينبغي  أن يتعدى مساحة الذات فقط، أما المشروع الحضارى فهو يتعلق بسلطة الدولة فيما تراه من مصلحة أو مفسدة، و يمكن ان ندلل على ذلك بقضية الربا، فللفقهاء أن يفتوا بما شاؤوا من حل وحرمة، لكن ليس لديهم الحق في إجبار الدولة علي التعامل من خلال منظورهم الخاص، فالفرد بإرادته الحرة يستطيع  أن يتعامل أو لا يتعامل مع البنوك وفق المفهوم الفقهي، أما المفهوم الحضاري فهو متروك للسلطة فقط، وليس من حق الفقيه مشاغبة  ومنازعة الدولة لكي تطبق رؤيته الخاصة، فالدولة تتعامل في فضاء آخر علي مستوى دولي و إقليمي.
- عدم التفريق بين التحريم و التجريم، فليس كل ما يحرم شرعا يجرم قانونا، فإذا كان الحجاب فرضا من وجهة نظر الفقه، فليس من حق السلطة تجريمه، فالتحريم هو رؤية فقهية خاصة، والتجريم يتعلق بالسلطة وحدها. ويقاس على ذلك العقوبات الشرعية المعروفة كقطع يد السارق و جلد الزاني، وغير ذلك من العقوبات، فكلها أمر خاص بالسلطة وحدها، ولا ينبغي للفقيه منازعة السلطة في ذلك حتي لا تتحول الحياة إلى فوضى. 
- عدم التفريق بين الناسخ والمنسوخ و المنسوء، فكثير من الآيات القرآنية كانت تتعامل مع واقعها التابع للنظام الإقليمي و الدولي آنذاك، مثل سبايا الحروب أو ملك اليمين والجزية، فهذه الآيات منسوءة بالتعبير القرآني أو مؤجلة، وذلك لتغير الواقع، وهذا ما فعله عمر بن الخطاب في سهم المولفة قلوبهم. 
إن الإسلام الحقيقي ليس هو إسلام المشايخ والفقهاء الذين قدموا إسلاما متشددا رجعيا متشددا يتسم  بالجمود والتكلس، على الرغم من ان المرونة هي سمة التشريع الإسلامي، حتي يكون صالحا لكل زمان ومكان، ولذلك فإن تجديد الخطاب الديني ضرورة شرعية وحياتية للخروج من نفق الإسلاميين.