علي الصاوي يكتب: بعد انتهاء القمة.. مَن يأخذ عزاء العرب؟

ذات مصر

عندما تكون أنت الجاني على نفسك فمن يأخذ عزاءك؟ وحين تخذل نفسك وتكون أنت القاتل والمقتول هل ستجد من يبكي عليك بعد موتك؟ وبعد أن تُمعن في إذلال نفسك هل تنتظر من العالم أن يحترمك؟ قديما طرح نزار قباني سؤالا وقال: متى يُعلنون وفاة العرب؟ وأنا أسأل الآن:  مَن يأخذ عزاء العرب؟

كان العربي قديما لا يَبيت على الضيم والهوان حتى يستنفر ويأخذ بثأره ممن ظلمه، وحديثا بات العربي ضعيفا مُهانا، يتعامل مع مَن قتله وظلمه وانتهك عرضه بقول القائل:

يرجون من ظلم أهل الظلم مغفرة..ومن إساءة أهل السوء إحسانا.

عندما زار ولي العهد السعودي سعود بن عبد العزيز القدس عام 1935 التقى بالشاعر عبد الرحيم محمود فوقف أمامه وقال له:

المسجد الأقصى أجئت تزوره.. أم جئت من قبل الضياع تودعه.
وأنا أقول لولي عهد هذا العهد تزامنا مع القمة العربية في المملكة:
هل اجتمعتم لإنقاذ غزة..أم جمعكم عزاءها قبل التهجيرِ؟

صفحات تاريخ منطقتنا المنكوبة متشابهة وإن اختلفت الحوادث وتبدلت الشخصيات لكن تبقى المخرجات واحدة والخيانة واحدة والأمر الواقع سيد الموقف، لتبق قضية فلسطين ضحية أنظمة سياسية هشّة وموقف عربي ضعيف ومتنازع يعجز عن اتخاذ قرار حاسم، ويجعل من قضية عادلة مادة للتناحر وتضارب مصالح بين زعمات عربية مسلمة لا ترى أبعد من تحت قدميها.

من العجب رفض دول عربية مقترحات تأديبية اقترحتها دول أخرى قد تكون مُجدية وفقا للسياقات الحالية لتخفيف العدوان الواقع على غزة ومن بينها السعودية التى تستضيف القمة والإمارات والبحرين والمغرب، فهل الكارثة تتحمل رفاهية الخلاف وتباين وجهات النظر؟ وكيف لدولة ترعى الحرمين الشريفين يكون موقفها ضعيف وجاء في شكل كلمات فاترة ألقاها ولى العهد بلغة ركيكة على عجل، وكأن الأمر مجرد قضاء واجب وتسجيل موقف حفظا لماء وجه المملكة أمام الشعوب العربية والإسلامية، وإلا كنا رأينا رأى عام سعودي يدعم ويساند بدلا من الرقص في موسم الترفيه الذي سلب المملكة احترامها في نظر العالم العربي والإسلامي، كانت المملكة تظن أنها أيام وتحسم إسرائيل المعركة وترفع عنها عبء اتخاذ موقف سياسي لذلك تأخرت وتكاسلت، وبعد مرور أكثر من ثلاثين يوما على القتال تحركت ودعت لقمة عربية إسلامية بعد أن قُتل أكثر من عشرة آلاف فلسطيني، ويبدوا أن هذا الرقم كان مُرضيا بالنسبة لهم ليتحركوا.!

مع كل هذا الخذلان من دول كان العالم الإسلامي يحترمها قبل أن تسقط من نظره، لم يبق سوى مصر وضرورة عودة دورها التاريخي في الدفاع عن القضية الفلسطينية فهى أكثر المتضررين من الأزمة، فغزة هى خط دفاع مصر الأول، وهناك دول نعرفها جميعا تتمنى إغراق مصر في المخطط الصهيوني وإن مولت خطة التهجير كعادتها في تمويل المشاريع التخريبية، لتنهار آخر دولة مركزية قوية في المنطقة بعد سوريا والعراق ويكتمل مثلث الضعف لتقوده إسرائيل نحو تنفيذ دولتها المزعومة بأيادٍ عربية.

نحن نعلم جيدا ومن الوعي بمكان حقيقة ما يُدبر لمصر، لكن كلمة الرئيس السيسي اليوم كانت مختلفة ولهجتها قوية وقد تُترجم إلى واقع عملي إذا اتسع الخرق أكثر من اللازم، قد يكون هناك تجاوزات إسرائيلية بحق مصر ومحاولة جرّها إلى حرب مفتوحة لكنها أكبر من ذلك بكثير، قد تغلبك العواطف ويشتد بك الحماس وتتهم وتشتم وتُشكك لكن قرار الحرب ليس سهلا فالجميع يعلم متى تبدأ الحرب لكن لا أحد يعلم متى تنتهي، لذلك أقول: إن صبر مصر عليهم جميعا هو صبر متربص وقد قال السيسي في كلمته اليوم: "مهما كانت محاولات ضبط النفس فإن طول أمد الاعتداءات، وقسوتها غير المسبوقة كفيلان بتغيير المعادلة وحساباتها بين ليلة وضحاها" كلمات قوية بحاجة لأن تُختبر، فهل نرى تحرك مصري قريبا؟