فراج إسماعيل يكتب: الصراع الدولي على «الثور الأبيض»

ذات مصر

لا شيء مؤكدا حول التدخلات الدولية في حرب الجنرال البرهان ونائبه الجنرال حميدتي.. من مع هذا ومن مع ذاك؟! كلها تقارير تستند على خبرة العلاقات السابقة سياسيا واقتصاديا ودوائر النفوذ الأجنبية، مثلما يتردد عن موقف الإمارات ونقيضه الموقف السعودي، وموقف روسيا، وواشنطن، ومواقف دول تقع في الإقليم والجوار.

ضبابية الحرب التي لا يعرف أحد حتى الآن مدى صدق البيانات والتصريحات والفيديوهات الصادرة من طرفيها، تنعكس على ضبابية حجم التدخلات الخارجية واتجاهاتها.

مثلا لا يمكن الجزم بمكان البرهان رغم فيديو يظهره بين قادته في غرفة صغيرة، ورغم خطاب العيد المتلفز المسجل سلفا، هل الغرفة الصغيرة مكان سري تحت مقر القيادة العامة، وهل الخطاب المتلفز تم تسجيله في مقر محصن آخر؟.. السؤال نفسه يتعلق أيضا بحميدتي. لم يظهر منذ بدء الحرب سوى بتصريحاته بلغة خليط بين العامية والفصحى بلكنة قبائل غرب السودان.

لكنه بعد وقت قصير من إلحاح مذيعة قناة العربية في اتصال هاتفي على الهواء، ظهر ممتشقًا بندقية في سيارة على ما يبدو، على طريقة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ومن سخرية تلك الضبابية تخيل أنهما يديران الحرب من مكتبين لا تزيد المسافة بينهما عن 200 متر في مقر القيادة العامة التي تتشارك قواتهما في السيطرة عليه!

هكذا تخيلت بعض وسائل الإعلام الغربية، وهي تضيف إلى "الضبابية" أن البرهان لم يصدر حتى اللحظة الراهنة، قرارا بإقالة حميدتي من منصبه كنائب لرئيس مجلس السيادة، ولم يوقع قرارا رسميا بملاحقته والقبض عليه بتهمة عسكرية هي "التمرد" مع أنه علنا يتهم بها ميليشياته واسترد ضباط الجيش المعارين إليها، وألغى وجودها في حرس الحدود وفي كل المهام التي كانت مضطلعة بها.

ومن الضبابية أن الأمم المتحدة وواشنطن والقوى الإقليمية تتعامل معهما كدولتين أو كيانين معترف بهما.. تتحدث مع البرهان كما تتحدث مع حميدتي. تتواصل وتنسق في عمليات الإجلاء مع كل منهما.. يتحدث قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا مع حميدتي، وتتصل إدارته بأشخاص في مستواه مع البرهان.

مصر هي أقوى قوة عسكرية مجاورة للسودان، يقال إنها تقف مع الجيش كمؤسسة، مع أنه يتردد أن الإمارات حليفتها الرئيسية في الخليج تقف مع حميدتي.

والأمر نفسه يقال عن السعودية التي تتحدث تقارير عن خلافات صامتة بينها وبين مصر، لكنهما يشتركان في دعم البرهان، في حين أن جنرال الشرق الليبي خليفة حفتر الذي يقيم علاقات جيدة مع كل من القاهرة والرياض، يدعم حميدتي بالوقود والأسلحة والتدريب والمعلومات الاستخبارية كما أوردت أكثر من صحيفة وشبكة إخبارية غربية منها وول ستريت جورنال والأوبزرفر والجارديان والسي ان ان.

لأن نتيجة الحرب بين البرهان وحميدتي ستكون صفرية بالتأكيد، ولن ينتصر طرف على الآخر، فإن النتيجة الوحيدة غير المشكوك فيها في نظر اللاعبين الدوليين، خروج السودان دولة منهارة مفككة فاشلة، وخسارة جيش كان من أقوى جيوش قارة أفريقيا، وسلاح جو بطائرات حديثة وطيارين فاجأوا الدوائر العسكرية الغربية بمهاراتهم القتالية الجوية وتدريبهم العالي خلال الحرب.

