علي الصاوي يكتب: معارضة الخارج والخيار شمشون

ذات مصر

"إننا نقتل أنفسنا عندما تضيق خياراتنا في الحياة" عبارة قالها نيلسون مانديلا تُعبّر عن عجز من بطلت حيلهم في الأرض مِن أن يجدوا مخرجا لأزماتهم فيلجأون إلى الخيار الأضعف ويقتلون أنفسهم وقد يُعذَرون، أما من كانت الخيارات تُحيط به ومجال الحل ما زال فيه متسع ليخرج من أزماته ومع ذلك تراه يُضيّق على نفسه ويَحصُرها في زاوية غير مكترث بهلاكها إما لجهل أو علّة أو لأجل مصالحه الخاصة، فهذا هو الجنون بعينه ولا يُعذر إن هلكت نفسه وهجم عليها خصمه وشيّع اسمها في دفاتر الموتى وذمة التاريخ، فقد جلب على نفسه بجهله وتعنّته النقمة وسوء العذاب فلا يُعذر في ذلك ولا يُؤجر.

وفي عالم السياسة ليس هناك كلمة أخيرة ولا نهائي مُبكّر بل تظل الخطط تُرسم والملاعب جاهزة واللاعبون يتدربون ما دامت الكرة في الملعب والجماهير في المدرجات تتابع بحماس وشغف، وما أشبه السياسة بكرة القدم، فليس شرطا أن يكون الفوز من حظ الفريق الأقوى والأكثر حصدا للألقاب، بل للفريق الأكثر تعاونا ومهارة وتكتيكا وفهما لتحركات خصمه وإن كان حديث عهد بالمشاركة في مسابقات كرة القدم فمعيار الفوز هو اللعبة الحلوة والأداء الناضج والتعاون الجماعي والإدراك بالمسؤولية، وإذا أسقطنا هذا المثال على بعض فرق السياسة في الخارج نجد أنها لا تملك أيا من مقومات الفوز وبدلا من أن تُقدم أداءً جيدا يُمتع الجماهير ويكسبها احترام خصومها قبل حلفائها، تجدها تلعب على تسلل وأوف صايد الخصم للإكثار من الشكوى والمظلومية وإطالة أمد المباراة أطول فترة ممكنة، وإن كانت شباكها ممزقة من كثرة الأهداف فهذا لا يَهم، المهم هو الاستمرار في اللعب حتى انتهاء البطولة وأن نبقى في الملعب وإن هُزمنا، وعن الجماهير فلا شأن لنا بهم، فما زالت تعتقد أن فريقها يحاول تقديم أفضل ما عنده، لا تعرف ما يدور وراء الكواليس وغرف الإحماء وأن ما يقدمه الفريق هو أقصى ما لديه من أداء، هو لا يريد الفوز ولا حتى التعادل، بل يريد عدّ مباريات كميّة لقبض المكافآت من اتحاد الدعم الدولي، إذن هو فريق يلعب على المكافآت وليس الفوز بالبطولات. 

تحاول بعض قيادات المعارضة في الخارج وهى _ الفئة المسيطة_ منذ سنوات أن تظفر بأى نجاح تكتيكي يُعوّض فشلها الاستراتيجي وفقا لرؤيتها الخاصة القاصرة على تصدير مظلومية صنعوا جزءا كبيرا منها وفاقموها بممارسات محدودة الذكاء وأطماع شخصية، جمّدت المشهد ودفعته نحو مزيد من المظالم فيما بينهم حولتهم إلى زعماء مافيا، كلٌ له ذبابه وميدانه الذي يُخطط فيه ليمكر بالآخر ويطحن عظامه ويشوه سمعته ويسطو على فريسته، وسقط في تلك المعارك الرخيصة ضحايا كُثر مِن المغرر بهم مَن تحملوا المغارم وحدهم ولم يغنم أحدا منهم مثقال ذرة من دعم يحفظ بها ماء وجهه من ذل السؤال وبرد الحاجة في غربة قاسية لا ترحم، فتحقق فيهم المثل الهندي القائل: إذا تقاتلت الفيلة في الغابة فلا تموت إلا الأشجار الصغيرة، فلا سبيل للحفاظ على مصالح القطط السمان إلا إذا تعمّدت بدم الصراعات والغدر ودعس الضعفاء. 

هزمت المعارضة نفسها حين أكلت بعضها بعضا في حواري إسطنبول وعلى بقايا أسوار القسطنطينية وعلى ضفاف البسفور، هُزمت وقت أن ركنت إلى أموال مسمومة بالتبعية وسلب الإرادة والإذعان الرخيص وتحوّلت إلى ورقة بيد الرائح والغادي والقاصي والداني لضرب مصالح الوطن، هُزمت حين تحوّلت إلى أسهم في بورصة السياسة تتحدد قيمتها بحسب ارتفاع الأسهم وهبوطها وتقلبات السوق وتضارب مصالح الداعمين، هُزمت حين خالفت في السر ما تتشدق به في العلن، وناقض ظاهرها باطنها وتقدمها أكذب القوم وأشرهم، هُزمت حين تحولت إلى نائحة مستأجرة وتهالكت رؤوسها الضخمة على اقتناء القصور والضياع والأموال، هُزمت حين أساءت فهم التدافع السياسي وجهلت بمجال حسم الصراع، فدارت في حلقة مُفرغة سقطت بداخلها وانتكست، هُزمت حين حمّلت طاولتها السياسية بأوزان ثقيلة لا تتناسب مع حجم وزنها على أرض الواقع، فانكسرت على رأسها. 

بقيت على هذه الحال لسنوات وحين بلغت المنيّة الحلقوم وضاقت عليها الدوائر وانتهى خريفها السياسي، لجأت إلى الخيار شمشون فقضت على نفسها وأتباعها والمخدوعين من دراويش السياسة، وشمشون هذا كان رجلا قويا شديد البطش لم يستطع قومه أن يقاوموه فسلطوا عليه امرأة اسمها دليلة أوقعته في حبها وفي يوم كانت تجلس معه وأخبرها أن سرّ قوته تكمن في شعره ولما جاء الليل وبينما شمشون نائم باغتته دليلة وحلقت شعره ثم جاء القوم وقبضوا عليه وعذبوه.

بعد فترة طال شعر شمشون وعادت إليه قوته وذهب لينتقم من قومه الذين عذّبوه وقهروه فدخل عليهم المعبد يوم العيد وهم يحتفلون وهدمه على رأسه وعليهم فمات وماتوا معه جميعا، كان ذلك الانفجار الأخير الذي قتل صاحبه أولا قبل أن يقتل من حوله، واليوم يعيش كهنة المعارضة حالة شمشون لكنهم بلا شَعر أو قوة، وقد بدا عليهم إرهاصات تدمير معابدهم الإعلامية والسياسية على رأسهم ورأس أتباعهم المساكين لفشلهم وضعفهم المتعمد، وإن بدت تلك المعابد واقفة ومتماسكة فهى في الحقيقة هياكل فارغة لا وزن لها ولا تأثير، نوع من أنواع القصور الذاتي ومسوّغ وجودي لجلب الدعم وورقة مُجمّدة على الرفّ يتم إسالتها حين تتضارب المصالح وتعود العداوات سيرتها الأولى، وبعد كل هذا الشرح وجب التنويه أن هناك شرفاء يحبون الوطن وليس لهم ثمن، احترموا أنفسهم وتواروا عن الأنظار ثأرا للكرامة وتركوا الملعب للمتردية والنطيحة والموقوذة وما أكل السبع وأذنابهم ممن ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح.