تجارة تقدر بـ20 مليار دولار في السنة

تهريب الآثار المصرية عرض مستمر.. دبلوماسيون ورجال أعمال وفقراء في قفص الاتهام

ذات مصر

قبل أيام نشرت وسائل إعلام إسرائيلية صورًا لفحص غطائين لتابوتين يعودان إلى الحضارة المصرية القديمة في مستشفى شعاري تسيدك في القدس المحتلة، ما أثار تساؤلات حول كيفية وصول القطع الأثرية إلى تل أبيب، لكن وزارة الآثار المصرية نفت إرسال القطعتين إلى هناك.

وأكد رئيس قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، مؤمن عثمان، عدم خروج قطع أثرية من المتاحف المصرية للفحص أو الدراسة بالخارج، لكنه لم يحسم الجدل بشأن مصرية التابوتين وانتمائهم للحضارة المصرية، وكيفية وصولهم إلى هناك، وهل ستتخذ وزارة السياحة والآثار إجراءات للتأكد من ذلك وإعادتهما إن ثبت مصريتهما.

حوادث تهريب الآثار المصرية للخارج تملأ عناوين الصحف المحلية والعربية والعالمية، خصوصًا في الـ25 عامًا الأخيرة، وتفاجئ السلطات المصرية بعرض أحيانًا بعرض آلاف القطع في المزادات المعروفة لبيع الآثار لتبدأ بعدها رحلة معقدة لاستعادتها تفشل في أحيان كثيرة.

عمليات التنقيب عن الآثار

عمليات التنقيب غير الشرعية عن الآثار تنتشر بشدة في محافظات الصعيد وبعض محافظات الوجه البحري التي عثر فيها على آثار في السابق، وعادة لا تكتشف الأجهزة الأمنية تفاصيل عمليات الحفر سوى بعد انهيار المنزل الذي يحفر أسفله، أو وفاة أحد النباشين تحت الأنقاض وغيرها.

وبدأت عمليات التنقيب غير الشرعية في الانتشار مؤخرًا مع رغبة الآلاف في «الثراء السريع» ويستعينون خلال بأجهزة حديثة وشيوخ للعثور على المقابر الفرعونية، ثم تبدأ بعد نجاح العثور على الآثار واستخراج المحتويات عملية بيعها بمئات الملايين من الدولارات إلى التجار المعروفين والذين ينتمون في بعض الأحيان إلى الطبقات العليا من المجتمع.

أشهر تلك القضايا كانت قضية رجل الأعمال حسن راتب، والنائب السابق علاء حسانين، ضمن 21 متهمًا آخرين ثبتت إدانتهم في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«قضية الآثار الكبرى»، والتي اعترف فيها شقيق علاء حسانين، بضلوع «راتب» في تمويل تشكيل عصابي لتهريب القطع الأثرية يقوده النائب المعروف.

وضبطت النيابة العامة، في القضية 227 قطعة أثرية تنتمي للحضارات المصرية المختلفة، ما قبل التاريخ والفرعوني واليوناني والروماني والإسلامي، وتخضع لقانون حماية الآثار المصري، مشيرةً إلى أن رجل الأعمال أنفق 53 مليون جنيه مصري على أعمال التنقيب عن الآثار داخل مدن عدة بهدف التربح وتكوين ثروة من الاتجار في الآثار. بحسب تقرير اللجنة المشكلة من المجلس الأعلى للآثار.

وحسب بيانات وزارة الداخلية المصرية، ضبطت قوات الأمن في عام 2022، نحو 1519 قضيةً معظمها كانت وقائع تنقيب عن الآثار أو حيازتها دون سند قانوني.

تهريب الآثار في حقائب دبلوماسية

ورغم الإعلان عن ضبط المئات من عمليات التنقيب، لكن الكارثة الكبرى كانت في عمليات التهريب والتي كان يجرى بعضها تحت ستار رسمي، فيلجأ تجار الآثار إلى بعض الدبلوماسيين لمساعدتهم في عمليات التهريب، ولعل أبرزها ضبط السلطات الإيطالية حاوية دبلوماسية تابعة لشخص إيطالي تحوي مئات القطع الأثرية المهربة.

