مبادلة العملة بين مصر والإمارات.. الديون بالدرهم بدلًا من الدولار

ذات مصر

تتواصل التساؤلات عن أهداف الاتفاق المبرم بين مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، بشأن مبادلة العملات المحلية، الذي يتيح تبادل السلع والبضائع بين أطراف الاتفاق بالعملة المحلية لكلا البلدين، بقيمة ما جرى الاتفاق عليه في إطاره، وهو في هذه الحالة، يبلغ ما قيمته 5 مليارات درهم إماراتي و42 مليار جنيه مصري.

وسيكون المبلغ المحدد هنا وفقًا لسعر الصرف السائد في وقت معين، الأمر الذي يعني ضمان مصر بموجب الاتفاق الأخير، الحصول على 5 مليارات درهم إماراتي، حتى إذا حدث وانخفضت قيمة الجنيه المصري، أمام الدولار مرة أخرى.

تهدف مثل هذه الاتفاقيات عادة إلى تخفيف الطلب على الدولار الأمريكي؛ من خلال تمويل علاقات البلدين التجارية بالعملة المحلية، وكذا إصلاح أي خلل في منظومة أسعار الصرف وتأمين الحصول على ديون خارجية بتكاليف أقل، فضلًا عن رغبة الحكومة المصرية في التحرر من الاضطرار إلى الطلب المتزايد على شراء الدولار، سواء من السوق المحلية، أو عن طريق الاستدانة الخارجية، من خلال السندات أو الديون.

أما الإمارات، فحصلت بموجب ذلك الاتفاق على أموال مصرية بسعر الصرف الحالي، مما يمكنها من الاستثمار بها في السوق المحلية المصرية، ومن الممكن أن تزيد قيمة هذه الأموال، حال عودة الجنيه المصري إلى الارتفاع مقابل الدولار.

لكن أحدًا من الجانبين لم يعلن تفاصيل الاتفاق أو الهدف منه، فيما يرى خبراء أن مثل هذه الاتفاقات تستهدف التحوط من التعرض لمخاطر التقلب في أسعار الصرف، أو المضاربة على العملة، أو لخفض تكلفة الاقتراض بالعملة الأجنبية.

وغداة الاتفاق، باتت السوق السوداء للدولار في مصر في ارتباك، انتظارًا لما يمكن أن يسفر عنه عند التطبيق.

فوائد المبادلة

يرى الخبراء أن اتفاق مصر مع الإمارات لمبادلة الجنيه المصري بالدرهم الإماراتي يمثل موردًا إضافيًا لموارد العملة الصعبة للبلاد، كما أن الاتفاق مع الإمارات ليس محددًا بشيء معين، ما يعني تمكن مصر من الحصول على الدرهم الإماراتي، ويمكنها تحويله إلى الدولار أو أي عملة أخرى، والاستيراد به من هذه الدول التي تدخل في اتفاقيات مع مصر.

كما يرى البعض أن الاتفاق يخفف من الأعباء التي تتحملها مصر، كما أنه يعادل في تأثيره تدفق الأموال الساخنة، مشيرين إلى أن اتفاق مبادلة العملات مصدر تمويل بالعملة الأجنبية، فبالتالي يخفف الضغوط عن مصر مثلما كانت الأموال الساخنة مصدر تمويل في فترات سابقة.

وبحسب الخبراء، فإن هذا الاتفاق سيساعد مصر إلى نهاية العام في سداد مديونيات مستحقة أو استيراد سلع أساسية مثل القمح أو مواد بترولية وغيرها، كما أنه سيخفف ضغوط الطلب على الدولار؛ فأي مورد دولاري في الفترة الحالية، فإنه لا شك يخفف من الضغوط.

في المقابل يرى آخرون أن استفادة مصر من هذا الاتفاق ضئيلة وتكاد تنعدم، لأن عجزًا كبيرًا في الميزان التجاري بين البلدين يحول دون تحقيق مصر الاستفادة الكبيرة من الاتفاق؛ فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والإمارات نحو 4.9 مليار دولار في عام 2022، وتستورد مصر من الإمارات بنحو 2.9 مليار دولار بينما تصدر بـ 1.9 مليار دولار.

ووفق الخبير الاقتصادي، هاني توفيق، فإن صفقات مبادلة العملات المحلية تكون مفيدة مع الدول التي بينها تكافؤ تجاري، أما إذا لم يكن الميزان التجاري متوازنًا أو لم تكن تصدر بالقدر الكافي، فستتحول من مدين بالدولار إلى مدين بالدرهم أو العملة التي تتبادل معها.

علاقة "بريكس"

في شأن منفصل، رأى خبراء أن الاتفاق الأخير، الذي يسمح باستيراد القاهرة للمواد النفطية بالجنيه، ويعزز الاستثمارات الإماراتية في مصر، هو أول ثمار الإعلان في أغسطس الماضي، عن انضمام ست دول جديدة، من بينها مصر والإمارات، لتجمع "بريكس" الاقتصادي، الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وذلك اعتبارا من الأول من يناير المقبل، لافتين إلى ما يسعى إليه التجمع، من اعتماد عملات أخرى في التجارة العالمية، بدلا من الدولار.

وبموجب الاتفاق، سيتسنى للشركات الإماراتية العاملة في مصر، تحويل أرباحها إلي الإمارات، بالجنيه المصري، وكان ذلك أمرا محظورا قبلها، كما تستطيع تلك الشركات تحويل الأرباح أيضًا إلى عملتها الوطنية، بعيدا عن الدولار.

ورغم محدودية حجم المبلغ المنصوص عليه في الاتفاق، بيد أنه يفتح الباب أمام توسيع هذا المفهوم حال نجاح تطبيقه، لتخفيف الطلب على الدولار في السوق المصرية.

اتفاقات مشابهة

مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كان الأكثر نشاطا في هذا الإطار، حيث بدأت بوادر هذه الاتفاقيات في الظهور عام 2008، حين قدّم الفيدرالي الأمريكي 580 مليار دولار للبنوك المركزية في بلدان أخرى، من خلال اتفاقيات مبادلة عملات خلال الأزمة المالية العالمية 2008، وفقا لصندوق النقد الدولي.

وبموجب هذه الاتفاقيات، يمنح الفيدرالي الأمريكي، كمية من الدولارات لهذه الدول، على شكل قروض قصيرة الأجل، مقابل رهن عملاتها المحلية، ما يمكنها من تمويل جميع احتياجاتها، وسد العجز في ميزانياتها، ودفع فوائد القروض المستحقة عليها.

وفي عام 2016، وقعت مصر اتفاقًا مماثلًا مع الصين لمبادلة العملات، بقيمة 18 مليار يوان، أي نحو 2.6 مليار دولار، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.

ونفذت الصين اتفاقيات مبادلة، مع ما يزيد على 30 بنكا مركزيا حول العالم بحلول عام 2022، وذلك لزيادة استخدام اليوان كعملة احتياط عالمية، ولتحفيز التجارة الثنائية، ولم تفصح مصر والصين، عن كيفية تنفيذ الاتفاقية المبرمة في هذا الشأن بين البلدين.