إخفاق مصري في السودان.. كيف تفوقت الإمارات والسعودية؟

ذات مصر

كشفت الأزمة السودانية المحتدمة بين الجنرالين عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، ومحمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، عن تراجع النفوذ المصري في الجارة الجنوبية، مقابل تأثير أكبر من السعودية لخفض مستوى التوتر، تجلى في استضافة جدة أول قمة مباحثات مباشرة بين ممثلين عن الطرفين المتنازعين.

غياب مصر عن المشهد

المبادرة السعودية الأمريكية في جدة هي أول محاولة لإنهاء القتال الدائر منذ 15 أبريل، الذي حول حياة مواطني الخرطوم إلى جحيم، وعرض الانتقال السياسي الهش في البلاد للخطر بعد اضطرابات وانتفاضات استمرت لسنوات.

كان لافتا منذ تطور الاشتباكات المسلحة بين قوات الجيش والدعم السريع، محدودية الدور المصري وعدم امتلاك القاهرة الأدوات الكافية للتأثير على أطراف الأزمة، ودفعهما إلى المسار السياسي من جديد، لذا لم نشهد أي دور مصري ملموس وتم تنحيتها من المبادرات الرامية لرأب الصداع، بعد أن تم بلورة مبادرتين للحل السياسي في السودان خلال المرحلة الانتقالية، أحدهما رباعية بين دول: الولايات المتحدة وبريطانيا والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، بينما المبادرة الثانية هي ثلاثية بين منظمات الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد والبعثة الأممية في السودان.

الدور السعودي الإماراتي في السودان

دأبت السعودية خلال السنوات التالية لإسقاط نظام عمر البشير على إيجاد موطئ قدم لها في المكون السياسي الجديد للبلاد، خشية سقوط البلاد مجددًا في قبضة الإسلاميين، ومن ثم تزايد النفوذ الإسلامي في موقع استراتيجي مهم كالسودان، ووضعت رهانها على المكون العسكري تحديدا بدلا من القوى المدنية، باعتبار أن الجيش هو القوة الوحيدة القادرة على إقصاء الإسلاميين من أي دور سياسي.

راهنت السعودية مثلما راهنت قوى إقليمية متعددة بينها مصر والإمارات على الجنرالات، لفرض الاستقرار، لذا نددت القوى المدنية مرارا وتكرارا بالتدخل في الشأن الداخلي، وهو ما برز في التأييد الضمني لانقلاب أكتوبر 2021، الذي أجهض محاولات وضع السودان على طريق التحول الديمقراطي.

في هذا السياق، يرصد جان بابتيست غالوبان، الزميل بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن السعودية تركت إدارة ملف السودان للإمارات منذ أواخر عام 2019، فتركزت محاولات دول الخليج في دعم سلطة الجنرالات في السودان وتحجيم دور القوى المدنية.

وطوال السنوات الأربع الماضية، تناوبت كلا من السعودية والإمارات على استغلال صعود الجنرالات في دعم الموقف السعودي الإماراتي في اليمن، عن طريق مشاركة قوات نظامية وميلشاوية في حرب اليمن، إلى جانب ضخ الاستثمارات في البلاد، والاستفادة من الموارد السودانية الضخمة، لذا كانت بوصلة الثنائي عبدالفتاح البرهان وحمدان دقلو صوب الخليج أكثر منها إلى القاهرة.

ورغم اتساع شعبية حميدتي باعتباره رجل المصالح الإماراتية في السودان، لكن البرهان حظى بدعم سعودي وإماراتي، إذ زار البرهان السعودية والإمارات في 2022 سعيا للاستثمارات الخليجية في السودان.

خطأ مصر

أمام ذلك، هناك من يرى أن مصر هي من سمحت بالتوغل الخليجي والاستئثار بالملعب السوداني والتلاعب بقواه القبلية والإثنية والمناطقية والمدنية والعسكرية، وكذا استغلال ضعف الدولة السودانية لخلق حلفاء لهذه الدولة الخليجية أو تلك، ولم يعد حج القوى السودانية السياسي يتم كما كان في السابق إلى القاهرة، وإنما إلى الرياض وأبو ظبي.

أبرز مظاهر هذا التراجع هو عدم احتجاج مصر عندما شكلت لجنة رباعية لإدارة الأزمة بين المدنيين والعسكريين بعد الإطاحة بالبشير وضمت الإمارات والسعودية مع أمريكا وبريطانيا، وتم تجاهل ضم القاهرة إلى عضويتها، ولم تحتج عندما تجاهلتها الآلية الإفريقية الثلاثية للقضية السودانية.

تفوق سعودي على مصر

ورغم التحركات المصرية مؤخرًا من خلال الإعلان عن جولة لوزير الخارجية سامح شكري إلى جنوب السودان وتشاد، لحث أطراف الصراع على تمديد الهدنة وإنهاء القتال، لكن لازالت أوراق القاهرة محدودة في ظل بدء محادثات فعلية في جدة قد تتوج بإعلان المملكة العربية السعودية نجاحها في نوع فتيل الأزمة.

يرى محللون أن السعودية باستضافتها أول محادثات حقيقية ترسخ لنفسها دورا حقيقيا في إدارة أزمات الإقليم، ليس أمام مكونات الأزمة فقط، إنما أمام الولايات المتحدة التي تقاسمت المبادرة معها لإنهاء النزاع السوداني، خصوصا أنها نجحت كذلك في إعادة علاقتها الدبلوماسية مع إيران برعاية صينية بعد توقف سنوات، وهو ما يعزز من حضور المملكة واتساع دورها.