هشام الحمامي يكتب: أكتوبر.. والمقولة (الرهيبة) لعبد المنعم رياض

ذات مصر

أتصور أن وأروع وأعظم ما نتذكره من حرب أكتوبر حقيقة وحالا وعلى امتداد السنين، هو هذا التعريف العظيم الذي ألحقه بها الشهيد (عبد المنعم رياض ت/1969م) بل ولفها به تلفيفا، حتى أننا لا نكاد نرى ولا نسمع، بل ولا نذكر تعريفا (جامعا مانعا) تناول الموقف هذا التناول بهذا التحديد العميق والتوصيف الدقيق. 
فلم تكن قصة إزالة أثار العدوان التي حدثنا عنها الأستاذ هيكل(ت/2016م) لتكفي وتصف، ولا جملة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة التي حدثنا عنها الفريق فوزي(ت/2000م) ولا حتى جملة الزعيم/ ما أخذ بالقوة لا يرد إلا بالقوة .. وكل هذه التوقيفات اللغوية البارعة، والموجهة أساسا للعامة من الناس والجماهير المكلومة الحزينة المصدومة.. 
سنلحظ أيضا أن هذه العبارات وغيرها، أخذت مداها في الانتشار والتكرار على السنة العامة والخاصة ..أكثرمن مقولة( الشهيد) .  
***
تقول الحكاية أن (الشهيد) يفوق (البطل) في انه يتجاوز الزمن بترسيمتة المعتادة، ماضى وحاضر ومستقبل. 
البطل ، سترتبط دوما بطولته بتاريخه، أما الشهيد فهو عابر للتاريخ، اذا جاز المعنى، لذلك اذا صدق منه القول و صدق منه العزم كما صدق من الشهيد رياض القول والعزم.. 
فانك ستسمع قولا غير القول وسترى وصفا غير الوصف، وستكون أمام المعنى ، الذى يأخذك إلى عمق أعماق الأشياء ، التي احتوت جوهر الأمركله.
ماذا قال الشهيد ؟ ومتى ؟ ولمن ..؟
***
قال الشهيد عن (حرب أكتوبر) قبل أن تحدث الحرب: لن نستطيع أن نحفظ (شرف هذا البلد) بغير معركة.. وعندما أقول شرف البلد، فلا أعني التجريد، وإنما أعني شرف كل رجل وكل امرأة، إذا خسرنا هذه الحرب لن نخسر وطننا فقط، بل سنخسر وجودنا ذاته).
سنعرف أن الشهيد كان يقف بكل قوة، ضد أي محاولة سياسية لعودة سيناء بالمفاوضات، وبلا قتال.
والحقيقة أنه كانت هناك محاولات تجرى في هذه الاتجاه.. بل إن قصة هزيمة 1967م كلها ستبدأ وتنتهي كواليسا وأحداثا حول كلمة واحدة: (المفاوضات)..!!                  
***
ولم يقل لنا (المؤرخون الجدد) الذين غرقوا في تفاصيل الهزيمة تأريخا وتوصيفا شيء من هذا، ولا أغالى إذا قلت أن ما يحدث من الأن في الضفة والقطاع مثلا ، بل وكل العربدة الإسرائيلية في المنطقة ، موصول بألف صلة ، بقرارات الحرب 1967م التي ألقت بحجر الهزيمة الثقيل على رؤوس كل العرب والمسلمين .. 
حرب الاستنزاف(1967/1970م) على فكرة، كانت جزءً من هذه المفاوضات التي ستستمر طويلا طويلا بطول وعرض العواصم والمدن في الدنيا، من كامب ديفيد، لمدريد، لأوسلو، لوادى عربة ..الخ .                       
وكل هذا الذى بدأ بتحركات (ويليام روجرز ت/2001م) وزير خارجية أمريكا وقتها 1970م ومبادراته الشهيرة.. 
***
أبو الأبطال قال جملته الرهيبة تلك، عن ضرورة المعركة وعن كرامة وشرف الرجل و المرأة.. لرئيس الجمهورية، وأيضا للأستاذ هيكل، وأكثر من مرة.. 
وأتصور أن حرص الشهيد على توثيق صلته بالأستاذ هيكل كما روى لنا الأخير، لم يكن إلا لسبب وحيد وواضح، وهو أن الفارق الهائل فى (القدرات الشخصية والاستراتيجية) بين الشهيد وبين الزعيم ، سيحول بينه بين استماع الزعيم له.. وهو كان أدرى بتركيبته النفسية التي تجلت في الكثير من المواقف الكبرى .. لذلك جعل لنفسه هذه النافذه الهامة.  
