علي الصاوي يكتب: بهلولي فؤاد

ذات مصر

كان شارل شابلن فنانا كوميديا لكنه لم يُبع نفسه أو يتراخص في عروضه السينمائية من أجل المال، ورغم تمثيله الصامت إلا أنه كان ينبض بآلالم الناس ويترجم معاناتهم، أضحك شابلن الناس ونقل تراجيديا حياتهم في كوميديا ساخرة وعندما كان يتكلم كانت كلماته لا تخلو من إشارات على موضع الظلم والفساد وما يقترفه الساسة بحق الشعوب، فكان يقول: حياتي من أجل الآخرين، لا أستطيع أن أغيّر هذا، ثم جاءت مدارس جديدة في الكوميديا الاجتماعية والأخلاقية فأضحكت الناس ولم تضحك عليهم، رسالة فنية حمل لواءها فنانون كبار، لم يبتذلوا أو يُهينوا أنفسهم وتاريخ بلادهم الضارب بجذوره في عمق الفن الهادف البناء منذ مئات السنين.

ومع بروز فن المقاولات وسماسرته الخارجيين أصبح كل من يرقص ويهذي بكلمات خارجة عن المألوف بات كوميديا، فخرج علينا بعض الشخصيات التافهة وزعموا أنهم يقدمون فنا، مثل ذاك الذي وقف على مسرح خشبي يبرر إسفافه وسقوطه الأخلاقي بأنه فن ويهجوا غيره لأنه اتخذ موقفا إنسانيا وأخلاقيا بسبب ما يحدث لإخواننا في فلسطين، بكى بكاء التماسيح وليته سكت لكن الله أراد أن يفضح كذبه على الناس وافتراءه على غيره بهدف تجميل قبح فعالهم.

لم أقتنع به يوما كفنان كوميدي ولم أر له سوى مشهدا أو مشهدين فوجدته ثقيل الهضم غير مستساغ الشخصية، وبعد موقفه اللاأخلاقي وتبريره الأشد قبحا صار أشد ثقلا، فقد أهان الفن والكوميديا وتاريخ مصر وهو يظهر كالأجير بلا ضمير يلتمس دعما من جماهير لا تقل عنه سقوطا وبلادة، قدم هذا الشخص صورة سيئة عن مصر التي أنجبت قامات فنية لم تتسافل يوما أو تستجدي أو تبيع نفسها لكفيل من أجل حفنة دولارات

أثبت هذا الشخص أنه غير جدير بلقب فنان، بل لا يليق به غير لقب بهلوان يرقص على حبال الفرص وإن كانت ملوثة بالدماء، مُتخليا عن رسالة الفنان الإنسانية كونه مُعبرا عن واقع أمته وآلام إخوانه، وبدلا من أن يتضامن معهم بموقف شخصي أو عمل فني هادف قد يؤثر في كثير من متابعيه ويحفزهم لنقل معاناة إخوانهم إلى العالم، رأيناه ذهب إلى موسم العار ليقدم فنا هابطا يليق بمن يشاهدونه.

إذا بُليتم فاستتروا، ليتك سكت ولم تصب الزيت على النار حفظا لكرامتك وسنك، والآن استعد لعقاب الجماهير الواعية التي ما زالت فطرتها بخير وتستطيع أن تُفرق بين الغث والسمين في القضايا المصيرية، ولتضع كل فنان في المكان الذي يليق به، وتحية كبيرة للفنان محمد سلام الموهوب الحقيقي، وابن الموقف المشرف، ذاك الذي استبدل الذي هو خير على الذي هو أدنى مهما بلغ ثمنه، فالفنان موقف وكل إنسان يتخذ موقفه من جنس إيمانه بفنه وفهم دور الفن الحقيقي في تغيير المجتمع وتشكيل وجدان الناس وحضهم على الخير والتفاعل مع قضايا أمتهم.