الرهان على انهيار الدولة يعني رهان هؤلاء اللاعبين على الغنائم وما أكثرها وأثمنها!

يأتي في المقدمة منها الساحل السوداني الطويل على البحر الأحمر (780 كلم) الذي يمكن أن يشكل خطرا على السعودية ومشروعها المستقبلي الضخم "نيوم" وهو لن ينجح ويحقق أهدافه بدون استقرار في البحر الأحمر. 

فإذا كانت قد بردت جبهة مضيق هرمز باتفاقها الأخير مع إيران بوساطة صينية، وبردت جبهة باب المندب بوقف الحرب في اليمن، فإن جبهة البحر الأحمر من ناحية الساحل السوداني بدءا من بورت سودان من شأنها جعل التبريد السابق كأن لم يكن، خصوصا إذا انقلبت حرب العسكر إلى حرب أهلية مقدر لها أن تستمر أطول من حرب اليمن في ظل ديموغرافية القبائل بالغة التعقيد والعصبية في تلك المنطقة وما بينها من نزاعات وصراعات.

لا نغفل هنا ما كان يدور بشأن مشاريع سابقة لبناء قواعد عسكرية وبنى تحتية لروسيا في بورتسودان، وتركيا في مدينة سواكن، وتطوير لميناء أبوعمامة شمال بورتسودان من قبل الامارات، وتطوير ميناء عثمان دقنة في مدينة سواكن من قبل قطر.. بين هذا وذاك يمكن تصور أبعاد الصراع والاستقطاب الدولي للسيطرة على منافذ البحر الأحمر.

لا يقل الخطر على مصر وعلى مرور التجارة العالمية في قناة السويس، عن الخطر على السعودية، بل قد يزيد عليه، يمتد ساحل البحر الأحمر لنحو 438 ألف كلم ويبلغ عرضه 180 كلم، وتطل عليه عدة دول لها ثقلها التاريخي والسياسي والاقتصادي وتعبره نحو 13% من حجم التجارة العالمية.

غير الصراع على البحر الأحمر، وواشنطن وإسرائيل في القلب منه، هناك تنافس دولي على معادن السودان. اقتصاديا يأتي الذهب حيث أن في أراضيه مناجم واحتياطات هائلة، ثم النفط الذي يؤكد خبراء أن إقليم دارفور التي ينتمي إليها حميدتي يعوم على بحيرة منه كما تجلس على كنوز الذهب.

المرجح وصول الاحتياطي الإجمالي النفطي السوداني إلى 3 مليارات برميل، والقسم الأكبر منه في الجنوب والغرب والشرق .

الصراع على دارفور له دوافع سياسية واقتصادية واستراتيجية، فأكبر مخزون يورانيوم في العالم كله مدفون بهذا الإقليم، وهو من النوع عالي النقاوة. 

ومن المعروف صراع الدول الكبرى والصاعدة على اليورانيوم في ظل السباق النووي، وتظفر قارة أفريقيا بنحو 60% من الاحتياطي العالمي.

تحت أراضي السودان أيضا ثروة هائلة من النحاس، الكروم، الرخام والجرانيت، ولا نغفل الصراع الذي سيكون على الغنيمة الأثمن المتمثلة في ثروة السودان المائية والزراعية.

السودان يحوز حوالي ٢٠٠مليون فدان صالحة للزراعة أي ما يعادل حوالي ٤٥٪ من إجمالي المنطقة العربية، وهو من أغنى الدول العربية والافريقية بثروته الحيوانية من أبقار وأغنام وماعز وإبل، بحوالي١٠٣ملايين رأس إضافة إلى ٤ ملايين رأس من الخيول و ٤٥ مليونا من الدواجن، وثروة سمكية تقدر بحوالي ١٠٠ ألف طن للمصائد الداخلية و١٠ آلاف طن للمصائد البحرية، وفق مصادر إعلامية سودانية وخارجية.

 علينا إذن أن نتخيل مدى تداخل خرائط الصراع الدولي على السودان بعد أن يؤكل "الثور الأبيض" المتمثل في قوة دولته ووحدتها وتماسكها.

والمبكي أن يؤكل هذا الثور بواسطة قرنيه.. البرهان وحميدتي.