ياسر أنور يكتب: الإسلام والرومانتيكية الغربية

ذات مصر

إذا قال باحث أو مؤرخ إن الرومانتيكية الغربية استلهمت بعض السمات والشخصيات الإسلامية وخاصة النبي محمدا صلى الله عليه بشكل مباشر وغير مباشر ، فسوف يتفق معه الكثيرون، بل وربما يكون هناك إجماع نقدي على تلك المقولة، فكتاب كبار في الرومانتيكية  الألمانية مثل جوته Geothe  و يوهان جوتفريد هردر Johann Gottfried Herderو(حتى المتأرجحين رومانتيكيا) مثل هاينه Heine  ، وكتاب كبار في الرومانتيكية الإنجليزية مثل بايرون وكوليردج وورث ، وكتاب كبار  في الرومانتيكية الفرنسية مثل جان جاك روسو و فيكتور هيجو ولا مارتين،  وكذلك الرومانتيكية الأمريكية ممثلة في واشنطن إرفنج وإدجار ألان بو، كل هؤلاء  تناولوا  الإسلام في أعمالهم الأدبية وقصائدهم سواء كان هذا التناول مدحا أو ذما ، توقيرا أو ازدراء ، قبولا أو رفضا. 

لكن أن يخرج كاتب أو باحث ليعلن أن الرومانتيكة الغربية قد تأثرت خيالا وروحا نتيجة للاشتباك مع الثقافة الإسلامية، وأن الإسلام يمثل أحد العوامل المهمة في تشكيل الروح الرومانتيكية وظهور الرومانتيكية الغربية، فهذا لابد أن يثير جدلا كبيرا بين المؤرخين والنقاد و الباحثين، وهذا ما فعله الكاتب الإنجليزي جيفري آينبودن   Jefrey Einboden في كتابه المعنون بـ: "الإسلام والرومانتيكية : Isalm and Romanticismالتيارات المسلمة، من جوته وحتى إميرسون، الإسهامات الإسلامية و المسلمة في الثقافة والحضارة . وعلى الرغم من أن الكتاب صدر في عام 2014م ، فإن الثقافة العربية و النقاد العرب لم يلتفتوا إليه  كثيرا ، إما عمدا وتجاهلا أو رفضا وتكاسلا . 

فقضية بهذا الطرح ، لا تعني فقط أن الأرض (بتتكلم عربي) ، ولكن تعني أيضا أن الكون ذاته تأثر بالثقافة الإسلامية ، وربما تكون في هذه المبالغة  غمط لحق الآخرين في الإسهام الحضاري العالمي ، فالكل شركاء في إقامة هذا البنيان الثقافي قديما وحديثا. 

لكن بقليل من التأمل والمناقشة الهادئة يمكن أن نتقبل هذه الفكرة، ونطرحها للبحث العلمي و الأكاديمي. 

وربما لا نتعجب عندما نستدعي مقولة هيجل: إن الإسلام مثل مرحلة مهمة في تطوير روح العالم، ومع ذلك فهو قد أكمل دوره، ولم نعد بحاجة إليه على حد تعبير هيجل.

وعلى الرغم من تحفظ هيجل على استمرارية الدور الذي يلعبه الإسلام ، فإن كتابا آخرين، لم يتحفظوا، بل أعلنوا بحب وحماس عن الدور الذي يمثله الإسلام ونبي الإسلام في مركزية الإشعاع الحضاري للعالم، ومن هؤلاء المتحمسين الكاتب البريطاني توماس كارلايل الذي وصف محمدا صلى الله عليه وسلم بالنبي البطل. 

وإذا كان جان جاك روسو(1712-1778) يعرفه البعض بأنه أبو الرومانتيكية الغربية ، فإن جان جاك روسو قد تأثر إلى حد كبير بفكرة التسامح الإسلامي، واعتبر أن الإسلام أحد المكونات الرئيسة في المجتمع الغربي.

لكن يبدو أن الفضل الأكبر في التعرف على الإسلام يعود للكاتب  الفرنسي هنري ديبولنفيرس  Henri De Boulainvilliers   (1658-1722 ) الذي كان له تأثير كبير في أوروبا حتى يبدو أنه كان سببا رئيسا في تراجع فولتير عن النقد الذي وجهه لنبي الإسلام في بداياته الأدبية، وأشاد به في أواخر حياته. لقد كان للشرق Orient تأثير كبيرعلى الغرب Occident  من خلال ترجمات القرآن الكريم على الرغم من عدم دقتها ومغالطاتها، ومن خلال الأدب الصوفي، والفارسي، وترجمة ألف ليلة وليلة حتى أصبح الشرق يمثل عالما سحريا للعقلية الغربية، فكثرت هجرات الأدباء و المفكرين الغربيين للتعرف على الثقافة الشرقية وبرزت أعمال أدبية تحمل اسم الشرق والشرقيات ومنها  الشرقيات Les orientales  لفيكتور هوجو التي تأثرت كثيرا بالحرب اليونانية التركية في ذلك الوقت، والتي كانت تحمل غضبا عنيفا ضد الشرق قبل أن يعيد هوجو القراءة الناضجة، ويقدم أعمالا أخرى أكثر إعجابا وانبهارا. 

إن ادعاء بعض المؤرخين الغربيين أن الرومانتيكية الغربية كانت تمردا على عصر التنوير ، دون تقديم مبررات لهذا التمرد، ودون تحليل لعوامل هذا التمرد الذي جاء نتيجة للاشتباك مع روح  وثقافة الشرق، يجعل الحاجة ملحة لإعادة كتابة التاريخ الغربي الوسيط والحديث لاكتشاف تأثير نبي الإسلام والقرآن في تشكيل الوجدان و الفكر الغربي في كثير من مراحله ومحطاته التاريخية.

وفي النهاية هل يمكننا أن نتحلى بشيء من الجرأة ونقول: إن كلاسيكية الشرق رومانتيكية الغرب.