هشام النجار يكتب: السيسي وأردوغان في تركيا (1-2).. الرئيس المسلم يهزم الإخوان مرتين!

ذات مصر


لازلت أذكر مشهد زيارة ضريح الإمام الشافعي وآثار مصر الإسلامية الذي جمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان أثناء زيارة الأخير للقاهرة، حيث عندما تأملته فقد تذكرت مشهدًا تاريخيًا مشابهًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إذ يشتركان في هدف التأكيد على أن المعركة ليست ضد الإسلام كدين، إنما ضد فصيل مارق متمرد استخدم الدين ستارًا لتحقيق أطماع سياسية.

وقف الرئيس عبد الناصر أمام قبر حسن البنا مؤسس الإخوان بجوار شقيقه عبد الرحمن البنا وفي حضور بعض ضباط الثورة وبعض قادة الجماعة في أعقاب إصداره قرارًا بحلها منتصف خمسينات القرن الماضي، مُوجهًا رسالة مفادها أنه لم يكن أبدًا نقيضًا للإسلام وأن صراعه مع مرشد الجماعة حسن الهضيبي سياسي وليس عقائديًا.

لم تخلو الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر قبل أشهر والتي مهدت لرد الرئيس السيسي الزيارة لأنقرة اليوم من رسائل ذكية مماثلة من قبل من قبل قائد مصري محنك آخر وهو الخصم السياسي السابق للرئيس أردوغان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

رمزت الصور المُلتقطة للرئيس السيسي بجوار (زعيم الإخوان السابق) بحضرة ضريح أحد أئمة الفقه الإسلامي ومعالم التاريخ الإسلامي بمصر إلى دحض الدعاية الرئيسة التي ارتكزت عليها الجماعة المارقة لتبرير تمردها على قادة الدول الإسلامية والانتفاض ضدهم، بوصفهم -وفق مناهجها- ليسوا مسلمين كما يجب، وأنها هي وحدها التي تتبع صحيح الإسلام.

خرجت اللقطات الأخيرة للرئيس السيسي بجوار من قدمه تيار الإسلام السياسي في السابق (زعيمًا عالميًا له وخليفة للمسلمين) في حضرة ما يرمز لمصر كبلد إسلامي حضاري، وكذلك اللقطات التي ستخرج من زيارة الرئيس السيسي لتركيا حيث أتوقع أن يصحبه الرئيس أردوغان لزيارة معالم تركيا الإسلامية، في صورة رسالة تزرع بذور الشك في أذهان قواعد وشباب الإخوان وأتباع هذا التيار في العالم.

والمتعاطفين معه حول أسس نظرتهم للحكام العرب والمسلمين، مفادها أن الطعن فيهم من منطلق ديني ليس له صلة بالواقع ويفتقر للحجج المُقنعة.

استطاع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال دقائق عبر لقطات بجوار من قدمته جماعة الإخوان على أنه (بطل الإسلام بلا منازع) الذي نسفت مكانته الدينية شرعية كل الحكام المسلمين والعرب – بحسب ما كان قادة ونشطاء الإخوان يروجون واصفين أردوغان بزعيم الإسلام وخليفة المسلمين-، أن يطرح رواية مغايرة لروايات الإسلاميين؛ مؤداها أنهم هُزموا بشكل عام لصالح بديل (مسلم) أيضًا لديه إنتماؤه الخاص للحضارة والثقافة الإسلامية، لا كما يزعمون كذبًا وزيفًا وزورًا أنهم هُزموا لصالح نظام فاسد وقيادة تكره الإسلام وتحقد عليه.

في رأيي.. لقد أدى مشهد الرئيسين السيسي وأردوغان داخل ضريح الإمام الشافعي ولقطات زيارة التراث الإسلامي في مصر وصور كريمتي الرئيسين المحجبتين وتاليًا ما أتوقعه من صور ملتقطة داخل المعالم الإسلامية بتركيا نفس المهمة التي أداها مشهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أمام قبر حسن البنا منتصف الخمسينات بعد إلحاق هزيمتين كبيرتين ساحقتين بجماعة الإخوان وإصدار قرارين بحلها وتفكيك هياكلها في أعقاب ثورتين؛ الأولى ثورة يوليو 1952م والثانية ثورة يونيو 2013م.

يكاد التاريخ يعيد نفسه بالنسبة لجماعة الإخوان؛ حيث أن وقوف الرئيس السيسي بجوار (رمز إسلامي) موثوق به لدى غالبية جماهير تيار الإسلام السياسي على مستوى العالم في سياق حالة ذات أبعاد إسلامية يؤكد إنتماءه الصحيح للإسلام على الأقل للمُغرَر بهم ولمن جرى غسل أدمغتهم وتضليلهم من قواعد الإخوان.

