قارئات مصر: لا جُناح عليكن!

ذات مصر

8 سنوات موزعة على 3 مراحل، قضتها كوثر حسين بمعهد تعلم قراءات القرآن الكريم. كانت مهلة كافية للحصول على المركز الثاني على مستوى الجمهورية، في حفظ وتجويد القرآن بالقراءات العشر في العام 2012. 

منذ ذاك لم تتمكن كوثر من العمل، إذ إن معاهد القراءات غير معترف بها كشهادة، ولا يمكن إثباتها في البطاقة الشخصية، ما يعني أنها، بحسب القانون، حاصلة على مؤهل فوق متوسط. 

أبواب أخرى طرقتها كوثر، منها الانضمام إلى نقابة القرّاء، كإثبات رسمي لقدرتها على تحفيظ وإجازة غيرها من الطالبات، إضافة إلى مراسَلة كليات في النيجر وأمريكا، بهدف الدراسة عبر الإنترنت. 

تقول كوثر لـ"ذات مصر" إن تكلفة الترم الواحد عن بُعد تساوي 2000 دولار، وهو مبلغ لن تستطيع سداده، وتؤكد أن تأسيس فرع لكلية القراءات للبنات، يتبع جامعة الأزهر، هو الحل لأزمتها وكثيرات، يلجأن إلى نفس البدائل غير المجدية. 

تساؤلات مشروعة

عديدُ التساؤلات وُجهت لجامعة الأزهر، حول أسباب تأخر تأسيس فرع  القراءات للإناث، اتخذ بعضها طابعًا هجوميًّا ارتبط بتكهنات عن جدلية صوت المرأة، وربما رغبة الجامعة في عدم تخريج دفعات من طالبات يمكنهن العمل كمقرءات، بموجب شهادتهن من الأزهر، حال السماح لهن بدراسة علوم القرآن والتخصص فيها. 

يكشف عضو بهيئة التدريس بجامعة الأزهر، رفض ذكر اسمه، أن الجامعة شرعت في وضع خطة لتشييد كلية القراءات للبنات أسوة بفرع طنطا (دلتا مصر) للبنين، لكنها فقط تحتاج إلى الضغط من الطالبات وأسرهن، في حين ينفي المتحدث الإعلامي، الدكتور أحمد زارع، طرح الفكرة للمناقشة من الأساس، مبيِّنًا  أن الأمر يتعلق بضعف الإمكانات فقط، وأن الأزهر تخطى الحديث عن صوت المرأة. 

رواية المتحدث الإعلامي عن ضعف الإمكانات، تتفق مع شكوى رئيس الجامعة، الدكتو محمد المحرصاوي، بشأن ضعف التمويل وطلبه زيادة الميزانية المخصصة للجامعة والتي تبلغ 2.2 مليار جنيه للعام المالي 2018_2019، لتصل  إلى جملة مليارين و662 مليونًا و479 ألفًا لموازنة العام المالي 209-2020، ومع أن الأزهر أنفق الكثير  في السنوات الماضية لعمل بعض التوسعات، وإنشاء أفرع بالمحافظات واستحداث أقسام جديدة، فإنه لم يؤسس كلية للقرءات وعلوم القرآن للبنات.

سيناريوهات وصعوبات

ثمّة سيناريوهات أخرى يمكن في ضوئها تفسير عدم جدية الجامعة في إنشاء كلية القراءات، منها صعوبة إدماج الخريجات في سوق العمل، خصوصًا أن الخيارات أمامهن محدودة: إما التدريس وإما العمل كمقرئا  أو واعظات، إضافة إلى احتمال بسيط لتوظيفهن في الإذاعة المصرية. 

من نصدق؟

وعلى عكس ما أعلنه زارع بشأن عدم طرح الأمر للنقاش، قالت الدكتورة نهلة الصعيدي، عضو المجلس الأعلى للأزهر، إن عميد كلية القراءات للبنين، الدكتور سامي هلال، تقدم بمقترح لتأسيس فرع للبنات، موضحة أن الجامعة تدرس كيفية خلق فرص عمل للطالبات وجدوى إنشاء كلية، بزعم أن كلية الدراسات الإسلامية تقدم نفس المحتوى والمواد، الأمر الذي نفته كوثر حسين، مبينة أن الكلية المراد تأسيسها تستهدف تدريس المتون والتحريرات الكبرى، أحكام التجويد وتاريخ المصحف، وهذه المواد غير متوافرة بكليات الدراسات الإسلامية. 

