ماهر الشيال يكتب: فيلم "ڤوي ڤوي ڤوي" الهروب من كل شيء.. إلى اللاشيء!

ذات مصر

في أول تجاربه السينمائية بدا المخرج عمر هلال شديد الحذر من الوقوع في أيٍ من محاذير السينما المصرية الحالية.. بدأ هلال بالإشارة إلى فترة زمنية بعينها مرت فيها مصر بعام حكم جماعة الإخوان, وهي فترة شهدت حالة من الإحباط العام بعد تبدد مكاسب الحراك الشعبي الواسع في يناير 2011، باستحواذ الجماعة على  حكم البلاد.. هذا التوجه المبدئي الذي يكشف عدم رغبة هلال في التماس مع المرحلة الحالية وصعوباتها الاقتصادية البالغة، وانعكاساتها على أحوال المواطنين، بالإحالة إلى فترة يمكن نقدها على كل صورة دون وجل.

تأكيد الإشارة إلى مرحلة زمنية بعينها في عصر الثورة التكنولوجية يتخذ من أجهزة الهاتف المحمول وسيلة هامة، أظهر المخرج من خلال أحداث الفيلم أجهزة يعود تاريخ انتشارها في السوق المصرية إلى مطلع الألفية.. لكنه لم يلتزم بذلك كثيرا ففي مشهد تصوير كابتن عادل للقاء تسليم الرشوة للدكتور، شاهدنا هاتفا حديثا وشهيرا يستخدم في التصوير.

ارتكزت أحداث الفيلم على قصة حقيقية جرت منذ نحو ثماني سنوات، عندما استغل أحد المسئولين في نادي الإيمان لذوي الاحتياجات، تأهل فريق النادي لبطولة دولية في كرة الجرس في بولندا، وعرض على مجموعة من الشباب الراغبين في السفر لأوروبا دفع مبلغ 50 ألف جنيه من أجل ضمهم للفريق على حساب لاعبين مكفوفين.. وجرى الأمر بمساعدة نائب سابق لرئيس اتحاد كرة القدم للمكفوفين ورئيس النادي ومستشاره، وآخرين من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وموظف في شركة سياحة. قُبض على الجميع في مصر وأدلوا باعترافات كاملة.. إلا أن الشباب المبصر الذي سافر مع الفريق.. هرب في أنحاء أوربا عقب الكشف الطبي، ولم يُعثر لأحدهم على أثر حتى الآن.

كلمة "ڤوي" المتكررة في عنوان الفيلم هي كلمة إسبانية تعني "قادم" يقولها اللاعب المكفوف، حينما يتجه نحو الكرة حتى يتجنب بقية اللاعبين الاصطدام به.

ثيمة الهروب التي حاول المخرج عمر هلال اعتمادها للنجاة بالعمل من المحاذير الثلاثة المعروفة.. انتقلت أيضا لأداء أبطال العمل، فراج وبيومي ونيلي كريم وحنان يوسف ومحمد عبد العظيم وطه دسوقي.. حاول الجميع الهروب من أدائهم التقليدي الذي دأبوا عليه في أدوار سابقة.. لكن ذلك لم يصادف نجاحا كبيرا.

الهروب من الكوميديا التي تعتمد على "الإفيهات" والحوار المبتذل بين الممثلين؛ كانت محاولة أخرى لهلال لا نستطيع القول أنه نجح فيها كثيرا.. رغم أن ذلك كان متاحا بصنع مفارقات منطقية لمتصنعي العمى، والذين بدأ عددهم في التزايد على مدار أحداث الفيلم.

ربما يكون الإلماح الأهم في العمل الفني الذي لا يتجاور تقييم المتوسط في أيٍ من عناصره- هو ربط عام حكم الجماعة، بنادي "الإحسان" الذي تواطأت كافة عناصره الفنية والإدارية لتنفيذ هذه الجريمة.. بين حالة الاستعلاء والخيلاء وإظهار قدرات كبيرة؛ برهنة على إمكانية السيطرة، إلى الهرب من كل طريق وبأي وسيلة كانت نحو المجهول؛ فرارا من مصير أسود بعد انهيار حلم الجماعة الذي خططت لتنفيذه منذ عقود.

ورغم أن دور الصحفية إنجي بدا مُقمحا لدرجة أن حذفه بالكلية لم يكن ليؤثر كثيرا على سير الأحداث، إلا أن قطعها للعلاقة بخطيبها ومحاولة بناء علاقة على أسس مختلفة مع حسن الذي أظهر لها جانب الالتزام الديني "الزائف" كان إسقاطا موفقا جدا من عمر هلال في إشارة إلى خديعة التيار الديني لجموع المصريين عقب حراك يناير 2011. 

المصير المؤلم الذي انتظر الهاربين في أوربا بين العمل في الوظائف الوضيعة والسقوط في أحط الأعمال كما هو الحال بالنسبة لحسن- كان مصيرا متوقعا لشلة المغامرين "النصابين" أما رؤية المخرج النهائية، فقد تجسدت في فكرة أن هذا المصير البائس، لم ينج منه سوى الشخص الذي أوهم الجميع لآخر لحظة أنه الأعمى الوحيد؛ ليكون في النهاية الفائز الأوحد!

حافظَ هلال على أجواء تميل إلى القتامة، وتوحي بضيق الحال الذي يعاني منه أغلب شخصيات العمل خاصة في بيت كابتن عادل "المكتئب" وابنه القعيد وزوجته سليطة اللسان، وفي بيت حسن الذي يعيش فيه مع أمِّه الخادمة العجوز.

مناورة عمر هلال الأولى سينمائيا حملت الكثير من أوجه الضعف، وبدت تقليدية في بعض الأحيان على نحوٍ لا يختلف كثيرا عن موجة الأفلام الكوميدية التي اجتاحت السينما المصرية في الآونة الأخيرة بلا رحمة.. إلا أن عددا من القضايا التي اشتبك معها الفيلم اشتباكا خفيفا -دون إصابات- بدت بُقع ضوء هامة، تحمل كثيرا من الدلالات التي تفتح العمل على أكثر من أفق لقراءات متعددة.

وقد رشحت مصر الفيلم لتمثيلها في حفل الأوسكار الرابع والتسعين بعد سباق ضمّ أربعة أفلام أخرى، هي: “وش في وش”، و”19 ب”، و”بيت الروبي”، و”الباب الأخضر". وليس من المتوقع أن يبتعد الفيلم كثيرا في منافسات الأوسكار.. إلا أن ذلك لن يُغير كثيرا من اجتياز عمر هلال لاختباره الأول بنجاح وإن جاء بدرجة "مقبول".