هلال عبدالحميد يكتب: الثانوية العامة ومحنة المعلمين

ذات مصر

يعتقد معظم الناس أن امتحانات الثانوية العامة محنة للطلبة وأولياء أمورهم فقط! ولكن المحنة الأعظم والأقسى للمعلمين، فتكليفات المعلمين لامتحانات الثانوية العامة تمثل محنة سنوية يعيشها المعلمون وأسرهم. المعلمون لا يذهبون للإشراف على اختبارات الطلاب بالثانوية العامة، بل يذهبون لمعركة قاسية لا قواعد لها ولا يمتلكون أية أسلحة فيها، بينما يمتلك بعض الطلاب في لجان بعينها كافة أنواع الحماية لكل أنواع الغش، والذي يحاسب عليه المعلم المغلوب على أمره بالخصم والعقاب والتأديب.

كأمثلة:

في محافظة أسيوط مثلًا ولسنوات طويلة يتم انتداب معلمين إدارة ساحل سليم التعليمية للإشراف على امتحانات الثانوية العامة بدار السلام بسوهاج ( وما أدراك ما دار السلام)!

١-المسافة من ساحل سليم لدار السلام تزيد عن (٢٣٨كم) عبر طريق الصعيد /البحر الأحمر وتستغرق ( ٣ ساعات )

٢-يتجمع المعلمون والمعلمات ويستأجرون سيارة ميكروباص لتذهب بهم للجنة والعودة، ويتكلف كل معلم (١٢٠) جنيهًا للمرة الواحدة، بينما تصرف وزارة التربية والتعليم بدل انتقال بواقع (٥٠) جنيهًا لكبير المعلمين، وبالطبع أقل جدًا للمعلم المساعد والمعلم والمعلم الخبير.

٣-إذا فكر المعلمون في المبيت بالاستراحات التي تعدها الوزارة، فهم أشبه باللاجئين أسِرَّة - إن وجدت - متهالكة لا تزيد عن الواح قديمة قام نجار بتدبيسها حتى تبدو كأسِرَّة، أما المراتب فهلاهيل لا تليق، وطبعًا المعلمات المنتدبات قسرًا للملاحظة لا يستطعن المبيت في هذه الأجواء فيضطررن لتدبير وسائل مواصلات بأجور عالية ومكلفة.

٤- إدارة لجنة الثانوية العامة بأسيوط مثلًا ترفض إعفاء الملاحظين والملاحظات.

٥-يذهب المعلمون للجان الخاصة بأبناء الأكابر فلا يجدون من يدافع عنهم، فمن ذا الذي سيدافع عنهم والطلاب أبناء الأكابر يأتون لهذه اللجان الخاصة من كل أنحاء الجمهورية ( لم يستطيع الوزيرالعام الماضيالغاء هذه اللجان وتوزيع طلابها على لجان مجاورة) .

٦- ما الذي يمنع الوزارة من الاستعانة بملاحظين من نفس المركز أو من المراكز المجاورة، فالمشكلة ليست في الملاحظين مطلقًا، وإنما في الأجواء المحيطة، وطالما النتيجة واحدة : الامتحانات تُسرب، والغش الجماعي يُفرض فرضًا، ولا يستطيع كائن من كان منعه، ولا تجد الوزارة من تحاسبه في كل الأحوال إلا المعلم الغلبان

النقابة

منذ ٢٠١١ ونقابة المعلمين فرض عليها الحراسة، وقام من يديرون البلاد والعباد بتعيين مجلس نقابة، لا علاقة له بالمعلمين، فواجه المعلمون كل أنواع المصائب، بينما يستمتع مجلس النقابة المعين بمليارات المعلمين ويستمتع بمصايف النقابة وفنادقها، بينما يترك المعلمون على المعاش بدون أي معاش نقابة سوى ١١٠ جنيها تصرف كل ٣ أشهر.

لقد أصبحت القاعدة في امتحانات مصر هي ( الغش)، فهل هناك مخرج من هذا البؤس الذي تعيشه مصر ويدمر مستقبل أولادنا ؟!

الحل في وزير سياسي لديه رؤية وبرنامج، ويمتلك القرار والمخصصات المالية الدستورية، التي لو خصصت فعلًا لتقييم إصلاح التعليم، والذي لن يتم إصلاح حال البلاد إلا به.

فمهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا -وكان وزيرًا للتعليم -تمكن من خلال الاهتمام بالتعليم - كان يخصص ربع الموازنة العامة للدولةً للتعليم، تمكن بخطة محكمة بجعل ماليزيا نمرًا آسيويا في سنوات قليلة بعد أن كانت بلدًا مدينًا متعثرًا يؤمن أهله- المسلمون بالخرافات – اعطى مهاتير محمد للمعلم راتبًا يفوق معظم الموظفين بماليزيا، واهتم بالتعليم التقني، وجعل التعليم الزاميًا، فمّكن لبلاده ولمواطنيه من تبوء مكانة عالية بين الأمم.

لقد كانت الثانوية العامة مثالًا على تكافؤ الفرص بمصر، ولكنها الآن بفعل الغش تم إهدار مكانتها، وللأسف فلو تحولنا لنظام المقابلات بدلًا من المجموع فستتحول جامعاتنا كالكليات العسكرية التي تعتمد على الاختبارات ومقابلات كشف الهيئة، وستضيع آخر فرصة لتكافؤ الفرص 
نحن بحاجة ماسة لإصلاح حال التعليم، والذي لن ينصلح إلا بإصلاح حال المعلم.