د.عاصم حفني: «تكوين» تثير علامات استفهام كثيرة والتخوف منها طبيعي

ذات مصر

 في حوار لا تنقصه الصراحة، التقت "ذات مصر" بالدكتور عاصم حفني المستشار الأكاديمي وأستاذ الدراسات الإسلامية والعربية المساعد بجامعة ماربورج الألمانية والأستاذ السابق بجامعة الأزهر للحديث حول قضية التنوير والتجديد التي تتم إثارتها من حين لأخر، ورؤيته لمؤسسة تكوين وسر توقيت تدشينها والهدف من وراءها والجدل الذي أثارته في أوساط العامة والمثقفين.

وأكد د. عاصم أن لديه معرفة شخصية ببعض القائمين أو العاملين داخل المؤسسة ولكن ليس في الصف الأول أو مجلس الأمناء، وهذه المعرفة تجعلني أثق في الرغبة المعرفية والعلمية لدى هؤلاء الأشخاص، كما إنني طالعت البيان التأسيسي لمؤسسة تكوين وصفحاتها على السوشيال ميديا وكيف تعرف نفسها من أجل بناء تصورات مبدئية عن المؤسسة.

وأشار إلى أنه وفقا لما تقوله المؤسسة عن نفسها عبر موقعها على الإنترنت فهي تريد خلق بيئة حوارية ونشر فكر التسامح وهذه أمور مقبولة، لافتا إلى أن مبدا التجديد أو التنوير الذي ربطه البعض بتكوين في حد ذاته مبدأ ممتاز، ولكن المبادئ التي نريد الوصول إليها هي فكرة استنارة العقلية العربية الإسلامية والقدرة على إدارة الشأن الخاص والعام والمشاركة في صنع القرار والمشاركة الاجتماعية والسياسية بهدف الوصول إلى دولة قانون حقيقية.

 وشدد على أن الاستنارة بهذا المعنى هدف، وكل مؤسسة تضع هذا الهدف نصب عينيها مرحب بها في ظل عدم وجود عدد كاف من المؤسسات التنويرية، فالأمر لا يتعلق بالاسم قدر ارتباطه بالفعل والمضمون والأهداف التي يمكن تحقيقها، خاصة أن المؤسسات الموازية أو الأفراد المناهضين للتنوير كأصحاب الفكر السلفي المتشدد على سبيل المثال أعدادهم كبيرة ويحظون بوجود إعلامي واسع وبالتالي فإن وجود مؤسسة تطرح أفكار وتحرك المياه الراكدة وتدعو لإعمال العقل أمر محمود ولا ضرر فيه.

جدلية التمويل 

وحول وجود جهات داعمة لمؤسسة تكوين، أكد المفكر الإسلامي أنه ليس لديه معلومات في هذا الخصوص ولكن واضح أن هناك جهات داعمة كبيرة خاصة في ظل ما رأيناه من حفل تدشين كبير وكيان وهيكل عام للمؤسسة، معتبرا أن وجود تمويل أمرا بديهيا وليس بجديد على الكيانات خاصة أن المؤسسات والكيانات السلفية يوجد لها تمويل حتى مؤسسه الأزهر وكل من يعمل بها يأخذ أجر من المؤسسة، فلا يوجد شخص يدلي برأيه في وسائل الإعلام ولا يكون وراءه تمويل يتعايش منه أو يخدم أفكاره.

ويرى أن البحث عن مصدر التمويل مهمة الجهات الأمنية التي تستطيع أن تصل إلى مصادر ومعلومات لا نستطيع أن نصل إليها وإن رأت الجهات المعنية بالأمر أن هناك نوايا سيئة أو أغراض ضد السلم المجتمعي فستقوم بدورها فهذه مهمتها وليس لنا دخل بها نحن معشر الباحثين.