تفاصيل القضية كشفها الحكم الصادر من محكمة النقض ضد الفنان بطرس رؤوف بطرس غالي شقيق وزير المالية المصري الأسبق يوسف بطرس غالي، بالسجن المشدد خمس سنوات وتغريمه مليون جنيه 31 ألف دولار أميركي لاتهامه بالاتجار في الآثار.

وأشار الحكم إلى أنه جرى تهريب 21 ألفاً و855 قطعة أثرية ضبطتها إيطاليا عام 2018 بالتعاون بين غالي والقنصل الفخري لدولة إيطاليا بالأقصر السابق، لاديسلاف سكاكال أوتاكر، وجرى تهريب القطع في حاويات دبلوماسية تخص ملحق الشؤون الاقتصادية والتجارية بسفارة دولة إيطاليا لدى مصر ماسيميليانو سبونزيللي.

استرداد الآثار المصرية المهربة

وتواجه مصر صعوبة في استرداد آثارها، فتشترط الدول المُهرب إليها القطع الثرية أن تكون مسجلة بهيئة الآثار المصرية وهُربت بشكل غير شرعي، وتدخل في أحيان أخرى في نزاع مع أشخاص يدعون حصولهم على تلك القطع كميراث من أبابهم وأجدادهم بعد حصولهم عليها خلال وجودهم في مصر في خمسينات القرن الماضي.

وفي بعض الأحيان، تصطدم الأجهزة المصرية بإتاحة بعض الدول تجارة الأثارفي مزاد علني، والمشكلة أن أي آثار خرجت بصفة رسمية لا يمكن استرجاعها، خصوصاً أن اليونيسكو أصدر قانون 1971 أن كل ما خرج واستقر من آثار لا يمكن استرجاعه، وبالتالي أي اثر خرج قبل عام 1983 لا يمكن إعادته فتجارة الآثار كانت متاحة وقتها، وفق تصريحات كبير الأثريين بوزارة السياحة, الدكتور مجدي شاكر.

العقوبات ضعيفة ويجب تغليظها

كبير الأثريين بوزارة السياحة، شدد في تصريحاته لـ«ذات مصر» على أن سرقة الاثار لن تتوقف، خاصة مع وجود بعض الشيوخ والقساوسة الذين يحللون أموالها، منوهًا بأن كل ما فعلته الدولة تغليظ قانون 117 لسنة 1983 لغرامة من مليون لـ10 ملايين جنيه، متمنيًا أن تكون العقوبة إعدام مثل بعض الدول كالصين وأفغانستان.

وأضاف أن الدولة تواجه صعوبة في السيطرة على عمليات التنقيب، والبحث عن الآثار لتهريبها لاتساع رقعة وجودها في شتى محافظات مصر تقريبًا، فضلًا عن صعوبة السيطرة على الحفر خلسة، مكملًا: «لابد من وجود ألية أكبر كوجود قمر صناعي في الصحراء لكن الموضوع يكون صعباً إذا كان شخص يحفر في بيته.

عصابات الآثار في مصر

 وأوضح الدكتور مجدي شاكر أن موضوع التنقيب عن الآثار لا يقتصر على الفقراء فقط، وأنه يوجد «مافيا» لتجارة الآثار، فقدرت بعض الجهات  تجارة الآثار بـ20 مليار دولار في السنة، منوهًا بأن المحامين قادرين على اكتشاف ثغرات لتقليل العقوبة على مهربي الآثار، مثل قضية رجل الأعمال المصري، حسن راتب، الذي قُلصت مدة سجنه من 15 سنة لـ3 سنوات.

وشدد شاكر على أن توعية المواطنين بأهمية الأثر سيكون له مردود إيجابي أكثر من القوانين، مكملًا: «هناك خلل في منظومة القيم، ولا بد من بث حملات توعية على كل القطاعات فكثير من الناس غير مقدرة القيمة التراثية لهذه الأثار، ولابد من تربية الشعب ثقافيًا، وسياحيًا، الموضوع يحتاج منظومة كاملة، وسنستغرق على الأقل 20 عامًا من الآن، لتقليل عمليات التنقيب والتهريب فقط وليس منعها».