تشق هذه المواقف صفوف الإخوان وتربكها أكثر مما هي مرتبكة ومشتتة ومنقسمة، حيث استنكر جناح داخلها في حقبة الخمسينات استقبال قيادات بالجماعة مثل عبد القادر عودة وصالح عشماوي ومحمد الغزالي وعبد الرحمن السندي وغيرهم لجمال عبد الناصر واحتفاءهم به أمام قبر البنا، حيث أن ناصر هو الرجل الذي حل هيئتهم واعتقل مرشدهم واتهمهم علانية بالخيانة.

يكاد التاريخ يعيد نفسه؛ فإذا كان عبد الناصر نجح في سحب البساط من تحت أقدام خصمه مرشد جماعة الإخوان حينها حسن الهضيبي، خاصة أن استقبال قيادات من الجماعة له (عبد القادر عودة وصالح عشماوي ومحمد الغزالي وعبد الرحمن السندي وغيرهم) وكلماته المؤثرة في ذكرى اغتيال البنا الخامسة خففت الأثر الذي أحدثه قرار حل الجماعة واعتقال مرشدها والمئات من ناشطيها؛ فالرئيس السيسي نجح في تحقيق هدف مشابه.

لن تنجو جماعة الإخوان اليوم من انقسام يُضاف لانقساماتها؛ على خلفية الأسئلة التي ستُثار داخل صفوف الإخوان على هامش الزيارتين الأولى والثانية (أردوغان لمصر والسيسي لتركيا) والمتعلقة بصحة العداء المبدئي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من عدمه، إذ أنني أتخيل الآن شباب الإخوان الذي جرى التغرير بهم من قبل قادتهم يطرحون هذه الأسئلة: (مادام الأمر كذلك وطالما أن القائد المصري بهذه القيمة الكبيرة دينيًا وسياسيًا وإستراتيجيًا فلماذا كان العداء من البداية ولماذا دفعتمونا لكراهيته ومحاولة تشويه صورته والتحريض ضده؟؟؟).

تتملك قواعد الإخوان الآن الحيرة بشأن من يملك الرؤية الصائبة ومن يعبر عن الفهم الإسلامي الصحيح للمسألة التي تسببت في أزمة وجودية للتنظيم وأزمات مركبة مستعصية على الحل لأعضائه وعناصره وقادته سواء المسجونين أو الهاربين بالخارج ولخلاياه النائمة؛ فمن على صواب الآن: أهم قادتهم المسجونون والمشردون في الخارج ممن لا يعترفون بشرعية الرئيس المصري، أم زعيم تنظيمهم العالمي السابق رجب طيب أردوغان الذي يصافحه ويقيم تحالفًا إستراتيجيًا معه، ويزوران معًا المعالم الإسلامية في مصر وتركيا؟

تعوض هذه التكتيكات المدروسة من قبل القادة المصريين منذ الخمسينات إلى اليوم الافتقار لبرامج توعية ترتقي لمستوى التحدي القائم وتملك القدرة لإيصال فكرة رئيسية لملايين الأشخاص، مفادها أنه يمكن للمرء أن يؤمن بجوهر الإسلام دون أن ينتمي لجماعة وتنظيم، وأن هناك فرقًا كبيرًا بين الإسلام كدين وتطبيق أركانه الخمسة والتحلي بقيمه العليا ومبادئه السامية، وبين تسييسه وتحويله إلى أداة أيديولوجية لتحقيق مكاسب سياسية وتعزيز السلطة.

أدعو قواعد تيار الإسلام السياسي وشباب الإخوان الذين تغيب عنهم حقائق كثيرة وقراءات وتفسيرات مختلفة ودقيقة للوقائع بسبب ما مُورس على عقولهم من قهر فكري إلى تأمل مشهد لقاء الرئيس السيسي والرئيس أردوغان من هذه الزاوية؛ وهي أنه ليس لازمًا أن أدعو لما يُسمى (الخلافة) لكي أكون مسلمًا؛ فالخلافة نظام سياسي بحت له أيضًا سلبياته ومثالبه تاريخيًا ولا يصح لصقه بالإسلام وتحميل الدين الإسلامي العظيم مساوئه.

وأيضًا أدعوهم لتأمل المشهد من هذه الزاوية: لكي أكون مسلمًا ليس بالضرورة أن أكون فاتحًا غازيًا متدخلًا في شؤون غيري، بل المطلوب أن أتحرى تعاليم الرسول وأجعل المصلحة العامة هي الأولوية ولا أزج بديني في ساحات مناورة تحتمل النجاح والفشل حتى لا يتحول إلى مشكلة لأهله وللعالم أو أتسبب في الإساءة إليه، وأجتهد في إنجاح تجربة حكم قائمة على المنفعة المتبادلة والابتكار والشراكة في المصلحة، وبذلك أخدم وطني وأقدم صورة مشرقة لديني.