تصارع القوى في النيجر.. هل حلت روسيا محل فرنسا بمباركة أفريقية؟

ذات مصر

تعيش النيجر أجواء انقلابية، بعد الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، وإعلان الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه زعيمًا جديدًا للنيجر، ويزداد الصراع الدولي حول البلد الإفريقي، فرفضت فرنسا الاعتراف بالسلطات المنبثقة عن الانقلاب مُعتبرة بازوم، الرئيس الديمقراطي الوحيد لجمهورية النيجر.

انقلاب النيجر والذي شهد رفضًا دوليًا من الولايات المتحدة والدول الأوروبية خصوصًا، لم يلق نفس ردة الفعل من المعسكر الآخر الذي تقوده روسيا، بل على العكس ظهر قائد مجموعة فاجنر الروسية، يفجيني بريجوجين ليؤكد أن انقلاب النيجر كفاح ضد المستعمرين، الذين يحاولون فرض نمط حياتهم عليهم. 

روسيا تسيطر على النيجر 

أثارت رسالة مجموعة "فاجنر" الروسية والتي أشادت بالانقلاب الذي نفذه الجيش الأربعاء، في النيجر، جدلاً حول التنافس الدولي في إفريقيا.

وقال رئيس " فاجنر" يفجيني بريجوجين إن «الأحداث في النيجر كانت جزءا من حرب الأمة ضد المستعمرين»، منوهًا بأن المستعمرين السابقين -في إشارة إلى فرنسا والغرب- يحاولون كبح جماح شعوب الدول الإفريقية وملئها بالإرهابيين والعصابات، مما يخلق أزمة أمنية هائلة، وفق وكالة “فرانس برس”.

الوجود الروسي في انقلاب النيجر لم يقتصر على التصريحات فقط، لكن رفع متظاهرون في العاصمة نيامي شعارات مؤيدة لروسيا، بالإضافة إلى التحذيرات التي أطلقها المجلس العسكري الحاكم الجديد في النيجر لفرنسا من التدخل في شؤون بلادهم، بأنها مؤشرات ربما تكون في اتجاه الاصطفاف نحو الجانب الروسي، بحسب أراء محللون هناك.

 ويرى مراقبون وجود علاقة بين التطورات الحالية في النيجر والتطورات التي حدثت في بلدان مجاورة خلال الأشهر الماضية، حيث استولت مجموعات عسكرية على الحكم في كل من مالي و بوركينا فاسو، ورفضوا الوجود الفرنسي وكانوا أكثر ميلا نحو موسكو.

الوجود الفرنسي في النيجر

فرنسا تعد الدولة الأوربية الوحيدة المتأثرة بسبب الأحداث في النيجر، خصوصًا أن باريس ركزت استراتيجيتها الجديدة نحو إفريقيا بعد انسحاب قواتها من مالي، باتخاذ النيجر حليفا لها، لتنفيذ سياستها في غربي أفريقيا، وفي إطار مواجهة التنظيمات الجهادية المسلحة في منطقة الساحل.

ولدى فرنسا - القوة الاستعمارية السابقة للنيجر- نحو 1500 جندي في هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، منتشرين في قواعد عسكرية.

تمثل النيجر كنزا ثمينا لفرنسا باعتبارها أحد أقوى حلفاء باريس في دول الساحل والصحراء، فضلا عن كونها مصدرا رئيسيا للإمداد باليوارنيوم المستخدم في إنتاج الكهرباء لملايين الأسر بالبلاد.

وتوثقت شراكة "نيامي" وباريس في منطقة الساحل والصحراء، بعدما نقلت فرنسا قواتها من مالي عام 2022، إلى النيجر، بداعي الاستفادة من الخبرات الفرنسية في التدريب العسكري ومكافحة الإرهاب.

وبعد ساعات قليلة من المحاولات الانقلابية التي شهدتها النيجر، أبدت فرنسا "إدانتها الشديدة لأي محاولة لتولي الحكم بالقوة"، بعدما عمد عناصر في الحرس الرئاسي إلى احتجاز الرئيس محمد بازوم.

