هلال عبدالحميد يكتب: طوفان الأقصى.. أسرانا وأسراهم 

ذات مصر

الحضارة ليست كلمة جوفاء جامدة،محفوظة في الكتب أو العقول، وإنما هي كالإيمان لا بد من أن تظهر في السلوك،  فالإيمان ( ما وقر في القلب وصدقه العمل ) فلا تقل لي أنك مسلم أو مسيحي أو يهودي أًو بوذي أو صاحب أي عقيدة ولا أرى من سلوكياتك، لا تحدثني عن الاشتراكية وانت تنتهك حقوق العمال، ولا عن الرأسمالية، وأنت لا تدفع الضرائب وتتهرب منها، ولا عن الديمقراطية وأنت تزور إرادة الناخبين، أو وأنت لا تطبقها بحزبك وانت بالمعارضة من فضلك دعني أرى بأم عينيَّ ما يؤيد صدق ما تؤمن به، وإلا فإنك مدعٍ وأنا كذاك إن لم اسلك سلوكًا يؤيد ما اؤمن به.

وأرجوك لا تحدثني عن حقوق الإنسان، وأنت لا ترى هذه الحقوق إلا لنفسك ولبني  جلدتك أو للصفوة منهم،فإيمانك بهذه الحقوق لن يكون حقيقيًا إلا إذا آمنت بها لكل الناس ودون تمييز.

أنا لم أصدق يومًا  دفاع رؤساء  الغرب عن حقوق الإنسان، ومهاجمتهم للزعماء العرب بسبب الديكتاتورية وعدم احترام الأخيرين لحقوق الإنسان، لأنني ببساطة كنت أرى استعباد واستعمار  رؤساء الغرب  للبشر وتعذيبهم لهم، وأرى تدميرهم لحياة الناس في  العراق وأفغانستان وقبلها باليابان،وفيتنام، بينما يتفاخر رؤساؤه باستقبال معتقلة مصرية في بيتهم الأبيض،ويرفضون وقف صب قنابلهم الغبية ذات الـ ٢٠٠٠ رطل على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ، ويستخدمون حق النقض ضد قرار محلس الأمن الذي أيده كل الأعضاء فيحبطونه  !!!

لا لم أصدقكم ولن أصدقكم فحضارتكم هواء وما تدعونه كله كذب.

وعندما نشاهد فيديوهات الأسرى الفلسطينيين عند الصهاينة وما نراه من آثار التعذيب على أجسادهم
، وحرمانهم من كافة حقوقهم الطبيعية، وتجريدهم من ملابسهم -وهم مدنيون-خرجوا من بيوتهم رافعي الايدي، ولوكانوا من المقاومة ما تمكنوا منهم – يجردونهم من ملابسهم ويصورونهم. 
لقد وصل بهم الجبن بانهم اطلقوا النار على ٣ من أسراهم لدى الفلسطينيين وهم يخرجون إليهم بملابسهم الداخلية، حتى لا يشكوا بانهم يحملون أسلحة  ورافعين الراية البيضاء ، وعلى الرغم من ذلك قتلوهم بدم بارد، كما يطلقون النار على المدنيين في الضغة الغربية.

أما أسرى الصهاينة عند الفلسطينيين، فمن خرج منهم، تراهم يودعون آسريهم بحب وتعاطف ومودة وكأنهم يودعون مستضيفيهم بعد  أن قضوا فترة إجازة سعيدة عندهم.

كل الاحاديث التي تمكن الأسرى الصهاينة من الإدلاء بها  على الرغم  من الحصار العسكري الصهيوني الذي يمنعهم من الحديث ، كل من خرج منهم للإعلام تحدث عن حسن الضيافة وعن الأخلاق والاحترام، بل والإيثار-فهم  يطعمونهم والمقاومة لا تجد الطعام –

لقد قالت إحدى الأسيرات: إنهم يعاملون المرأة كملكة. الفتاة تتحدث عن نفسها، لقد عاملوها كملكة، وهي الأسيرة، والحقيقة أن هؤلاء الناس يعبرون عن قيم الإسلام الحقيقية، التي تكرم الإنسان كإنسان، بغض النظر عن دينه وعرقه ولونه وملته، إسلام الحرية والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان{ ولقد كرمنا بني آدم }  لا كما يعتقد بعض المسلمين أن الإسلام دين الغلطة والعنف والقطع والبتر، وكراهية الآخر وقتاله حتى يؤمن كما يفسر بعضهم بعص النصوص دون وعي.

لقد أعطت المقاومة الفلسطينية أروع الأمثلة على الإيمان بالقيم الإنسانية/الإسلامية، التي لا تنسى وهي  تدافع عن حقوقها حقوق الإنسان، حتى وإن كان عدوًا.  

      
لقد فرقت المقاومة منذ الـسابع من أكتوبر٢٠٢٣ بين القيم الإنسانية الحقة والمدعاة، بين المدنية والحضارة التي ضربوا عليها كل الأمثلة، والتي ستكون رسولًا حقيقيًا للاسلام في شتى بقاع الأرض وبعيدًا عن رطانة بعض مشايخنا المتاجرين بالدين، وبين همجية الصهاينة وحكام الامريكان والغرب.

حضارتنا حضارة حقيقية (فرعونية ومسيحية وإسلامية ) حضارة تظهر في سلوكيات منتسبيها الحقيقين، فترى المسيحيين في بيت لحم يرفعون شعارات الدفاع عن غزة  ولا يحتفلون بعيد الميلاد، ويكتفون بصلواته  وتسمع رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم وبيت ساحور القس منذر إسحاق يقول  : 
لو أن المسيح وُلِد اليوم فسيولد تحت الأنقاض بغزة، ويضعون   بدلًا  من شجرة عيد الميلاد مجسمًا للطفل  يسوع المسيح حزينا وقد تدثر بالكوفية الفلسطينية وبأغصان الزيتون  ووسط  القطع الاسمنتية التي  ترمز للدمار وركام الحرب، تلك هي حضارة الشرق.

نحن فقط كعامة  الشرق نحتاج أن نفهم  ديننا على حقيقته، ونفسر نصوصه تفسيرًا إنسانيًا ، يحترم الإنسان وحقوقه، ونعيد بناء دولنا بروح إنسانية ، تلك الروح التي تجعل معظم شعوب الغرب تقف مع حقوق الإنسان مهما كانت مواقف قادتهم، بل هم يغيرون هذه القيادات لتشجيعها  للقتل وللدمار وللصهاينة.
عاشت المقاومة الفلسطينية 
عاش طوفان الأقصى