ياسر أنور يكتب: هوجو ونبي الإسلام

ياسر أنور
ياسر أنور

ما الذي يجعل فكتور هوجو (1802-1885)، أعظم أديب في تاريخ فرنسا  يكتب واحدة من أجمل القصائد عن نبي الإسلام؟ تلك القصيدة التي تحمل عنوان "العام التاسع الهجري"L’an neuf  de l ’hegiri  والتي  ضمنها في ديوانه الشهير أسطورة القرون  La Légende des siècles، و هو الديوان الذي اعتبره البعض الملحمة الشعرية الوحيدة في تاريخ فرنسا، وكيف  مر فيكتور هوجو بتلك التحولات العنيفة في  حياته وبخاصة ما يتعلق بالناحية الدينية حتى يرفض أن يدفن على الطريقة الكاثوليكية  أو يلتقي  بعض  رجال الدين عند موته؟ ومع ذلك فقد  كان قلبه معلقا بالله في كل مراحل حياته، وكان يصفه  بالأبدي والسرمدي وكل صفات الكمال التي تتشابه مع العقيدة الإسلامية. 

ويبدو  أن هناك بعض  الحلقات المفقودة  أو الأسرار الخاصة في حياة هوجو و التي يراد لها ألا تكشف  للرأي العام، فشخصية بحجم هوجو أكبر رمز أدبي في تاريخ فرنسا  وربما أوروبا له  تأثيره الكبير في حياته و بعد موته، ليس على المستوى الفني فقط  باعتباره  رائدا رومانتيكيا كبيرا و مجددا في بنية الشعر الفرنسي  إيقاعا ومضمونا وتراكيب، ولكن يمتد تأثيره على المستوى الفكري و الإنساني والديني أيضا. 

ومع  ذلك الغموض الذي يحيط بتحولات هوجو الدينية، نستطيع من خلال قراءة وتحليل قصائده أن نكشف أو نكتشف أوجه التشابه و الاختلاف بين هوجو الذي أصدر مجموعته الشعرية الأولى المعنونة بـ الشرقيات les orientals  عام  1829 وهوجو في أسطورة القرون الذي أشرنا إليه  والذي  نشر على ثلاث حلقات  1859، 1877، 1883 م؟ سنركز إذن على الأعمال الشعرية التي يمكن أن نقرأ فيها ملامح هوجو على الرغم من أن أعماله الروائية مثل أحدب نوتردام  والبؤساء وأعماله الأخرى الدرامية والمسرحية  يمكن أن تساعدنا أيضا في التوصل إلى كثير من المفاتيح الشخصية لذلك الرمز الكبير على المستوى الأدبي والإنساني.

في مجموعته  الأولى الشرقيات و التي تضم حوالي 41 قصيدة ، والتي يهاجم هوجو في كثير منها الأتراك و الإمبراطورية العثمانية و ينحاز ( بالطبع ) إلى اليونان أثناء حربها من أجل الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية، وينحاز أيضا إلى ما (يسمى القيم الغربية) وخصوصا الحرية في مواجهة (الاستعباد الشرقي). 

لكن هوجو الناضج و الحكيم وربما المنكسر أيضا يجيء في أسطورة القرون  شخصًا  آخر، مختلفا عن  ذلك الشاب  الطموح والجموح في الشرقيات، فهل كان لموت ابنته "ليوبولدين" غرقا في نهر السين هي  وزوجها عام 1843، هل كان لموتها ذلك الأثر العنيف الذي جعل من هوجو شخصا آخر تبدأ ملامحه  الحزينة وتجاعيده  المنهزمة في التشكل و الذي نلحظه في مجموعته الشعرية التأملات  les  contemplations والصادرة عام 1856 بعد وفاة ابنته بثلاث عشرة سنة والتي تضمنت ما يشبه السيرة الذاتية الشعرية، وذكرياته مع ابنته، وهو  ديوان مفجع يكشف عن ضعف النفس البشرية إزاء تقلبات الزمن، ومن القصائد الشهيرة في الديوان تلك القصيدة المعنونة بـ غدا فجرا   Demain dès l'aube  والتي يتحدث فيها عن زيارته لقبر ابنته وهي قصيدة حزينة تعبر عن مشاعر الأب المنهزم أمام سطوة الموت الذي اختطف ابنته في سن مبكرة، وهي ليست الفجيعة الوحيدة في أبنائه، فقد تكررت تجربة الموت تلك مع أبناء آخرين له، وهو أمر ليس بالسهل على أي أب وخصوصا إذا كان يمتلك فكر وفلسفة و تأملات هوجو.

لكن الأمر العجيب هو تلك القصيدة التي كتبها هوجو عن نبي الإسلام والتي تضمنتها ملحمته الخالدة أسطورة القرون في جزئها الأول المنشور عام 1859، وهي قصيدة طويلة تشغل حوالي سبع صفحات، وفيها تتضح ثقافة هوجو  الإسلامية وإلمامه بالسيرة النبوية وقراءته لصحيح البخاري وكتب السنة حيث ذكر في تلك القصيدة كثيرا من صفات النبي العظيم وكيف أنه كان متواضعا يربط حجرا على بطنه  من الجوع ويحلب شاته، ويرفق بالنساء والضعفاء، وتحدث فيها عن مولده صلى الله عليه وسلم، وعن سقوط ثلاث شرفات من إيوان كسرى، وتحدث عن دوره في رسالات الأنبياء وأنه جاء مكملا لرسالة المسيح عليه السلام.

والعجيب أيضًا أنه كتب قصيدة مهيبة عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه و سماها LE CÈDRE  (شجرة الأرز)  لقب فيها عمر ابن الخطاب بشيخ الإسلام وأفاض في مدحه  رغم وجود بعض  السلبيات في القصيدة.

لكن الشيء المؤكد أن هوجو كان معجبا بالإسلام ونبي الإسلام لدرجة التقديس، وهو الأمر الذي يرجح  ما طرحه البعض من أن هوجو أسلم سرا لكنه لم يعلن عن ذلك صراحة مراعاة لعوامل كثيرة، لكن شعره ينضح بذلك. 

وفي النهاية نوجه نداء للباحثين لإعادة قراءة كتابات هوجو ثانية وخصوصًا  الإسلامية منها حتى تتعرف الأجيال الجديدة على ذلك الأثر الخالد الذي تركه نبي الإسلام في نفوس كبار الفلاسفة و المفكرين العظماء ردا على تلك الهجمة الإلحادية والعنصرية التي يمارسها كثير من الجهلاء.