هشام الحمامي يكتب: بعد 9 شهور.. أمريكا وأخطر (خطرين)

ذات مصر

من عدة أيام قال(لابيد) زعيم المعارضة الإسرائيلية: أننا غير معتادين على الحروب الطويلة، ويجب إنهاء هذه الحرب وعقد اتفاق مع حماس فورا ..الرجل يتحدث بمسؤولية وقلق وينبه الى نظرية (الحروب السريعة) التي وضعها مؤسس الدولة (بن جوريون) باعتبار أنها ركيزة (الأمن الشامل) للدولة الإسرائيلية، في المثلث الشهير(الردع/ المعلومات المبكرة/ الضرب القاسى الخاطف)، في الحرب الحالية تغيرت تلك الاستراتيجية 180 درجة، ولأول مرة في تاريخها تخوض إسرائيل حربا طويلة.

هذه (المخاطرة) الخطيرة، كانت في مقابل (أمر أخطر) وعلى درجة أكبر من الخطورة الاستراتيجية والحضارية للغرب كله، وهو (انتصار حماس)، المخاطرة الخطيرة /والأمر الأخطر، تم وضعهما على طاولة التفكير الغربي، وتم النظر فيهما بإمعان شديد، وبقلق ملىء بالخوف.. وتم استدعاء كل المعنيين بالأمرين!!     

 في الاتحاد(الأورو/أمريكي) من جانب، وأطراف النظام العربى الرسمي من جانب، وهى الأنظمة الراسخة في الحكم بأشكال متنوعة من بداية الخمسينيات ..رغم هشاشتها.      

 لأن ما يمكن أن يغيرها،هو في الحقيقة أكثر منها هشاشة.. لماذا؟ لأنه بعيد عن سنن التاريخ والكون، في معايير التغيير وأسبابه التي قضى الله أن تكون.. فكانت.            وليس هذا موضوعنا على أي حال .

***                                                                                                        

الحاصل .. أننا أمام مفصل تاريخي شديد الأهمية وشديد الخطورة ..ويحتاج منا إلى (فهم)..ودون الدخول في  المعاني الروحية والعقلية لكلمة(الفهم) .. سيكون علينا فقط أن نفهم ..بأى درجة وأى نوع من أنواع الفهم . 

أصحاب النزوع الروحي في معرفة (الفهم) سيحضرون معنا بقوة.. وأصحاب النزوع العقلي في إدراك (الفهم) أيضا سيحضرون معنا بقوة .. 

وكما يقولون الناس في الطريق إلى الله رجلان: (واصل) و(دارج) .

ويشرحون ذلك بقولهم أن: الواصل هو(الطائر)بأجنحة القلب والمعرفة.. والدارج هو(السائر)بالدليل والإدراك ويقولون في ذلك جملة رائعة: إذا كان للرأس عينان فللقلب عيون .. لكن الغاية واحدة .. 

وتذكرون حديث الرسول للصحابيين الذين اختلفا في موضوع فاحتكما للرسول صلى الله عليه وسلم فقال لأحدهما: أصبت السنة، وقال للأخر: لك أجران .. 

المهم أن الاثنين كان يطلبان غاية واحدة .. والمهم أن تكون صادقا مخلصا شفيفا تقيا نقيا، ليس لك أجندة معلنة، وأخرى خفية.. 

ونكتفى هنا بهذه الإطلالة على (كنوزنا) التى طال هجرها وإهمالها .. وتم حصارها بكل أسفات الحياة فيما يشبه طقوس السبت عند بنى إسرائيل كما قال لهم السيد المسيح: تعبدون السبت، وإنما جٌعل السبت لأجل الإنسان ولم يٌجعل الإنسان للسبت ..

***

وها هو رغما عنا رجعنا ثانية لبنى إسرائيل ..                                                             رغم أن أستاذي وأستاذ كل الأجيال قال لكل تلاميذه، ولأمته كلها أن دولة إسرائيل (التي تتمزق أوصالها الأن)..  لا علاقة لها ببنى إسرائيل ولا باليهودية ..هم(جماعات يهودية) من أشتات الأشتات، تم تجميعهم لصنع(دولة اصطناعية) تخدم الحضارة الغربية الاستعمارية، التي هي بالتطور والتحول والأطماع البشرية الدنيئة( ضد الإنسان) .. 

ورحمة الله عليه رغم أنه كان يصر على وصف نفسه بأنه كان مفكرا إسلاميا، لكن نزعته الإنسانية تجاه الدنيا والناس كانت بالغة الرقى والسمو والتحضر. 

***

الحاصل ورغم كل ما ستسفر عنه الأيام القادمة من تطور في هذا الصراع التاريخى القديم الممتد، بيننا وبين أمريكا والغرب .. فقد تم هدم نظرية الأمن والحروب الإسرائيلية كما صاغها بن جوريون (الردع /والمعلومات المبكرة /والضربات القاسية)  .. 