أفريقيا تنتصر للدب الروسي

التوسع الروسي في أفريقيا، لاقى قبولًا لدى قادة الدول والزعماء في القارة السمراء، فرغم الموقف غير المعلن من جانب موسكو بتأييد الانقلاب في ميامي، حافظت دول القارة على سياسة الحياد مع الأزمة، فلم تخرج بيانات رافضة بشدة لما حدث هناك.

رئيس الاتحاد الأفريقي، ورئيس دولة جزر القمر، غزالي عثماني، طالب خلال كلمته في القمة الروسية الأفريقية التي عقدت يومي 27 و28 يوليو الجاري، بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية، مؤكدا إدانته للانقلاب العسكري في النيجر الذي طرأ حديثا. 

وقالت مصر في بيان رسمي، إنها تتابع بقلق تطورات الأوضاع في النيجر، وأنها تشدد على حرصها على سلامة واستقرار جمهورية النيجر الشقيقة والحفاظ على النظام الدستوري والديمقراطي في البلاد، مؤكدةً تضامنها الكامل مع شعب النيجر الشقيق، داعيةً إلى تغليب المصلحة العليا للوطن والحفاظ علي سلامة المواطنين.

وسارت أغلب دول القارة السمراء على نفس النهج، وأدان الاتحاد الأفريقي "محاولة الانقلاب" في النيجر، حيث احتجز عناصر في الحرس الرئاسي الرئيس محمد بازوم، داعيا الى "العودة الفورية وغير المشروطة" للعسكريين إلى ثكناتهم.

وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد في بيان عن "تنديده الشديد بهذه السلوكيات من جانب عسكريين يرتكبون خيانة كاملة لواجبهم الجمهوري"، مطالبا إياهم ب"وقف هذا العمل المرفوض فورا"، داعيًا "الشعب النيجري وجميع أشقائه في أفريقيا، وخصوصا المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وفي العالم، الى أن يدينوا بصوت واحد هذه المحاولة ويطالبوا بالعودة الفورية وغير المشروطة للعسكريين إلى ثكناتهم".

«قلق غربي» من التفوق الروسي

وتخشى فرنسا أن تكون النيجر الدولة الثالثة التي تخسرها لمصلحة روسيا في غربي أفريقيا، بعد مالي وبوركينا فاسو، خصوصًا أن الدولة الفقيرة تعد الحليف الأخير لباريس في منطقة الساحل والصحراء.

تخشى الولايات المتحدة أيضَا من أنّه في حال نجاح الانقلاب ستصبح النيجر الدولة الـ11 في الدول الأفريقية، التي تشهد نفوذاً روسياً عبر مجموعة "فاجنر"، بعد بوركينا فاسو العام الماضي.

كما أن واشنطن قلقة على قاعدة الطائرات المسيرة التي أسستها في وسط الصحراء في مدينة أجاديز في شمالي النيجر عام 2014، في إطار عمليات مكافحة إرهاب الجماعات المسلحة في غربي أفريقيا. 

وبحسب تقرير لـ" ذو جارديان البريطانية" فإن الولايات المتحدة أنفقت نحو 500 مليون دولار منذ عام 2012 لمساعدة النيجر على تعزيز أمنها، وغير مستعدة لخسارتها جراء الانقلاب العسكري الأخير وأعلنت فورا أنها لا تعترف بقادة الانقلاب.

يرى عدد من الخبراء والمهتمين بالشأن الإفريقي والغربي أن كلا من فرنسا والولايات المتحدة تخشيان من استثمار هذه الخطوة من جانب روسيا، التي تسعى لتعميق نفوذها في القارة الأفريقية.

وقال موقع فرنسي، إنه من الواضح أن الانقلاب استمرار للانقلابات في مالي وبوركينا فاسو، التي تتميز بالتقارب مع روسيا وبتنامي المشاعر المعادية لفرنسا.