هلال عبدالحميد يكتب: الرئاسية.. والسريالية

ذات مصر

السريالية مدرسة نقدية وفنية تقوم على ( الا منطق) ومعناها الحرفي  ( فوق الواقع )، وكنا ندرسها بكلية دار العلوم ضمن مدارس النقد الأدبي.

فما علاقة السريالية  بالانتخابات الرئاسية ؟!

أنا عندي تصور واقعي أن المعارضة المدنية المصرية -في ظل ظروفنا وظروفها الحالية -لو أجريت انتخابات حرة ونزيهة وشفافة شفافية طلاء ايبوكسي - تصوري ان القوى  المدنية المعارضة لن تصل للثلث المعطل في الانتخابات النيابية الذي تخشاه الأجهزة.

أما في الانتخابات الرئاسية فمن الممكن إدارتها بطريقة محترمة ونزيهة وعبر رقابة إعلامية وحقوقية محلية ودولية، وسيفوز  الرئيس السيسي بأكثر من ٥٠٪؜ ومن الجولة الأولى( ٥٢٪؜ مثلًا ) وسيصبح رئيسا للجمهورية كما لو حصل على نسبتنا الشهيرة ذات التسعات التسعة.

واستطيع أن اكتب مبررات كثيره لفوزه بهذه النسبة على الرغم من حالة الافقار الشديدة التي وصل إليها الشعب بفعل  سياساته بالعقد الماضي، فما زال هناك قطاع من الشعب المصري يخشى عودة الإخوان والدخول في دوامة الحكم الديني وكما يقول المثل ( نطلع من نقرة ندخل في دحديرة )، وهناك من يعتقد من داخل المعارضة المدنية ذات نفسها ان أي مرشح مدني لن يستطيع إدارة الدولة لتداخل المؤسسات وخاصة الجيش في كل مكونات الدولة وخاصة الاقتصاد، ويرى هذا الفريق انه لابد من رئيس عسكري أو على الأقل ذي خلفية عسكرية لادارة الدولة كفترة انتقالية( قطاع كبير من القوى المدنية صوت للسيسي في الدورتين السابقتين )  ، وبالطبع فلن يكون هناك مرشح عسكري غير الرئيس الحالي  لأن أي مرشح آخر لا بد من حصوله على موافقة المجلس العسكري.

فسيحصل  الرئيس على أصوات كل المتخوفين من عودة الاخوان في ظل عدم قدرة القوى المدنية على سد الفراغ بالشارع السياسي-بعيدًا عن شوارع وسط البلد -بجانب أصوات  من يرون ضرورة وجود رئيس عسكري الفترة القادمة لحلحلة الاشتباك بين الجيش والاقتصاد -لا أعرف كيف سيحل رئيس عسكري هذه المعضلة-.

ببساطة ونظرًا لمعطيات كثيرة سيفوز الرئيس السيسي بنسبة بسيطة، ولكنه سيفوز، فما الذي يزعج الأجهزة ويجعلها ترتكب افعالًا ( سريالية) تشوه المشهد الانتخابي وتجعله فوق الواقعي ولا منطقي ، ويجعلنا فرجة العالم ، فيشاهدون الانتخابات فاغري الأفواه من شدة الذهول والعجب والاندهاش من اللامنطق.

 فعندما تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات عن  وسائل الاعلام التي ستتابع وتغطي الانتخابات ، و عن المؤسسات والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية التي ستتابع أو ستراقب الانتخابات ، عندنا تقرأ الأسماء ترجع للمدرسة السريالية ( فوق الواقع ).

أما ما يشاع من أنه يتم القبض على مؤيدي أحمد طنطاوي وهو أحد أبرز المرشحين المحتملين ، وحبسهم احتياطيًا -أحد المحبوسين أحتياطيًا عند خروجه قال لي ان عددًا يتحاوز الـ ٤٠ محبوسًا احتياطيا ممن وقعوا على استمارة تأييد اليكترونية لأحمد طنطاوي-فهذا تصرف سريالي (  خيالي ولا منطقي  وفوق الواقع) ، فكأن أجهزة الدولة بقضها وقضيضها وإعلامها تخاف من عدد من مؤيدي مرشح وقعوا استمارة اليكترونية تؤيد مرشح محتمل ( أليست هذه سريالية لا منطقية ، بينما الهيئة المشرفة على الانتخابات عاملة نفسها نايمة ) .