وحول رؤية البعض أن تكوين وما تثيره من قضايا محاولة لإلهاء الشعب المصري في قضايا فرعية بعيدا عن الأزمات السياسية والاقتصادية بالبلاد، استبعد الأكاديمي السابق بجامعة الأزهر هذه الرؤية التي يراها غير منطقية إلى حد كبير، خاصة أنه محاولات تأسيس تكوين ترجع إلى فترة طويلة كما يقول فضلا إن المشاكل السياسية والاقتصادية ليست وليدة اليوم بل من فترة طويلة وبالتالي يصعب القبول بهذه الرؤية.

ويشير إلى أن ما يمكن أن نلوم عليه مجلس أمناء تكوين هو أن الوقت الحالي ربما ليس ملائما لطرح مثل هذه الأفكار الحادة خاصة بما في ظل طريقة العرض وأسلوب الظهور الإعلامي التي يعتمدون عليها والتي تسببت في حدوث صدمة نظرا لتزامنها من الاهتمام الشعبي بما يحدث من تطورات في القضية الفلسطينية والجرائم الإسرائيلية في غزة، معتبرا أن اللوم على المؤسسة في توقيت الظهور.

هل تتبنى تكوين أفكار الاحتلال الإٍسرائيلي 

وبسؤاله حول ما يشاع أن المؤسسة تتبني أفكار يتم ترويجها من جانب الاحتلال الإسرائيلي، يري أن الحديث عن ذلك ربما المقصود به ما ورد على لسان يوسف زيدان منذ سنوات حول موقع بيت المقدس مشيرا إلى أن هذه أراء فردية ليوسف زيدان وإذا تبنت المؤسسة هذه الأفكار يمكن أن يكون السؤال منطقيا خاصة إن يوسف زيدان ذكر إن هناك تصورات وأفكار فردية لأعضاء مجلس الأمناء وهناك أفكار جامعة للمؤسسة.

وشدد الأكاديمي المصري على أن كل فرد من مجلس أمناء تكوين على حدة له إنتاج فكري خاضع للنقد ولا أتفق مع كثير منه ولكن هذا لا يمنع أن لبعضهم أنتاج معتبر حتى يوسف زيدان رغم بعض شطحاته لكنه له باع في المجال الأدبي والصوفي ولكن هناك علامات كثيرة على طريقه العرض وتقديس الأنا وادعاء المعرفة المطلقة وعدم قبول الراي الأخر هذه أمور صعبة حتى في فكرة موقع المسجد الأقصى حتى وإن كان هناك مؤشرات أنه ليس في مكانه الحالي ولكن هناك دلائل أخري تؤكد على أنه في مكانه الحالي، مشيرا إلي أن أسس البحث العلمي والمعرفة تقوم على عرض الرؤي المختلفة وترجيح الآراء عبر المؤشرات والأدلة ولكن تبني رأي واحد دون دليل قاطع فهذا أمر بعيد عن فكرة العلم والتنوير الذي يقوم بالانفتاح على كل الآراء وعدم ربط العقل في اتجاه أو مسار واحد.

ويعتقد د. حفني أنه على المستوي الفردي يمكن أن نضع علامات استفهام كثيرة على أعضاء المؤسسة، على سبيل المثال إسلام البحيري رغم أن بعض الأفكار التي يطرحها لا تخلو من الصحة ولكن طريقة العرض مثل سب الأفكار المخالفة وما يشاع عن إنكاره للسنة هذه أمور مرفوضة ولكن إثارة التفكير حول أمور معينة أمر محمود، كما إن إبراهيم عيسى رغم الاتفاق معه في بعض الرؤى ولكنه أحيانا يعرض أمور تتعلق بالغيبيات لا يفيد تصديقها أو إنكارها مثل المعراج وإن كان تراجع عما فهم أنه ينكره.

