عبد الخالق فاروق يكتب: الاقتصاد المصري.. بين القدرات الكامنة والعجز المزمن (3- 3)

ذات مصر

روشتة البديل والإنقاذ الاقتصادي لمصر:

فورا ودون إبطاء، علينا وضع ثلاثة خطط متكاملة، وتنقل كل مرحلة منها للأخرى مباشرة، هي:

-خطط الأجل القصير لإنقاذ سريع للموقف الحرج (تستمر من لحظة تطبيقها لمدة 3 سنوات).

-الخطط المتوسطة الأجل (من 3 إلى 7 سنوات).

-الخطط الطويلة الأجل (من 7 إلى 15 سنة).

وهذه الخطط تشمل الزراعة والصناعة والتعليم والصحة والبيئة والتشغيل والتوظف، وإعادة بناء قطاع الأمن والعدالة، وبناء نظام الأجور والمرتبات، وتوجيه النظام المصرفي لخدمة احتياجات وأولويات التنمية وفقا للخطط الموضوعة.

أولا: الخطط القصيرة الأجل:(من الآن حتى 3 سنوات) 

الأهم هنا هو معالجة الفجوتين التمويليتين الكبيرتين اللتين أسميهما تفاحتي إبليس، فمنهما تبدأ سلسلة طويلة من المصائب وهما: «العجز في الموازنة العامة للدولة، والفجوة الكبيرة في الميزان التجاري»، وحتى نقرِّب الفهم إلى الشباب والشابات الذين يتابعون هذا التحليل، نقول إنهما أشبه بربة منزل دخلها الشهري 3 آلاف جنيه، وتنفق في الشهر 10 آلاف جنيه، فمن أين تأتي بالباقي؟ إما بالاقتراض من الجيران، مما يؤدي بعد فترة إلى تدخل الجيران في شئون بيتها، والتدخل في طريقة تربيتها لأبنائها، أو طلب زوج السيدة الجارة أن نذهب معه لنشاركه في الخناقة التي ينوي القيام بها مع جيرانه (حال السعودية واليمن مثلًا)، أو ألا نعترض على تصرفاته حتى لو كان يدمر البيت والعمارة على من فيها.

إذًا، بالعودة إلى موضوعنا ينبغي إما الاستمرار بالاقتراض والسلف، أو النظر في مواردنا الذاتية التي أهملناها لفترة طويلة لنصحح الوضع، ومن هنا يجب القيام بالآتي:

  1. إعادة النظر في البنيان الوزاري الراهن، ليس فقط من حيث التجانس الفكري -خصوصًا للمجموعة الاقتصادية- وإنما الجلوس معًا في ورشة عمل مغلقة لمدة أسبوع على الأقل للاتفاق على التحليل الشامل والتفصيلي للموقف، الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والخطط العملية لتصحيح هذه الاختلالات بحيث يصبح العمل الحكومي جماعيا بحق، وليس عِزبًا مغلقة لكل وزير، أو رئيس مصلحة أو هيئة، وتشمل هذه الخطوة إعادة دمج وتفكيك وتركيب بعض الوزارات، فالوزارات التي تتولى أجهزة مركزية القيام بعملها ليس هناك ضرورة لاستمرارها، مثل وزارة التنمية الإدارية التي يتولى عملها فعليا الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ووزارة التعاون الدولي تدمج في وزارة التخطيط، وإلغاء وزارة التنمية المحلية، واستبدال مجلس تنسيقي  للمحافظين بها، يرأسه رئيس الوزراء، وهكذا.
  2. إعادة النظر في النظام الضريبي الراهن الذي لا يعكس العدالة الاجتماعية من ناحية، ولا يمكن من تغطية النفقات المتزايدة للدولة، وخصوصا في قطاعات كالتعليم والصحة والإسكان والبيئة... إلخ. والنظام الضريبي الصارم والعادل والمراقب من داخله ومن خارجه يمكن أن يوفر لنا وفقًا لتقديرات كل خبراء الضرائب في مصر ما بين 500 مليار جنيه إلى 800 مليار جنيه إضافية سنويًا خلال السنوات الثلاث القادمة (حيث متوسط الحصيلة الضريبية في مصر 11% إلى 13% من الناتج المحلي، بينما هي في الدول المنضبطة ضريبيًا تصل إلى 35- 40% من الناتج المحلي الإجمالي)، ويمكن أن نصل إلى الحصيلة بعدة إجراءات تفصيلية ليس هنا المجال لشرحها، ولكن منها فرض الضريبة على أرباح الشركات والدخول المرتفعة للأغنياء، بما لا يقل عن 35%، (وهي بالمناسبة في أمريكا تصل إلى 42% وفي كثير من الدول الغربية).
  3. إعادة هيكلة قطاع البترول والغاز الذي كان وما زال مرتعًا لفساد غير معهود ولا معروف. ومنها نستطيع توفير ما لا يقل عن 50 مليار جنيه سنويًا (ويمكن الرجوع إلى كتابي بعنوان أين البترول والغاز المصري؟ الصادر عام 2017 عن الهيئة العامة للكتاب ويتضمن شرحًا تفصيليًا حول الفساد في هذا القطاع وكيفية إعادة بنائه، أي لدينا مخطط كامل وواقعي لكيفية إعادة هيكلة قطاع البترول والغاز) وهذا يحقق نتائجه خلال سنتين على الأكثر.
  4. إعادة هيكلة قطاع الثروة المعدنية الذي كان وما زال نهبًا للمقاولين والمحافظين والصناديق الخاصة، وإحدى الجهات العسكرية، وتصنيع هذه المنتجات. ووفقًا لكل خبراء الثروة المعدنية توفر لنا ما لا يقل عن 20 مليار جنيه سنويًا.
  5. تصفية الصناديق والحسابات الخاصة الموجودة في كل الوزارات والمصالح والمحافظات، وتستنزف المواطنين ولا تدخل إلى الخزانة العامة، ويقدر حجم الحركة المالية لهذه الصناديق والحسابات الخاصة (إيرادات ومصروفا) بحوالي 500 مليار جنيه سنويًا، وبها فوائض مالية (رصيد آخر المدة) يتجاوز 200 مليار جنيه، ومنها الموجود في وزارة الداخلية والجيش والخارجية والقضاء والجامعات وغيرها كثير جدًا (حوالي من 6 آلاف إلى 10 آلاف صندوق وحساب خاص).
  6. إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة، التي ينفق فيها مبالغ هائلة دون مقتضى، مثلا السيارات الحكومية (لدينا أسطول من السيارات الحكومية يزيد على 200 ألف سيارة ومركبة من جميع الأنواع، ولدينا مبانٍ حكومية نحو 441 ألف مبنى حكومي من جميع الأنواع) ومع ذلك نجد وزراء يشيدون مباني جديدة، ومنهم وزراء بمجرد استلامهم المنصب ينفقون مبالغ ضخمة لتجديد مكاتبهم، ومعظمهم يقومون بذلك كأننا بلد يعيش في رفاهية وليس مديونًا أو يتسول من دول الخليج.
  7. مراجعة نمط الأولويات التي تتخذها الحكومة الحالية تحت ضغط الرئيس عبد الفتاح السيسي، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، التي تمتص جزءا كبيرا من الفوائض المالية المتاحة لدى الأفراد والأغنياء، بدلا من توجيهها وتشجيع الناس على الاستثمار في أسهم الشركات الصناعية (وبالتالي لابد من دخول الدولة والقطاع العام في الاستثمار الإنتاجي وهذا سنعود إليه في الخطط متوسطة الأجل)، وعلينا أن نعلم أنه في عصر الرئيسين محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك أنشأنا 25 ألف كيلومتر طرق، بصرف النظر عن كفاءة كثير من هذه الطرق والفساد المصاحب لها، ومن هنا فإن قول رئيس الجمهورية الحالي إنه يقوم بإنشاء خمسة آلاف كيلو متر طرق لأول مرة في تاريخ البلاد «يفتقر إلى الدقة».
  8. من ضمن الإصلاحات الضريبية تفعيل الضريبة على العقارات، خصوصًا وأن لدينا ثروة عقارية ضخمة، تقدر بـ50 ألف قصر وفيلا وشاليه سياحي بنيت منذ عام 1980، وكذلك الشقق التي تزيد قيمتها على 3 أو 4 ملايين جنيه، وعلينا أن نعرف أن المصريين اشتروا فيلات وقصور وشاليهات سياحية منذ عام 1980 بحوالي 415 مليار جنيه، والظاهرة تتزايد، وهذه الضريبة يمكن أن توفر لنا حوالى من 15 إلى 20 مليار جنيه إضافية، وكذلك الضريبة على الأرباح الرأسمالية Capital Gains المعمول بها في أمريكا ومعظم الدول الرأسمالية لتخفيف حدة الأموال الساخنة التي تتحرك عبر البورصات والصفقات المشبوهة وعمليات غسل الأموال (أحمد هيكل حقق أرباحًا في شراء وبيع شركة أسمنت واحدة أكثر من 4.5 مليار جنيه، ولم يسدد عنها مليما واحدا ضرائب، وكذلك فعل نجيب وناصف ساويرس في شراء وبيع شركة أسمنت وبيعها إلى شركة لافارج الفرنسية وحقق أرباحا بلغت حوالي 23 مليار جنيه لم يسدد عنها جنيها واحدًا ضرائب؛ لأن قانون الضرائب المصري لا ينص على ضريبة على الأرباح الرأسمالية، وجميعهم فعلوا ذلك وحققوا مئات المليارات كأرباح لم يسددوا عنها ضرائب، ورقم مئات المليارات ليس مبالغة على الإطلاق. وقد جرى تعديل في بعض هذه الصفقات وسدد بعضهم جزءًا من تلك الأرباح تحت الضغط والتهديد».
  9. الانتهاء خلال عام على الأكثر من ملف الأراضي التي جرى تحويل استخدامها من الاستصلاح الزراعي إلى الإسكان الفاخر (المنتجعات السكنية الفاخرة والشاليهات السياحية)، خصوصا على طريقي القاهرة – الإسكندرية، والقاهرة – الإسماعيلية وغيرها والتي قدرتها الجهات المسئولة (المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية لشئون المشروعات الكبرى) في يوليو عام 2016 بأكثر من 350 مليار جنيه كفروق للتسعير، دون أن تحتسب الجهات المسئولية  خسائر الفرصة البديلة المتمثلة  في تدمير هذه الأرض نهائيًا كأرض صالحة للاستزراع وفقدناها كمصدر هام لرفع نسب اكتفاءنا الذاتي من أهم المحاصيل الزراعية.
  10.  وبالنسبة لمعالجة الخلل الضخم في الميزان التجاري (الفجوة التمويلية الثانية الخطيرة) فهناك حزمة إجراءات وسياسات متكاملة لابد من اتخاذها أهمها:

1/10: ترشيد الواردات وسجل الموردين من الخارج الذين زاد عددهم من 42 ألف مستورد عام 1985 إلى أكثر من 840 ألف مستورد مسجل بصرف النظر عن العدد الفعلي للنشاط.

2/10: ترشيد الواردات من خلال مراجعة قوائم الواردات، وحذف وحظر كثير منها، وهذا يمكن أن يقلل وارداتنا بحوالي 10 إلى 15 مليار دولار في السنة الأولى على الأقل، وبالتالي تخفيف الضغط على الميزان التجاري وعلى الطلب على الدولار.

3/10: ترشيد الواردات من خلال اتباع نظام القوائم السلبية بحيث يحظر على القطاع الخاص استيراد الـ15 سلعة الاستراتيجية مثل اللحوم والقمح والسكر والشاي والزيت والأعلاف وغيرها.

4/10: ترشيد الواردات من خلال التوسع في نظام التجارة بالمقايضة أو بالعملات المحلية المتبادلة، وقد بدأت بعض الدول استخدام هذه الطريقة لتخفيف الأثر السلبي لتقلبات سعر الصرف وخصوصا الدولار، ومن هذه الدول روسيا والهند والبرازيل وفنزويلا وبوليفيا وإيران والصين وغيرها من الدول فهي فرصة هائلة لتغيير قواعد التجارة الدولية الظالمة والتخفيف من الأثر السلبي لاتفاقية التجارة الدولية الضارة.

5/10: ترشيد الواردات من خلال تعظيم قدراتنا الإنتاجية، وهذا هو مفتاح الموقف كله، خصوصًا في الزراعة والاستعانة بخبراء وعلماء زراعيين ابتكروا تقاوي زراعية جديدة مثل الدكتور سعيد سليمان الذي ابتكر زراعة الأرز في بيئة شحيحة المياه ويجرى محاربته بضراوة من جانب عصابات يوسف والي، والصهاينة في وزارة الزراعة ومعهد البحوث الزراعية.

6/10: إلزام المصدرين والمتعاملين مع العالم الخارجي بتوريد 80% على الأقل من حصيلة تعاملاتهم بالنقد الأجنبي إلى البنوك المصرية، مع مراقبة البنك المركزي على هذه الحسابات ومدى التزام المصدرين سواء كانوا من القطاع الخاص أو العام بنص القانون، وتوقيع أقصى عقوبة على المخالفين لهذا (فلنتذكر أنه في أزمة عام 2003 أصدر رئيس الوزراء وطباخ السم كله عاطف عبيد القرار رقم (506) لسنة 2003 الذى ألزم هؤلاء بتوريد 75% من الحصيلة إلى الجهاز المصرفي المصري، ثم بعد عدة شهور قليلة وتحت ضغط رجال المال والأعمال جرى إلغاء القرار).