تستغرب صاحبة المركز الثاني على الجمهورية حديث الصعيدي، عن تشابه الكليتين وتطابق الهدف منهما، متسائلة: "لماذا إذًا تخصِّص الجامعة كلية دراسات إسلامية وقراءات للبنين، ما دامت كلتاهما تؤدي نفس الغرض؟". 

الجدل  السابق ليس بجديد، فقد طالبت الدكتوة سعاد صالح، رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات، بأن تصبح المرأة مُقرئة، مؤكدة أن الأمر لن يتحقق إلا من خلال دراسة أكاديمية بشهادة معتمدة من كلية القراءات، وقد وافق المجلس الأعلى للأزهر في العام 2006 على المقترح. 

وقالت صالح لـ"ذات مصر" إن جامعة الأزهر غير متحمسة لأي إنجاز يخص المرأة المصرية، ويريدونها أن تكتفي بما حصلت عليه من حقوق دون التطلع للمزيد، مشددة على أن صوت المرأة ليس عورة ونساء النبي كن يقرأن ويعلمن القرآن في بيوتهن، على حد تعبيرها.

محاولات لدعمهن

في العام 2009، حرّك الشيخ أبو العينين شعيشع، نقيب مقرئي القرآن آنذاك، المياه الراكدة، بعد أن تقدّم بطلب رسمي إلى الإذاعة المصرية يدعو فيه إلى اعتماد مقرئات في الإذاعة، مشيرًا إلى أنه وافق على طلب انضمامهن إلى النقابة بعد اجتيازهن الاختبارات بنجاح، داعيًا إلى "خروجهن للنور" وإيصال أصواتهن إلى العالم الإسلامي. 

وقد تعرضت مبادرة شعيشع لرفض من التيار السلفي وبعض مشايخ الأزهر، لكنه دافع عن رأيه بأن قال: "لا مانع شرعيًّا من عمل المرأة كقارئة قرآن، بشرط ألا يكون ذلك أمام الرجال.. ولقد كانت هناك سيدات قارئات للقرآن الكريم في الإذاعة المصرية منذ نحو 50 سنة، واللاتي يعتبرن من الرعيل الأول للقارئات سواء في مصر والوطن العربي، ولكنهن توفين جميعًا". 

وبسؤالها عن دعوة شعيشع، أجابت صالح: " شرعًا، ليس هناك ما يمنع أن تقرأ المرأة بين الرجال، والفتيات لهن حق تعلم التجويد والترتيل، فقد بذلن جهدًا كبيرًا، ولا يحصلن على كارنيه النقابة إلا من خلال اختبارات عديدة، تعتمد نتائجها لجنة عليا من كبار علماء الدين، وتشمل فروع الاختبار حفظ القرآن الكريم كاملاً وأصول التجويد، وأحكام القرآن وتفسيره ومخارج الأصوات". 

قارئات الرعيل الأول

بالبحث عن أسماء مقرئات الرعيل الأول التي تحدث عنها الشيخ "شعيشع" في الفضاء الإلكتروني، تظهر مقاطع صوتية لهن على أنها تسجيلات السيدات في الإذاعة المصرية، في حين نفى عبد العزيز عمران، رئيس الإدارة المركزية للبرامج الدينية بالهيئة الوطنية للإعلام، وجود أي تسجيلات في الإذاعة لقارئات. وعن التحاق السيدات بالإذاعة.

لفت عمران إلى أن لائحة لجنة المبتهلين والقرّاء  بالإذاعة تنص على أن يكون المتقدم ذكرًا، مضيفًا: "حاولت من قبل أن أضع بندًا  يسمح للسيدات بدخولهن الإذاعة عام 2015 لكنه قوبل بالرفض". 