كيان تنويري أم سياسي؟

واعتبر الأستاذ بجامعة ماربورج الألمانية أنه عندما تكون الواجهة لمؤسسة تنويرية من هذه الأسماء فمن الطبيعي أن تثار الأسئلة حول من يقف وراء هذه المؤسسة ولماذا بالتحديد هؤلاء الأشخاص خاصة أن جميعها عليها علامات استفهام أو بمعني أدق لا تحظي بقبول مجتمعي بصفة عامة بين عموم المصريين والعالم العربي وإن كانت تلقي قبولا في أوساط المثقفين ولكن التنوير بشكل عام يستهدف تنوير العامة ولا يمكن أن تخاطب الشعب بما لا يفهمه أو تتعالي عليه أو يكون القائم على ذلك شخص غير مقبول شعبيا، كما إن بعض الأسماء المتواجدة في تكوين توحي أنها تريد أن تفكر بالنيابة عن الأخرين وهو أمر يناقض فكرة التنوير نفسها التي تعتمد على إثارة حاسة العقل والتساؤلات في نفوس عامة الناس ليقوم كل فرد بالتفكير والبحث بنفسه وليس عبر المثقف.

وبسؤاله هل تكوين مؤسسة مصنوعة لأهداف سياسية أم بالفعل كيان تنويري مستقل، يري المفكر الإسلامي أن الإجابة على هذا السؤال أمر مبكر، لافتا في الوقت نفسه إلى أنه لا توجد أي مؤسسة لها علاقة بالفكر دون أن يكون لها أهداف سياسية ولا يمكن فصل أي أمور تتعلق بمحاولة إحداث تغيير فكري المجتمع دون هدف سياسي لأنه عندما تغير فكر المجتمع نحو اتجاه معين سيتغير شكل الدولة باتجاه معين وأي ممول لفكرة ما يريد أن يصل بمُتلقي هذه الفكرة بعد زمن ما إلى الوضع الذي يريده، وتغيير أي مجتمع لأي اتجاه سيغير الشكل السياسي للمجتمع في الاتجاه المستهدف.

 كما أكد أنه من المبكر الحكم على تكوين هل هي مؤسسة تنويرية بحتة، من حيث التعريف لنفسها والفيديوهات المنشورة عبر منصاتها تطرح أسئلة تدعو للتفكير وهذا امر جيد ولكن طريقه الظهور في الإعلان عن بدء المؤسسة لم تكن جيدة بدليل ما حدث من يوسف زيدان وفراس السواح والحديث أنهما أفضل من طه حسين هذا أمر بعيد جدا عن فكرة التنوير بل أقرب لتعظيم الذات وتضخيم الأنا دون سبب واقعي حقيقي.

وشد على أنه من المبكر الحكم على تكوين كمؤسسة تنويرية كما تصف نفسها دون أن نري لها فكرا مكتوبا أو حتى مسموعا ذو قيمة وثقل ثقافي ومعرفي وقتها يمكن تقييم أفكار المؤسسة وما تقدمه ودون ذلك لا قيمة لأي حديث.

الاصطدام مع المجتمع

وبسؤاله: كيف تنظر لما يطرحه يوسف وإبراهيم عيسى والبحيري من أفكار تجاه التاريخ الإسلامي وطريقتهم في الحديث عن "الموروث الديني" بما يمثله من قدسية في نفوس عموم المسلمين؟

اعتبر أن هذا السؤال الأهم في القضية، فطريقة العرض لكل قيادات مؤسسة تكوين تعتبر شائكة ولا تلقى قبول وسط العوام وخاصة في مصر التي اعتادت على الخطاب السلفي البسيط الذي يدغدغ المشاعر.

ويري أن فكرة العلاج بالصدمة التي يلجأ لها قيادات تكوين غير مفيدة أو محببة لدى في قطاعات كثيرة من المستقبلين ربما نحتاج إلى عقلية تخاطبهم بلغة قريبة منهم بنفس الأسلوب الذي يستخدمه التيار السلفي أو الرجعي.

ويشير إلى أن هناك تفاوت في القبول الشعبي بين أعضاء تكوين ربما أقلهم قبولا هو إسلام بحيري لأسباب كثيرة لان طريقة العرض والظهور لا توحي بالمعرفة وأسلوبه لا يجعله الشخصية التي تجعل العوام يستمعون لها أو يثقون في أفكارها حتى لو كان بعض ما يقوله صحيحا.

