الدكتور عبد الله الأشعل يكتب: سيناريو اليوم التالي على «طوفان الأقصى»

ذات مصر

في هذه المقالة نحاول استشراف ما بعد إنفاذ الخطة الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة ونحن أمام أحد طريقين: الطريق الأول هو القضاء على المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية وترحيل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، ليقيم الفلسطينيون الوطن البديل وفق الخطة الإسرائيلية، وبذلك تتخلص إسرائيل من المقاومة ومن الخلافات العربية حول العلاقة مع إسرائيل، فتصبح إسرائيل هي مركز التفاعلات في المنطقة وتفتح ذراعيها ليهود العالم، وتفرض السيطرة الكاملة على الدول العربية وأولها مصر والسعودية وفق هذا السيناريو؛ لأن الفلسطينيين الهاربين من القصف الإسرائيلي المكثف عبر معبر رفح إلى سيناء سيتم إيواؤهم في البداية بشكل مؤقت، ثم تصبح إقامتهم أبدية. وقد يقول قائل إن الشعب المصري والرئيس في المقدمة يرفض التوطين ولكني أقول إذا حدث فسوف يكون تطبيقا لنظرية الضرورة التي خلفها لنا طيب الذكر محمد حسنين هيكل، فكل شيء في مصر يخضع لنظرية الضرورة، فالضرورة هي التي أخرجت الملك وهي التي أتت بالضباط الأحرار الذين تجري في عروقهم الوطنية والثورية، وكانوا جميعا يدركون مخاطر المشروع الصهيوني، ولكنهم جاءوا إلى السلطة في مصر بالتفاهم مع الكبار؛ خاصة بريطانيا. 

فبريطانيا هي التي رعت قيام إسرائيل باعتراف رئيس الوزراء البريطاني عندما تحدث بفخر واعتزاز أمام نتانياهو في لندن إحياء للذكرى المئوية الأولى لتصريح بلفور وزير خارجية بريطانيا وذلك في الثاني من نوفمبر 2017 وقال رئيس الوزراء البريطاني يومها أن بريطانيا لعبت الدور الأساسي وربما الوحيد في زرع إسرائيل وتأمينها ولعله يشير إلى مصر لأن الملك فاروق اتخذ موقفا عنيفا من إسرائيل فقدرت بريطانيا وأمريكا أن وجود الملك سيضر ضررا بليغا بالمشروع الصهيوني الذي يشهد نهايته هذه الأيام.

وفي إطار هذه الفرضية فإن الصراع مع إسرائيل بدأ شكلا عربيا علما بأن الرؤساء العرب فرضوا وصاية على الفلسطينيين وتواطؤوا مع إسرائيل واختاروا كراسيهم على أوطانهمفقد كان مقررا أن يرحل الاستعمار البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية وانكمشت بريطانيا العظمى في حدود الجزر البريطانية في أوروبا وهذه الحقائق تفسر عدم الارتياح البريطاني في عضوية الاتحاد الأوروبي ولكن بريطانيا الحالية ستضطر في نهاية المطاف إلى إعادة عضويتها في الاتحاد وطالما رحلت بريطانيا بجنودها من مصر كما رحل الاستعماريون من كل الدول العربية فإنهم حرصوا على إبقاء نفوذهم في هذه البلاد بشكل أو بآخر وطبيعي أن يوجه كل شيء لصالح إسرائيل ويبدو أن خطة بريطانيا كانت مدروسة جيدا بحيث نشأت أجيال قرأت تاريخا كتبه كتاب السلطة في كل العالم العربي.

أما في مصر فإن خضوع مصر للمستعمر منذ العصر الفرعوني زرع جينات القهر عند المصريين ولذلك لم يجدوا فارقا بين الحكم الوطني والحكم الأجنبي فإذا كانوا مقهورين من جانب الأجنبي فالوطني أولي بقهرهم وهذا هو تفسير أقوال هيكل الناطق الرسمي باسم العهد الناصري عندما قال حرية الوطن مقدمة على حرية المواطن أي أن مصر كانت مستقلة في الخارج ومستعبدة في الداخل مع العلم أن العبيد لا يمكن لدولتهم أن تكون مستقلة ولذلك نحن بحاجة إلى مراجعة جذرية للأحداث التي مرت بمصر عبر أكثر من ثلاثة آلاف عام لكى نرى أن جينات معظم المصريين قد دمرت وتلفت وأصبحت أقرب لمقولة مالك بن نبي الفيلسوف الجزائري المعروف القابلية للاستعمار.

