علي الصاوي يكتب: متى يكون الله معنا؟

ذات مصر

اشتدت عليهم المِحنة وبعدت عليهم الشقة وتأخر النصر فذهبوا إلى حكيم القرية يستفتونه فقال لهم: "أنا لا أعلم كثيرا عن سرّ الإله لكنني أعلم الكثير عن بؤس وشقاء الإنسان". لم يجتهد الحكيم فيما لا طاقة له به وعلّق الحكم بحق تصرفات الأقدار وما تفعله بالبشر، لكن في المقابل أشار إلى الإنسان الذي قد يكون هو السبب فيما هو فيه من ضنك وأنه علّة تأخر رفع البلاء وتمكين الأعداء.

صفعات الأقدار رسائل وإشارات قبل أن تكون غضب وعقوبات، ومن يُخرج الأقدار من معادلة أي صراع فقد أخطأ التشخيص وبالتالي سوف يضل طريق العلاج، إن لله مراد وللناس غاية، فمراد الله التمحيص وتمييز الخبيث من الطيب لأن النصر عليه سهل وليس بعزيز، وغاية الناس النصر والتقدم ظنا منهم أنهم يستحقونه كونهم أبناء العقيدة الحقّة والطريق المستقيم، وهؤلاء فاتهم شيء أن القدر لا يحابى الجهلاء والكسالى ولا يعامل الناس بمبدأ العاطفة بل يعاملهم بمبدأ الاستحقاق والأهلية، فمن أخذ بأسباب السعي والقوة انتصر وتمدد، ومن تواكل وارتكن إلى قصص الأولين وردد آيات المرسلين لن يحالفه النصر والتمكين، وإن دعا وسجد ورتل وتبتّل، ففي الحرب العالمية الثانية قالوا لهتلر مع من سيقف القدر: قال: مع صاحب المدفع الأقوى فحقق نصرا كبيرا في أول المعركة، وعندما خار عزمه وضعفت قوته ودارت عليه الدوائر بسبب سوء تقديره، قال: لقد انتقل إله الحرب إلى الضفة الأخرى، هكذا نظر هتلر بمنظور القوة والإعداد والتجهيز الجيد، نظرة مادية بحته قد تكون صائبة لمن جمعهم نفس المنطق في الحروب.

لكن بالنسبة لنا كمسلمين الإعداد الجيد يبدأ من دواخل نفوسنا أولا قبل جيوشنا، يبدأ من تطبيق الآيات بدلا من ترديدها وتعليقها كتمائم تحفظنا من الحسد والسحر، يبدأ من الاشتباكات الصادقة المتجردة مع قضايا الأمة، يبدأ من الانتقال من منطق الكلام والتنظير إلى منطق الحراك والعمل، الإعداد يبدأ من التخلص من الخونة ومن يرون السلطة مأثرة ومنظرة فيسلبون وينهبون ويكنزون، بدلا من القيام بحقها في نصره الأمة والذود عن عرضها وأرضها، فتكبر بالسلطة رذائلهم بدلا من تعزيز فضائلهم.

يكون الله معنا عندما لا تتغير المواقف بتغير المواقع، فإن عارضت مصلحتي قضية عادلة انقلبت عليها وشيطنتها، وإن كانت القضية تجلب علىّ المال والسلطة ناصرتها، يكون الله معنا عندما نعيش لمبدأ شريف وغاية نبيلة، يكون الله معنا عندما نلفظ الغثاء ونقدم الأكفاء، وإلا فكيف يهدى الله قوما تولى أمرهم أضعفهم؟ كيف ينصر الله قوما لا يأخذون لضعيفهم من قويهم حقه؟ كيف يقف الله مع قوم لم يطبقوا العدل فيما بينهم ومع ذلك يطلبونه من غيرهم؟

الإعداد النفسي الجيد هو ركيزة النصر والحلقة المفقودة التي يبحث عنها الجميع بين ركام التنظير والجدل، وما فعلته المقاومة الفلسطينية حتى الآن من تكبيد العدو خسائر فادحة، مرده إلى التجهيز النفسي المستمد من عقيدة وإيمان راسخين وليس من سياسة ومفاوضات ومحاضرات فاترة، والتاريخ يعلمنا أن العقائد الصادقة تهزم أعتى الجيوش وإن اختلت موازين القوى، في النهاية لن يكون الله معنا إلا بقدر ما نكون معه.