أما يوسف زيدان فله طريقة أكثر علمية قياسا بالبحيري ولكن أيضا أسلوبه فيها نوع من تعظيم الأنا على حساب المعرفة حيث يضخم الذات على حساب المضمون وهو أمر لا يتفق أيضا مع نقل المعرفة ولكن له جهود معتبره طبعا.

ويعتقد أن إبراهيم عيسى ربما يكون أكثر قيادات تكوين في استخدام لغة سهلة يمكن تصل للناس ولكنه أحيانا يتأثر بعدم قبول بعض الأفكار أو يريد الاستعجال في وصول الأفكار فيستخدم لغة تنفيرية ولكن له جهود أيضا معتبرة لا يمكن إنكارها.

أسس الخطاب التنويري

وأكد المفكر الإسلامي على أن الأمور التي تتعلق بالعقيدة أو الشريعة تحتاج إلى خطاب تنويري يبدأ من الصفر لمعالجة الأفكار التي تكرست في عقلية المتلقي وتحديد ما يمكن خلخلته منها لافتا إلى أن هناك ثوابت عقدية لا يجب خلخلتها ولا حاجة لفعل ذلك وليس من المفيد خلخلتها لأن الأمور العقائدية الغيبية لا تضير أحد وهي مطلوبة وأي دولة تؤمن بالحريات عليها أن تحمي العقائد ليس فقط تقبل بوجودها وهذه الأمور مطلوبة وخاصه جانب العقائدي الروحي مطلوب لصحة المجتمع وصحه الدولة طالما أن الدولة أو المجتمع يدينون بدين ما.

ويرى أن الخطاب الذي يريد أن يغير أفكارا موروثة لا تتفق مع المنطق والعقل يحتاج إلى طريقه سلسة مرنة تحترم الآخر تراعي كيف نشا وتربى، وتراعي الجانب الاقتصادي والسياسي وجانب التعليم غير المستنير، والعقلية تكونت هكذا عبر النظام الأسري والأبوي عبر الشارع والمدرسة التي لا تعلم ولكن تلقن وتحفظ، مشيرا إلى أن هذه الأمور كلها كونت عقلية لا يمكن أن تتغير بالسب والشتم واللعن والتحقير كما يفعل مؤسسي تكوين، مشيرا إلى أنه إن كان يتفق مع بعض مضامين ما يرد عن هذه الشخصيات لكنه يرفض طرق عرض هذه المضامين.

ويعتقد د. حفني أن تجميع ووجود كل هذه الشخصيات بما لها من خلفيات وسوابق في طرح أفكارها التي لا تلقي قبولا في كيان واحد يطرح علامات استفهام حول الهدف من ذلك، لافتا إلى أنه إذا أغفلنا نظرية المؤامرة فيمكننا القول إنه لم يكن هناك حنكة أو ذكاء معرفي في تجميع كل الشخصيات التي لا تجد قبولا مجتمعيا، معتبرا أن الشكوك والتوجس من المؤسسة بسبب خلفيات هذه الشخصيات واجتماعها في كيان واحد تعتبر منطقية حتى لو لم تكن المخاوف حقيقية. 

رسالة إلى تكوين

وحول الرسالة التي يوجهها إلى مجلس أمناء مؤسسة تكوين قال الدكتور عاصم حفني أمنيتي أن تصبح تكوين مؤسسه تنويرية تنطلق من واقع الأمور وتنظر بواقعية للأمور وتحدد طرق واقعية للوصول للأهداف وتسال نفسها ما هي المشاكل وما هي الحلول الواقعية وأن تفرق بين المأمول والممكن، فالمأمول قد يكون بعيدا المنال ولكن العمل على الممكن يمكن أن يصل بنا إلى المأمول.

 أتمنى أن تنطلق من الواقع وتمثل مشاكل الحقيقية وتدرك جميع الأسباب التي أدت لحاله التراجع التي نحن فيها فليست الأسباب الدينية فقط والعمل على الحلول يحتاج إلى تكاتف جميع وإخلاص النية في وضع حلول منطقيه حقيقية قابله للتطبيق من أجل الوصول إلى الوصول إلى مستوى أفضل للعقلية العربية والإسلامية.