تتواتر اشاعات-تحتاج لردود وتحقيق-بأن رجال المباحث يحضرون أصحاب التكاتك ويجمعونهم ويأخذون صور بطاقاتهم، ويطلبون منهم ان يعملوا أيام الانتخابات لاحضار ناخبين، ويحددوا عددًا من الناخبين  ان لم يحضره صاحب التكتك  فيقال له (لو اتاخد منك توكتك متسألناش عليه تاني ) أليست هذه مشاهد سريالية لا تليق بانتخابات رئاسية، وهي تصرفات تشوه المشهد كله وتحوله لمشهد عبثي يشكك في كل النتائج في انتخابات بطبيعتها حساسة وتحتاج لشرعية حقيقية.

وعندما يلقى القبض على أحد المشاركين في الحوار الوطني لمجرد  (نيته ) المشاركة في حفل بعيد المعلمين -وهو  أبرز معلمي مصر وممثليهم في  الحوار الوطني ، عندما يحبس لأنه ينوي حضور حفل يقيمه حزب المحافظين بعيد المعلم وهو أحد المكرمين في هذا الحفل من بين ١٠٠ مكرمًا، أليس هذا مشهدًا سرياليًا وفوق الخيال  من الطراز الأول.

وعندما يقدم هشام قاسم محبوسًا  لمحاكمة عاجلة في قضية سب وقذف وتظل قضيته تؤجل أسبوعًا بعد أسبوع ، حتى يحكم عليه ـ بـ ٦  أشهر في حكم لم تشهد محاكم مصر -حسب علمي -مثله- سرعته وتقديمه محبوسًا لمحكمة عاجلة -في مشهد لم نشهد له مثيلًا من قبل وفي تصرفات تشعرك بأن الرجل يحاسب على مشاريب سياسية ، فهذا بدوره مشهد سريالي لا منطقي وخيالي وعبثي ، ولم تكن مصر بحاجة إليه ليعكر صفو  مشهد انتخابي كان يحب أن يكون منطقيًا وواقعيًا.

يا سادة اتركوا الأمر للشعب ، واطمئنوا سيفوز رئيسكم -بنسبة أقل ولكنها واقعية  لا سريالية – وترك الأمر للشعب صاحب الحق الأصيل سيعطي للمنتخب شرعية حقيقية لا سريالية.

سريالية المعارضة

هذا عن سريالية الحكومة، فماذا عن سريالية المعارضة ؟!!

تمكنت الحركة المدنية الديمقراطية منذ حوالي العام من تحولها لحركة فعالة وممثل مدني ديمقراطي للمعارضة المصرية ، اعترف بها وبقدرتها الجميع وعلى رأسهم النظام نفسه.فبعد تمزقها وتجميدها  لمدة عام ونصف بعد انتخابات نواب ٢٠٢٠ عادت لتتماسك.

ولكنها  كالحكومة تمامًا تتحول المعارضة لتقديم عرضها  السريالي، الذي يطفو على السطح مع اول ظهور لأي  استحقاق انتخابي ، وكما حدث بعد ثورة يناير في الانتخابات النيابية والرئاسية فقد تفرق القوم شيعًا وأحزابًا ، وبدلًا من تقديم نموذجًا معتبرًا للشعب وتتوحد على مرشح واحد وتقدمه مع برنامج توافقي لمرحلة انتقالية تشعر الشعب بأن هناك بديلًا مدنيًا حقيقيًا ،بدلًا من هذا يتقدم للترشح من الحركة المدنية ٣ مرشحين محتملين حتى كتابة هذه السطور ، فماذا يظن المرشحون بالمعارضة، ولماذا لا يتوافقون، ويخرجون مرة بمنتج يقنع الناس بأن هناك حركة وبأن فيها بركة، لماذا يصرون على تقديم مشاهد مهترئة وسريالية وتفوق منطق الحكومة عبثية وخيالية وفوق الواقعية؟!!!

لك الله أيها الشعب الطيب الفاهم الواعي الذي يفرق بين الواقع والخيال فيقبل على الانتخابات الواقعية، ويقف لها صفوفًا طويلة ليدلي بصوته وهو موقن بإنه مؤثر ، ويعرض ويعطي ظهره للمشاهد السريالية فيتركهم يديرونها بطريقتهم حكومة ومعارضة.