7/10: البدء فورًا في مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، وخصوصا مشروعات الطاقة الشمسية.

8/10: البدء فورًا في تطبيق استراتيجية تفكيك ركائز دولة الفساد (يوجد مخطط متكامل لتفكيك ركائز دولة الفساد).

ثانيًا: الخطة المتوسطة الأجل (من 3 إلى 7 سنوات)

الأصل في هذه الخطة والهدف منها هو تصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المصري، وتفكيك ركائز دولة الفساد التي تأسست عبر خمسين عاما وتحديدا منذ عام 1974، مع الاعتماد بصورة أساسية على مواردنا الذاتية، وتتكامل الخطة المتوسطة الأجل مع الخطة الطويلة الأجل، في كافة الإجراءات على النحو التالي:

  1. وضع قضية استرداد الأموال المنهوبة على رأس جدول أعمال الحكومة ورئيس الجمهورية، مع الدول الخارجية التي لدينا معلومات بشأن الثروات المنهوبة والمودعة إليها، وتجنيد كل الأجهزة الرقابية – بعد تطهير بعضها وخصوصا الرقابة الإدارية – لجمع المعلومات والمستندات وأعدادها للتعامل مع العالم الخارجي في أطره السياسية والقانونية والشعبية (هناك خطة متكاملة لإدارة هذه المعركة على المستويات الثلاثة الدبلوماسية والقانونية والشعبية).
  2. تنفيذ الخطة الاستراتيجية لتفكيك ركائز دولة الفساد في مصر التي بنيت على مدى عقود خمسة، ومنها تنقية المنظومة القانونية والتشريعية واللائحية من المواد التي تسهل وتغطى وتحمى الفاسدين، ونظام عادل للأجور والمرتبات، وإعادة بناء الأجهزة الرقابية كافة، وإعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة وضم الهيئات الاقتصادية إلى الموازنة العامة، التخلص من ظاهرة الحسابات والصناديق الخاصة، إعادة بناء النظام الضريبي المصري، وإعادة بناء منظومة التعليم العام والخاص، وكذلك منظومة الصحة، تصحيح أداء البورصة وسوق الأوراق المالية التي أصبحت مائدة مضاربات ومقامرات كبرى وغيرها من الإجراءات المتضمنة في الخطة الموضوعة من جانبنا.
  3. وضع خطة عاجلة لتنمية القدرات الزراعية، وتنفيذ مشروع المليون فدان بأقصى سرعة، مع الاستعانة بالشباب المصري، وتوزيعها على الفلاحيين من الشباب في زمام عشرة فدادين، مع اشتراط أن يصطحب معه أسرته بالكامل، وأن يكون الزمام الفردي، داخل زمام جماعي من ألف فدان على الأقل، سواء في صورة شركة، أو جمعية تعاونية، وأن ترعاها الدولة وبناء المصانع لتصنيع المنتجات الزراعية، سواء لتوفيرها في السوق المحلية، أو تصدير بعضها إلى السوق الخارجي.
  4. وضع خطة كاملة للتصنيع، بما في ذلك شركات القطاع العام والتوسع فيها لتوفير فرص عمل للشباب من ناحية، وتطوير الصناعة المصرية التي توقفت خلال الثلاثين عاما الماضية على التجميع.
  5. من ضمن الإجراءات المتوسطة الأجل حفز المصريين لمراجعة السلوك التديني الشكلي والمظهري في موضوع سياحة الحج والعمرة، والتي تكلفنا أكثر من 3.5 مليار دولار على الأقل سنويًا يذهب أكثر من ثلثيها في الاقتصاد السعودي، ووضع قواعد لأداء فريضة الحج (مطلقة لكبار السن، أما صغار السن فمرة واحدة كل 5 سنوات، أما العمرة فمرة واحدة كل خمس سنوات)، حتى نمر بتلك الفترة العصيبة في تاريخ مصر.
  6. مكافحة عمليات تهريب الأموال من كبار رجال المال والأعمال، والتي تقدر بأكثر من خمسة مليارات دولار على الأقل سنويا منذ أكثر من عشر سنوات.
  7. مراجعة المنظومة التشريعية الاقتصادية المصرية التي سهلت الفساد ووفرت له بيئة مناسبة فورًا (راجع في هذا كراسة القوانين المفسدة).

وقد يسأل البعض من حَسني النية: لماذا لا يقوم النظام الحاكم الراهن بتنفيذ ذلك؟ السبب ببساطة هو وجود شبكات مصالح تمنع ذلك، وهم جزء منها، ولن نفصح الآن عن أكثر من ذلك.