القرامطة.. حكاية حركة شيعية استباحت قتل 30 ألف حاج داخل الكعبة

ذات مصر

أثار ارتفاع عدد الوفيات في صفوف الحجاج هذا العام حالة من الغضب في الكثير من الدول العربية والإسلامية خاصة مصر التي كان لمواطنيها النصيب الأكبر من الضحايا.

وبحسب وزارة الحج السعودية فقد شهد موسم الحج هذا العام وفاة أكثر من 1300 حالة بينهم عدد من كبار السن ومصابي الأمراض المزمنة معظمهم لقى حتفه بسبب المشي لمسافات طويلة تحت أشعة الشمس، بلا مأوى ولا راحة.

وليست هذه أول مرة تشهد مناسك الحج هذا العدد من الضحايا فهناك الكثير من الحوادث التي شهدها موسم الحج خلال السنوات الأخيرة.

وبالعودة بالذاكرة أكثر وأكثر ربما نسترجع أحد أكثر الحوادث التي راح ضحيتها عشرات الآف من الحجاج وليس بضعة مئات، كما إن تلك الحادثة كانت عبارة عن هجوم مسلح واستهداف متعمد للحجيج ولبيت الله الحرام.

نتحدث هنا عن واقعة تاريخية شهدها عام 314هجرية عندما قامت جماعة القرامطة بالهجوم على المسجد الحرام، وراحوا يقتلون الناس داخل الحرم وفي طرقات وشوارع مكة المشرفة حتى امتلأ البلد الحرام بالجثث.

فمن هم القرامطة وما حكايتهم وتاريخهم وكيف استباحوا بيت الله الحرام وقتلوا الحجيج وأين كانت جيوش المسلمين عندما هاجموا مكة المكرمة ؟

بداية الحكاية

بعد وفاة الإمام جعفر الصادق، الإمام السادس للشيعة، حدث انشقاق في الصف الشيعي، فمنهم من اعتبر إسماعيل بن جعفر هو الإمام السابع وعُرفوا فيما بعد بالإسماعيلية.

ومنهم من اعتبر موسى بن جعفر الإمام السابع، وهم يمثلون الأغلبية الساحقة للشيعة اليوم، ويسمون "الإثني عشرية".

بايع الإسماعيليون محمد بن إسماعيل إماماً لهم، ونتيجة لملاحقة الدولة العباسية له اضطر إلى الخروج من الحجاز واختفى، لتبدأ حملة سرية وواسعة لنشر العقيدة الإسماعيلية.

ومع ذلك بقيت الدعوة تجري باسم محمد بن إسماعيل الغائب، الذي قيل إنه هو "المهدي المنتظر".

حمدان قرمط

في العراق، كان قائد الدعوة الإسماعيلية في العراق يدعى حمدان بن الأشعث ويلقب  بـ "قرمط"  لقصر قامته وساقيه، وكان ذو تأثير تمكن من تحقيق نجاح كبير واجتذاب الكثيرين إلى الدعوة الإسماعيلية في العراق، والتي توسعت فيما بعد لتشمل اليمن والمغرب ووسط وشمال فارس.

كان عام 899م، نقطة تحول في تاريخ دعوة الإسماعيلية بعدما أعلن عبيدالله المهدي الخليفة الفاطمي فيما بعد- أنه إمام وأنه من سلالة محمد بن إسماعيل، وأمر جميع الدعاة في مختلف الأمصار بإعلان أنه الإمام الحادي عشر للمسلمين ونشر الدعوة باسمه بدلاً من مهدية محمد بن إسماعيل، وهو الأمر الذي رفضه الإسماعيلية في العراق والبحرين وخراسان وعلى رأسهم حمدان قرمط.

 قاد حمدان قرمط الإسماعيلية بالبلدان الثلاثة لرفض مبايعة عبيد الله الفاطمي وتمسك بمهدية محمد بن إسماعيل.

معتقدات القرامطة

عُرف أتباع حمدان قرمط من إسماعيلية العراق والبحرين وخراسان بالقرامطة، حيث برزوا كحركة دينية وصفها عديد من المؤرخين بأنهم ملة كفرٍ، ظاهرها التشيع وحب أل البيت فقد راحوا يبتدعون شرائع خاصة بهم مثل أن الخمر حلال وأن لا صوم في السَّنة سوى يوم النيروز وأن الحج والقِبلة إلى بيت المقدس، وأن لا غسل من جنابة.

كما كانوا يعتقدون بإبطال القول بالميعاد والعقاب، وأن الجنة هي النعيم في الدنيا، والعذاب هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد.

ومن تأويلاتهم أن الصيام هو الإمساك عن كشف السر، والبعث هو الاهتداء إلى مذهبهم، والنبي هو عبارة عن شخص فاضت عليه من الإله الأول قوة قدسية صافية، والقرآن هو تعبير محمد عن المعارف التي فاضت عليه.

 معقل القرامطة الأول

قرر حمدان القرمطي بناء مركز لدعوته قرب مدينة الكوفة، التي كانت المعقل الأهم والأكبر للحركات الشيعية منذ أيام الدولة الأموية حتى ذلك الحين، وسمّاه "دار الهجرة".

واعتمدت الحركة القرمطية المنظَّمة على عنصر المال في تقوية مركزها، حيث فرض حمدان القرمطي على أتباعه ضرائب ثابتة، استطاع من خلالها تجنيد وجلب مزيد من الأتباع والمؤمنين بأفكاره.

وقد استغل القرامطة ثورة الزنج التي قامت في العراق واستمرت 15 عاماً متصلة، فوسّعوا فيها دائرة دعوتهم، واستقطبوا الآلاف إلى أفكارهم، ولم يلقِ الخليفة العباسي في بغداد بالاً للتحذيرات من خطورة هذه الدعوة، التي كانت تتخذ منحى أشد تطرفاً وتُحدث ديناً غير الإسلام.

