الآثار بين «العشوائية» و«الكباري».. كنوز مصر يدمرها الإهمال

ذات مصر

تعددت مشاهد الإهمال التي تتعرض لها الآثار المصرية، فقديمًا عرف أن نباشي القبور هم السبب الرئيسي في تدميرها وتهريبها، لكن خلال السنوات الأخيرة اختلف الوضع وباتت ظلمته أحلك من ظلام القبور.

الكباري تغطي كل مكان

في السنوات الأخيرة لم تخلو الأخبار من الإعلان عن ضبط العشرات بل والمئات من القطع الأثرية سواء في المطارات المصرية، أو حتى في الخارج بعد الخروج من مصر لكن أضيف إليها عاملًا جديدًا في اتجاه الدولة نحو بناء منشآت «كبارى أو طرق» أو غيرهما على مناطق تحتفظ بجزء هام من تاريخ مصر.

الدرامي في خطة تطوير الدولة أنها لم تدرس أي شيء حول المكان الذي تخليه لتمر الأعمدة الأسمنتية عليه، أو يغطيه الأسفلت لتفاجئ لاحقًا بارتكابها كارثة بعد نشر النبأ على مواقع التواصل الاجتماعي لتبدأ في محاولة علاجه بطريقة قد تبدو أسوأ من الهدم.

هدم قبور العظماء

من ينسى الحملة التي انطلقت على «السوشيال ميديا» قبل أشهر لمنع أجهزة الدولة من هدم قبر الأديب المصري الراحل، عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، والتي تداركت الدولة الموقف لتجعله محاطًا بأعمدة خرسانية أساءت له ولتاريخها الحاضر.

ترفع الدولة المصرية شعار الحفاظ على الآثار المصرية، ووضعها في «حلة بهية» بإنشاء وتطوير المتحف المصري الكبير ومتحف الحضارة وغيرهما، لجذب ملايين السياح من شتى بقاع الأرض لكن يبدو أنها لا تدرك هدمها لجزء آخر مهم أيضًا من حضارة مصر.

قبل أيام أيضًا، كشفت أسرة «قيثارة السماء»، القارئ الشيخ محمد رفعت، عن تلقيها خطابًا يفيد بهدم مقبرته ونقل رفاته على نفقتها، وطالبت الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقيادات الدولة بالتدخل، لتكتشف محافظة القاهرة المأزق الذي وضعت فيه.

المحافظة أعلنت لاحقًا تراجعها عن قرارها بهدم مقبرة أحد أبرز قراء مصر في التاريخ، مشيرةً إلى أن ما أثير بشأن إزالة المقبرة عارٍ تمامًا من الصحة، مطالبةً بوسائل الإعلام تحري الدقة والرجوع للمصادر الرسمية للتأكد من صحة البيانات.

شاهد قبر إمامه يفضح الإهمال

لكن مشهد آخر بدا أكثر ظلمةً من سابقيه، وتحديدًا في يوم الخميس 11 مايو الماضي، بعد محاولة مجموعة من المهتمين بالآثار والتاريخ المصري إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراث مصر النادر الموجود بقرافة الإمام الشافعي التي تهدم حاليًا.

الدكتور مصطفى الصادق، الأستاذ بجامعة القاهرة، وأحد المهتمين بتاريخ مصر، كشف في منشور عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن توجه يوم الخميس إلى قرافة الشافعي لإلقاء نظرة على المكان قبل هدمه نهائيًا وإنقاذ ما قد يكون ذو أهمية تاريخية وإبلاغ المسؤولين من الآثار أو مهندسي الحي للحفاظ عليه.

وأشار في تدوينته، إلى أن دخل «حوش» أخلي من الموتى استعدادًا لهدمه لمشاهدة شاهد القبر ليفاجئ بوجود جدار مهدم وبنظرة أكثر دقة وجد بعض الحروف الكوفية غير المنقوطة، ليكتشفوا بعد نصف ساعة من محاولة إخراج الشاهد أنه أثري.

وبين الصادق أنهم اكتشفوا أن الشاهد عمر 1187 عامًا أو 1179 عامًا، لـ«أمامة ابنة محمد بن يحيى بن خلد بن يحيى»، مشيرًا إلى أنهم سلموا الشاهد إلى المسؤولين في وزارة الآثار، وأنه يُعرف الجميع قيمة مصر بالنسبة للبلاد المجاورة وقارة أفريقيا كاملة.

انتقادات عديدة لسياسة الدولة

بوست الصادق، لاقى تفاعلًا كبيرًا وانتقادات كثيرة لسياسة الدولة في الهدم من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين الدولة بعدم الإقدام على هدم أي مكان قبل استكشاف وجود آثار مصرية بها أو مناطق تاريخية يجب الحفاظ عليها.

البعض أشار إلى أن صاحبة الشاهد قد تكون ابنة محمد بن يحيي بن خالد البرمكي الوزير العباسي، وجدها يحيي بن خالد البرمكي المتوفي عام 190 هجريًا، وأنه يوضح جزءًا هامًا من التاريخ الإسلامي المصري.

الصدفة تقود لكشف أثري

ومن هنا إلى بوابة الصعيد في الجنوب، وتحديدًا في محافظة بني سويف كشفت الصدفة البحتة خلال تنظيف عمال المنطقة الأثرية من حشائش «الحلفا» بمنطقة إهناسيا الأثرية عن كنز أثري هام مكون من 4 أوانٍ كانوبية لتماثيل أبناء الإله حورس في الديانة المصرية القديمة، وهم: «مستي وحابي ودواموتف وقبح سنوف».

وأوضحت لجنة من هيئة الآثار بالمحافظة، أن التماثيل الأربعة مصنوعة من خامة الألباستر والوجوه من الحجر الجيري، ولها أهمية أثرية كبيرة، ولم تعلن وزارة السياحة والآثار حتى الآن عن تفاصيل الكشف، الذي أودع بمخزن الآثار بالمنطقة لاتخاذ الإجراءات المتبعة.

وتبلغ مساحة المنطقة الأثرية بإهناسيا 390 فدانًا، وبها بقايا معبد الملك رمسيس الثاني وتمثالان له مصنوعان من الكوارتز، وكانت المدينة عاصمة لمصر في عهد الأسرتين التاسعة والعاشرة لنحو قرنين من الزمان، في الفترة من 2242 حتى 2452 قبل الميلاد.