الثلاثة تم نسفهم في ضربة واحدة اسمها (طوفان الأقصى).. 

أسطورة الجيش الذى لايقهر قلب فكرة الردع .. تم نسفها ولن تحتاج إلى وقت لإصلاح ما تبقى منها كما يقولون كذبا .. لقد انتهت فعليا قلبا، وقالبا.. وأي حديث عن أي مستقبل للشرق الأوسط، ما بعد (طوفان الأقصى) سيكون (منزوعا) منه تلك الأكذوبة .. 

المعلومات والقصص الهوليودية عن الموساد والشاباك والشين بيت والوحدة 8200، كل هذا أصبح تحت أحذية الأبطال فوق الأرض وتحت الأرض .. والضربة هنا مزدوجة وفى الصميم لأنها شملت كل أجهزة المخابرات والاستطلاع في الغرب المتعجرف.

الضربات القاسية .. امتصتها تماما وحطمتها تماما، وبكل الألم النبيل الذى في الدنيا .. روح (أهل الأنوار) في طول وعرض القطاع.                          

قتل لا نظير له في أي حرب من حروب التاريخ الحديث..  قصف لا مثيل له في ليالى لندن السوداء في عز غارات(هتلر) في الحرب العالمية الثانية.                        جوع وحرمان لم تشهده أقاصي أفريقيا، في عز جفافها وحروبها الأهلية، (الأورو/أمريكية) أقصد. 

***

وحين نعلم أن الشرق الأوسط القديم (من الخمسينيات) وحتى شهور قليلة مضت، كانت كل أحداثه وإحداثياته طوال تلك السنين العجاف، وما فيها من انقلابات وصراعات وصدامات وحروب أهلية وطائفية وسجون ومعتقلات، كلها بلا استثناء كانت تدور حول(محور) واحد، وواحد فقط عنوانه: (هيمنة إسرائيل) بمثلثها الاستراتيجي الشهير، الذي فرضته أمريكا على كل الأطراف حولها، سواء كانت ذلك في حروب فوق الطاولة، أو تحت الطاولة. 

حتى صاح فينا (فتية الأنفاق) بأعلى صيحة في التاريخ الحديث (لقد انتهت المسرحية). وآن للشرق العربى أن يعيش حياة حقة، لا هزل فيها، ولا مسرحه.. حيث الستينيات والرماح نواهل، وبيض الهند تقطر من دم عنترة..( برقبتى ياريس) .

***

كانت صيحتهم صيحة جادة ونفاذة وفاعلة، استراتيجية بامتياز مطلق.. ولا جدال في انهم كانوا على وعى تام بخطواتهم كلها، خطوة خطوة، وهم يعدون ما (أعدوا)..إمتثالا لأمر (الواحد القهار) !!.. نعم .. ربنا.. رب السموات والأرض .. الحى القيوم.. 

وستذكرون الأن صيحة النبى يوسف عليه السلام، في صاحبيه من أعماق (السجن).. صيحة كل العصور والأزمان (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار..) 

كانت من أعماق السجن..ليس سجن الجدران، فكل معدود منقضي..(كله ح يعدى، فعلا).                                      

وهل الدهر إلا اليوم وأمس وغد ** كذا الزمان بيننا يتردد..

لكن السجن هنا ، ومع تلك الصيحة الخالدة يشير إلى ..سجن الروح..سجن العقل..سجن الإرادة..سجن العزم..سجن الخوف .. ثم آه .. وألف آه .. وألف ألف آه .. من (الأرباب المتفرقون). 

***

كل الدنيا استمعت لكلمة (أبو عبيدة) أمس الأحد 7/7/2024م .. وذكر الأمة فيها اليوم بموقف الخذلان الذى كان أمس من 76 سنة، حين أهاب عبد القادر الحسينى بالأمة..ولم يجبه أحد، ورغم ذلك فعجز اليوم صار أكبر والخذلان اليوم أشد وأقسى. 

وكانت الآية الكريمة(84) من سورة النساء تطل علينا معه..وتنتهى بتذكير الوجود كله.. بأن الله أشد بأسا وأشد تنكيلا ..  

***

وجود إسرائيل بالمعنى الفعلى في خطر بعد خوضها (أطول حرب) منذ تأسيسها.. انتصار حماس بكل ما تمثله من عمق تاريخى وحضارى لعالم الإسلام .. خطره أشد. 

واختار الغرب(الأوروأمريكى) أن يخاطر بالأولى.. كى يمنع بكل وسائل القوة الخطر الثاني. 

لماذا..؟؟ 

لأن الغرب يرتاع اذا عبدت (ربا واحد) في هدأة المحراب .. وهو الذى يعجن لى.. من شعر ذيله ومن تراب نعله.. ألفا من الأرباب .. 

كان زمان..  يا أحمد يا مطر .. يا شاعر العراق الحزين ..فتية الأنفاق أعلنوها رسميا (هو الله الواحد القهار).