فقد كان الخليفة العباسي، المعتمد على الله بن المتوكل، منغمساً في اللهو والملذات، ومن حوله حاشيته يخططون ويتآمرون للاستيلاء على السُّلطة.

الله يكره العرب

اعتمد القرامطة على النزعة القومية في نشر دعوتهم وخاصة في بلاد فارس، حيث اعتمد أبو سعيد الجنابي أحد مساعدي حمدان قرمط على نشر الدعوة بالزعم أن الناس أن الله يكره العرب لأنهم قتلوا الحسين وهو ما لقى رواجا كبيرا وساعد في انتشار دعوة القرامطة بالعراق وفارس بشكل كبير.

كما بدأ القرامطة في التوسع في منطقة البحرين التي كانت تمثل شرق الجزيرة العربية كلها من جنوب البصرة حتى عُمان ونجحوا فى بسط سيطرتهم على المنطقة في زمن قياسي، كما سيطروا على القطيف، ولجأوا للقوة المسلحة لإجبار القرى على الانضمام إلى دعوتهم.

وعقب تمادي نفوذهم وتوسع دولتهم، أدرك العباسيون ضرورة ردع القرمطيين بالقوة، فأرسل الخليفة المعتضد بالله جيشاً لمواجهتهم، تعرض لهزيمة فادحة وقتل معظم جنوده وأسر قائدهم، وتوالت المواجهات بين القوات العباسية والقرامطة، إلا أن العباسيين هُزموا في أكثر من موقعة، ولم يتمكنوا من كسر شوكة القرامطة.

ذروة نفوذ القرامطة

بعد وفاة أبيه، تولى أبو طاهر بن أبي سعيد الجنابي الإمامة وفي عهده تعاظم نفوذ القرامطة وبدؤوا بالتمادي والاعتداء على قوافل الحجاج والمعتمرين بدأت بخروج 1800 فارس قرمطي من البحرين، متعرضين لأكبر قافلة للمعتمرين حينها، كانت تضم آلافاً من الرجال والنساء والبضائع، وقد ذبح القرامطة آنذاك نحو 2200 رجل و500 امرأة، وأخذوا الآخرين أسرى، فضلاً عن الغنائم التي غنموها في ظل وقوف الدولة العباسية عاجزة عن مواجهتهم أو إيقافهم.

وبعد هذه الواقعة، أرسل أبو طاهر الجنابي القرمطي رسالة إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله، يشترط عليه أن تتنازل الخلافة العباسية للقرامطة عن البصرة والأهواز في مقابل كف أيديهم عن الرعايا المسلمين السُّنة، وعن طرقهم ودمائهم وأموالهم إلا أن الخليفة لم يردَ على رسالة القرمطي، الذي أخذ نفوذه بالازدياد.

الهجوم على مكة

استمر هجوم القرامطة على أطراف مكة، والحجاج القادمين من العراق والشام وغيرها، وهو الأمر الذي أثّر بالسلب في أعداد الحجاج، التي راحت تقل عاماً بعد آخر خشية على أنفسهم وأموالهم.

وفي العام 317هـ، أفتى كثير من العلماء ببطلان الحج؛ حماية للأنفس والأعراض، حتى جاءت الطامة الكبرى في العام نفسه، فقرر أبو طاهر القرمطي عدم الاكتفاء بقطع طريق الحجاج، إنما مهاجمة مكة ذاتها.

وعندما خرج والي مكة، ابن محلب، مع عدد من أعيانها للقاء القرمطي وجيشه، والطلب منهم الابتعاد عن المدينة المقدسة، عاجلهم جنود القرمطي بالسيف فقتلهم جميعاً، ثم اتجه إلى المسجد الحرام فدخله بعساكره، وراحوا يقتلون الناس داخل الحرم وفي طرقات وشوارع مكة المشرفة حتى امتلأ البلد الحرام بالجثث وذكر البعض أنه سقط 30 ألفا من المسلمين في هذا الهجوم، ولم يكتفِ القرمطي بهذا، بل نزع عن الكعبة ستارها وقلع بابها وأخذه، واقتلع الحجر الأسود وأخذه معه أيضاً.

نهاية القرامطة

بعد هجومهم على مكة، وعلى مدار عشرين سنة، احتفظ القرامطة بالحجر الأسود، كما ضموا إليهم بلاد عُمان، وهاجموا الكوفة والبصرة مراراً دون مقاومة من العباسيين الذي لم يقوموا بأى فعل أمام جرائم القرمطيين، وقرروا عقد الصلح معهم مقابل دفع فدية سنوية هائلة تُقدَّر بـ 120 ألف دينار ذهبي.

وفي العام 337هـ وبعد وساطة شاقة، ودفع أموال هائلة، تسلَّم العباسيون الحجر الأسود وأرجعوه إلى مكانه مرة أخرى.

في نهاية المطاف سقط القرامطة؛ من جراء انكماشهم الداخلي بعد إسناد إمارة البحرين إلى شاب رأى الجنابي أنه المهدي المنتظر.

فقام ذاك المهدي المزعوم بإعدام عديد من أعيان الدولة، التي شارفت الانهيار ودخلت في حرب مع الفاطميين، دفعت بعديد من القرامطة إلى الارتحال إلى إيران.

وفي عام 1073، استطاع العوينيون وبعض القبائل العربية الموالية للعباسيين والسلاجقة هزيمة القرامطة ودحرهم عن إقليم الأحساء والبحرين، بعد ما يقرب من قرنين، استباح فيهما القرامطة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.