سنعرف أن فارق السن بينهما لم يزد عن 3 سنوات، والزعيم لم يسبق الشهيد في التخرج من الكلية الحربية إلا بدفعتين (الشهيد تخرج 1938م) .. 
وكل ما يمكن أن تكتبه في تلك الفوارق سيكون في صالح الشهيد العظيم..           
وهو كقائد استراتيجي لم يكن لتغيب عنه حكايات وصراعات الخمسينيات الستينيات وقصص عامر وناصر وشمس ومرتجى .. الخ وكل هذه المخازى التي انتهت بالهزيمة الكارثة .. 
لذلك سيسلك الشهيد مسالك دقيقة، لصون بلادة وأمنها وشعبها حاضرا ومستقبلا ..                                  
***
وكان كل ما يعنيه هو إحياء الشعور بذات وشخصية وكرامة الوطن، وذات وشخصية وكرامة الإنسان في هذا الوطن، وكأعمق ما يكون الشعور. 
فكانت هذه الصلة مع ا/ هيكل، ليكون على وعى بما يدور في (رأس الزعيم) الذى أذاق البلاد، ما لم تكن تستحقه أبدا بحال من الأحول .. 
وخشيته وخوفه، كانت على المستقبل وما هو قادم وآت .!                                          
على أن هذه مسألة جانبية لكنها قطعة من (كبد الحقيقة) التي لازالت تسطع علينا بالكثير مما هو هام وخطير.. 
***
التاريخ وعاء المستقبل واستدعاء ذاكرة التاريخ مهمة للغاية في النظر إلى المستقبل ، (ما نحن إلا ذاكرتنا) كما قال لنا الفيلسوف الإيطالي الكبير امبرتو ايكو ت/2016م  ، وهو قول صحيح وموثوق وموصول ، بسيرة الإنسان على هذه الأرض .
وحرب أكتوبر المجيدة لم تكن كأي حرب، والأرض التى شهدت أحداثها ومعاركها ليست أي أرض..وما كتبه قادتها ورجالها وكل من أقترب منها ومن نتائجها ،هام لدرجة كبيرة ليس فقط فيما يتصل بها _كحرب _ولكن وهو الأهم فيما سيتصل بما بعدها، والذى هو ببساطة شديده حاضرنا الذى نعيشه.. ومستقبلنا الذى(يٌراد) لنا.. أمام مستقبلنا الذي( نريده) نحن لنا ولأبنائنا.                                                                 
***
سيكون(الشعب) دائما أخلص وأنقى وأصفى وأفضل وأنبل وأكرم، وبما لا مزيد عليه.. وقد كان المصريون نموذجا مثاليا في الجبهتين وقتها .. وكانت (سندات الجهاد).. نموذجا لما عليه جبهة البيت والشارع والقرية والنجع .. 
وسندات الجهاد هذه لم تعد تذكر كثيرا ضمن ذكريات حرب أكتوبر، رغم أنها تعتبر شاهد ملك على ما كان في نفوس المصريين وقتها من ثقتهم الهائلة في الجيش والقائد، وعزمهم الصلب على محو هذا العار الطارئ، فى الوقت الذى كادت تخبو فيها كل الآمال.                                                                  
تم طرح السندات فى البنك المركزى والبنوك المصرية على فئات مالية من 50 قرشا وحتى 100 جنيه وبلغت حصيلة السندات بعد (شهر واحد!) من بدء الحرب 7 مليون جنيه ! وبأسعار الذهب والقيمة وقتها ممكن تتوقع  قيمة هذا المبلغ الأن! (الدولار كان سعره 30 قرش والذهب عيار 21 كان سعره 183 قرش وك اللحمة كان بـ 60 قرش)..
***
الأهم من كل أهم، هو الحضور الواسع للدين، مربط الفؤاد في كيان الإنسان، شعار (الله أكبر) الذى انتشر و صاحب المعركة، والعلامة الأكثر ارتباطا بها، كان صيحة من عالم ازهري اسمه د/محمد نايل أثناء حرب الاستنزاف وصارت وصالت في أرض وسماء المعركةفى كل وقت  .. 
***
لم تٌدرس حرب أكتوبر، بمقدماتها وأحداثها ونتائجها، دراسة كافية وافيه، تساوى ما حدث فيها من (بطولات تذيب الفولاذ)  .. 
جيشا وشعبا .. جنودا وقادة.