هل المجتمع مؤهل لقبول قراءة المرأة في الإذاعة؟ يجيب رئيس الإدرارة المركزية للبرامج الدينية، بأن أصوات السيدات تحصد المركز الأول في مسابقات عالمية لحفظ وقراءة القرآن، وسمعنا سيدات كثيرات يقرأن أفضل مما يقرأ بعض الرجال، مشيرًا إلى أن أي شيء جديد يقابل بالرفض حتى نعتاد عليه. يضيف: "يمكن قبول السيدات في الإذاعة بنفس الشروط التي تنطبق على الرجال، وهي رخامة الصوت، وانضباط الأحكام، إضافة إلى الأداء الصوتي وإجادة المقامات الصوتية. 

مسيرة الجدات

رغم الجدل الدائر حول توظيف الإناث كمقرءات ومنشدات، تظل هناك معضلة أخرى بخلاف الإمكانات وجدلية صوت المرأة، تتركز في ذهنية المقرئات أنفسهن. ويمكننا انتظار إجاباتهن عن مدى قبولهن أو رغبتهن في دخول الإذاعة وتحقيق مكاسب حصلت عليها جداتهن منذ عشرينات القرن الماضي، مثل منيرة عبده، وكريمة العدلية، ونبوية النحاس، أشهر 3 قارئات مصريات. 

على غير العادة في مصر، لم ترغب أمل عبد الكريم في العمل بشهادة الهندسة التي تصنف ضمن كليات القمة، وانتسبت إلى الجامعة الإسلامية في أمريكا، تحديدًا كلية القراءات التي تمكنها من الدراسة عن بعد، مقابل مبلغ مالي، وبعد 4 سنوات اكتشفت أن الشهادة غير معتمدة، ما يعني أنها لن تستطع العمل في أي من مجالات القرآن. 

اتفقت عبد الكريم وكوثر حسين في عدم الرغبة في الظهور عبر الأثير، بزعم أن الخجل والحياء يمنعهما من اقتحام مجال الإذاعة، وتعتبران أن من تُقدم على ذلك تتمتع بجرأة غير محدودة. 

انتساب منقوص

ذات صباح، قطعت فاطمة موسى، مسافة من مركز بلقاس بمحافظة الدقهلية، وصولاً إلى شارع بورسعيد بمنطقة السيدة زينب، حيث مقر نقابة القرّاء، رغبة منها في دفع رسوم قيدها والحصول على كارنيه النقابة، لتصبح واحدة من بين 100 سيدة، بحسب محمد الساعاتي المتحدث الرسمي للنقابة، نِلن هذا الشرف. وبعد إنهاء الأوراق لم يتواصل معها أحد.

 تعمل فاطمة مُدرّسة قرآن بإحدى المعاهد الأزهرية بالمنصورة، إضافة إلى عملها كواعظة بوزارة الأوقاف، وتقول: "لم يُجِزني الشيخ محمود الطبلاوي نقيب القراء، فمُدرس القرآن لا يُمتحن بالنقابة، وكان امتحاني أمام لجنة من (عتاولة) شيوخ الأزهر قبل تعييني بالمعهد، وهناك الكثيرات اتجهن لصفحات فيس بوك ويوتيوب لنشر مقاطع وهن يرتلن القرآن كمتنفس وحيد. 

وبسؤالها عن مستقبل السيدات في حال إنشاء فرع لكليلة القراءات لهن، أجابت أن العدد الحالي لا يساعد على افتتاح "فرع" وليس كلية كاملة للبنات، ونوهت بأن دُفعتها بمعهد القراءات من البنات جميعهن رفضن الانضمام إلى الكلية بعد قضاء 8 سنوات في معهد القراءات، فالمعهد عبارة عن 3 مراحل: الأولى  لغير الأزهريين وتساوي شهادة الإعدادية، أما الأزهريون فيلتحقون بالمرحلة الثانية (3 سنوات) وتعادل شهادة الثانوية والثالثة هي مرحلة التخصص وتساوي مؤهلاً فوق المتوسط. 

ولا تزال كثيرات من المنتسبات إلى كليات القراءات في النيجر وأمريكا،  ينتظرن أن تصدر جامعة الأزهر قرارًا، بافتتاح فرع البنات لهن، لتوفير نفقات وعناء 4 سنوات تنتهي دون الحصول على شهادة أكاديمية.