انقلاب النيجر.. هل تتدخل فرنسا عسكريًا؟

ذات مصر

في 26 يوليو الماضي، احتجز الحرس الرئاسي رئيس النيجر محمد بازوم، ليعلن الجيش انقلابه على الرئيس، وسط إدانات إفريقية ودولية واسعة.

بدأت الإدانات الدولية للإنقلابين في النيجر، تتلاحق واحدة تلو الأخرى، لكون الرئيس المطاح به من أقوى حلفاء الغرب، ولكون النيجر واحدة من أهم معاقل تمركز القواعد الغربية، ففرنسا تحتفظ بـ4 قواعد، وأميركا بقاعدة واحدة، وتعد النيجر واحدة من مراكز تدريب قوات الناتو مؤخرًا، فضلا عما تذخر به البلاد من الثروات المعدنية خاصة اليورانيوم الذي تمتلك النيجر ثاني أكبر احتياطي منه، إضافة إلى موارد أخرى كالذهب والماس والفحم.

ويومًا بعد يوم تتأكد صلة انقلاب النيجر بصراع القوة والنفوذ في منطقة الصحراء والساحل. وحذرت دول أفريقية من التدخل العسكري في النيجر، بالنظر إلى تداعياته على استقرار المنطقة، وأعلنت انضمامها للنيجر حال أي تدخل عسكري. وحذرت الولايات المتحدة المجلس العسكري في النيجر من أي شراكة مع روسيا، نظرا لما تمثله من خطر على مصالحها في المنطقة.

تبقى فرنسا الدولة المعنية الأكثر بما يحصل في النيجر وبما ستؤول إليه الأحداث، بسبب نفوذها الاقتصادي والعسكري هناك، لاسيما بعد خروج قواتها من مالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى، وتضاؤل نفوذها في الغرب الإفريقي.

مصالح فرنسا المهددة

الذي يكشف حجم التهديدات التي تواجه المصالح الفرنسية بسبب المتغيرات الحاصلة، ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشأن استعداد بلاده للتدخل عسكريًا في النيجر. ويكشف أيضًا عدم وجود رؤية واضحة لدى فرنسا لحماية مصالحها.

تمتلك فرنسا في النيجر شبكة واسعة ومتشعبة من المصالح الاقتصادية والعسكرية، فلدى فرنسا قواعد عسكرية تخولها الاستخدام في قضايا الأمن والهجرة ومكافحة الإرهاب، على مدى الصحراء والساحل، وتمتلك شركات نشطة في قطاعات الطاقة والصناعة والتعدين، وهو ما جعل النيجر أحد المفاتيح الرئيسة لتعزيز وحماية مصالحها.

تحذيرات من التدخل العسكري

أبدت فرنسا لهجة حازمة بشأن الانقلاب، وقالت إنها لا تعترف إلا بسلطة الرئيس محمد بازوم، ووجه الانقلابيون في النيجر اتهامات لفرنسا، بالتحضير للتدخل العسكري لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة.

ونفت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، أي نية للتدخل في النيجر، وتوعد الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، الانقلابيين بالرد "فورًا وبشدة"، على أي هجوم يستهدف مواطني بلاده ومصالحها في النيجر، بعدما تظاهر مؤيدو الانقلاب أمام سفارة باريس في النيجر.

وفي ظل الأمر الواقع، فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) خلال اجتماعها في العاصمة النيجيرية أبوجا، الأحد الماضي، عقوبات اقتصادية وحظرت سفر قادة الانقلاب في النيجر.

وقالت المجموعة إنها "ستستخدم القوة" في حال عدم إعادة قادة الانقلاب الرئيس بازوم إلى السلطة خلال أسبوع، وأصدر مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي بياناً يطالب العسكريين بالعودة الفورية وغير المشروطة إلى ثكناتهم، وإعادة السلطة الدستورية خلال مهلة أقصاها 15 يوماً.

في المقابل حذرت مالي وبوركينا فاسو في بيان مشترك، من أي تدخل عسكري في النيجر، واعتبرت أن الهجوم العسكري على النيجر بمثابة إعلان حرب على مالي وبوركينا فاسو. كما حذرت من أن التدخل العسكري سيؤدي إلى انسحاب مالي وبوركينا فاسو من مجموعة إيكواس.

اليورانيوم والتدخل الروسي

يتبدى القلق الفرنسي والغربي أساساً في تنامي النفوذ الروسي في إفريقيا، إذ كان خروج فرنسا في السنوات الثلاثة الماضية من مالي وغينيا وبوركينا فاسو، لصالح النفوذ الروسي، فما إن يصدر البيان العسكري، حتى يخرج العشرات من جمهور الانقلاب، رافعين الأعلام الروسية مرحبين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبقائد مجموعة فاجنر العسكرية، يفجيني بريجوجين.

ومثلما تتجه أنظار العالم إلى باريس وتأثير الانقلاب على مصالحها في الدولة الغنية باليورانيوم المهم للمفاعلات النووية الفرنسية، والذي تستورد فرنسا نحو 35% من حاجتها، تتجه الأنظار كذلك إلى موسكو التي يرى كثيرون أن لها يدًا في انقلاب النيجر، أو على الأقل تنتظر الفرصة لتوجيه ضربة للمصالح الغربية هناك.

عمليات الإجلاء

بدأت فرنسا في إجلاء مواطنيها من النيجر الثلاثاء الماضي، حيث أقلعت أول طائرة تقل أكثر من 262 شخصا "بينهم 12 رضيعاً"، من العاصمة نيامي. فيما أشارت إلى أنه لا نية لبلادها لإعادة جنودها إلى فرنسا.

وتنشر فرنسا نحو 1500 جندي في النيجر، فيما تنشر الولايات المتحدة 1100 جندي يشاركون في القتال ضد المتشددين، وتبدو فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في النيجر والداعمة للرئيس بازوم، الهدف الأساسي للعسكريين الانقلابيين.

الخيار الأخير

وفيما تبدو فرنسا مستعدة للتدخل العسكري في النيجر، كما جاء على لسان رئيسها، أكد مسؤول في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، أن التدخل العسكري في النيجر سيكون "الخيار الأخير" الذي ستطرحه الهيئة لإعادة النظام الدستوري إلى البلاد، بعدما هدّد قادتها باستخدام القوة.

وقال مفوض «إيكواس» المكلف الشؤون السياسية والأمن عبد الفتاح موسى إن الخيار العسكري هو الخيار الأخير المطروح، لكن يجب الاستعداد لهذا الاحتمال.

من جهته قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، إنه يجب استبعاد أي تدخل عسكري غربي في النيجر، لأنه "سيُعتبر استعماراً جديداً"، مضيفًا أنه يجب العمل لضمان أن تسود الدبلوماسية في النيجر واستعادة الديمقراطية.

هل هذا يعني أن فرنسا تقترب من التدخل عسكريًا في النيجر؟