يترتب على هذه الفرضية أن فلسطين تصبح الكومنولث اليهودي ليهود العالم مدعومة بكل القوى الغربية لكي تقوم باستعمار الدول العربية وأولها مصر من جديد خاصة وأن اليهود يرددون أن موسى ولد ونشأ وتلقى الرسالة في مصر فهم أولى بمصر من المصريين كما أن جولدا مائير يبدو أن نبوءتها تحققت عندما قالت 1966 أن جيش الدفاع الإسرائيلي سوف يستقبل في الدول العربية بالورود.

أما أثر قيام الكومنولث اليهودي وتوطين الفلسطينيين في سيناء وفى مصر على حساب الولايات المتحدة فإن مستقبل مصر عليه علامات استفهام خاصة بعد جفاف النيل وإنفاذ المشروع الأمريكي بتقسيم مصر وبعض الدول العربية الأخرى وهناك علاقة وثيقة بين جفاف النيل وتقسيم مصر أوضحها جمال حمدان في عمله الموسوعي شخصية مصر عندما قال أن فروع النيل تضمن وحدة مصر وعندما تجف هذه الفروع فإن هذه الوحدة تضيع بالإضافة إلى أن الفلسطينيين المقيمين في سيناء سوف يكونون مصدر توتر بين مصر وإسرائيل الكبرى وفى هذه الحالة سوف ينصب محمد بن سلمان ملكا للسعودية حتى في حياة آبيه وسوف تطلق أيدي السعوديين والإماراتيين بشكل أكبر في مصر وإلا سيطردون المصريين العاملين في بلادهم وبذلك تصبح مصر خارج التاريخ والجغرافيا وذلك بفضل جهود إسرائيل وأمريكا وعدم جدية المصريين في فهم الأمور.

هذه الصورة السوداوية ندعو الله ألا تتحقق ولكن المؤشرات تقود إلى هذه النتائج فإصرار أمريكا وإسرائيل على محو غزة من الوجود واستنباتها في سيناء والقضاء على المقاومة الفلسطينية إصرار مؤكد وفي هذه الحالة لن يصبح للمقاومة اللبنانية ولا القوة الإيرانية ولا سوريا ولا اليمن ولا العراق أي وجود بل يمكن في هذه الحالة أن يتم الاتفاق مع العراق واليمن وطبعا مع السعودية على دفع تعويضات لليهود الذين كانوا يقيمون فيها.

الطريق الثاني أن تنتصر المقاومة ودليل انتصارها الإفلات من التصفية والصمود في مواجهة أعتى الأسلحة التي أتاحتها واشنطن لإسرائيل لتحقيق الحل النهائي للفلسطينيين وفى هذه الحالة سوف يرحل اليهود من إسرائيل إلى الدول التي جاءوا منها وتصبح فلسطين هي مركز التفاعلات العربية والإسلامية أما الحكام العرب فسوف يتم التخلص منهم من جانب الولايات المتحدة لأن هؤلاء لن تعود لهم وظيفة بعد زوال إسرائيل وسوف يتغير وجه العلاقات في المنطقة والعالم وسنشهد عصرا جديدا تماما لا يشبه العصور التي سبقت زرع إسرائيل وأظن أن المسيخ الدجال سوف يظهر وسوف تكون نهاية العالم.

وطبيعي فإن التكهن باحتمال من الاحتمالين أو طريق من الطريقين صعب للغاية لكنه ليس مستحيلا فالحسابات البشرية ترجح الطريق الأول وأما الحسابات الإلهية المعجزة فترجح الطريق الثاني ولن تنتصر المقاومة على كل هذا الحشد من الحكام العرب وغيبوبة الشعوب العربية والإسلامية وتكتل الغرب الصليبي الصهيوني إلا بمعجزة إلهية أسمى من توقعات البشر وقد فصلت الآثار المترتبة على الطريقين الطريق الأول سوف يكون مدمرا لمصر ومنهيا لوجودها على الخريطة وذلك بفضل نجاح إسرائيل واليهود في التخطيط طوال أكثر من سبعة عقود للشئون المصرية في غيبة العقل المصري والوعى الشعبي الذى عملت إسرائيل ألف حساب لتغييبه وهو ظاهر في الوقت الحاضر لكل المراقبين. وبعد ذلك تصح مقولة المصريون لا يستحقون مصر.

وأما الطريق الثاني فهو إعادة ميلاد لمصر وتعويض لها عما عانته بسبب المؤامرة الأمريكية البريطانية الصهيونية وسوف يولد جيل جديد بجينات مختلفة تفارق الماضي الذي ران على مصر آلاف السنيين.