فراج إسماعيل يكتب: المسافة صفر

ذات مصر

المسافة صفر.. ستغير الكثير من استراتيجيات تسليح الجيوش وكذلك الخطط العسكرية.

بلومبرج تناولت الكثير من الأدوات التي تستخدمها فصائل المقاومة الفلسطينية في حرب غزة، ومنها المسيرات زهيدة التكلفة التي تفوقت على سلاح الجو الإسرائيلي الذي طالما افتخروا بتفوقه ويده الطولى القادرة على هزيمة الجيوش العربية كما حدث في حرب يونيه 1967 عندما دمر المطارات بطائراتها الرابضة فيها، ثم استفرد من الجو بالجيوش التي افتقدت الغطاء الجوي.

التفوق التكنولوجي الإسرائيلي لم يقدم أي دعم لصالح جنوده في معارك المسافة صفر. 

دبابات ميركافا التي عُدت الدبابة الأفضل في العالم تكنولوجياً وتسليحاً، صيد سهل لقذائف الياسين والأر بي جي المطورة.

مفاجأة المفاجآت التي عرضتها القسام في أحد فيديوهاتها التي تغطي المعركة، تصنيع بندقية القنص التي لا تخطئ هدفها البعيد.

داخل الأنفاق وبإمكانيات زهيدة ينتجون هذه البندقية التي تحصد ضحاياها من جنود الاحتلال بدقة متناهية، لدرجة أنها تصطاد الجندي وهو يقترب من نافذة منزل تحصنوا داخله.

كل يوم يمر على جيش الاحتلال هو يوم أليم باعتراف قادته رغم تسليحه بأحدث الأسلحة الأمريكية والبريطانية والألمانية.

في الأربع وعشرين ساعة التي انتهت أمس الأحد اعترف بمقتل 15جندياً وضابطا، مما جعله يوم حداد في إسرائيل.

هناك شيء مهم يفتقدونه في تلك الحرب ويعرضهم لخسائر جسيمة. فهم يحاربون في بيئة لا يعرفونها. شوارع وأزقة لا خبرة سابقة لهم فيها. لم يعد لديهم عملاء في غزة يزودونهم بالمعلومات الاستخبارية كما كان في الماضي.

يقول محلل غربي إن يحيي السنوار طارد بنفسه العملاء قبل هجوم 7 أكتوبر وقضى عليهم، وأنه مع جنرالاته من قادة القسام وضعوا خططاً محكمة للدفاع واستنزاف العدو، ومنها معارك المسافة صفر التي لم تشهدها الحروب الحديثة بدءاً من الحربين العالميتين، وتذكرها فقط كتب التاريخ من الحروب القديمة كالمبارزة ومعارك الفرسان بالسيوف والرماح.

يضيف المحلل: في المقابل درسوا كل شيء عن الجيش الإسرائيلي وتعلموا اللغة العبرية، وبها استطاع حزب الله أن يعترض اتصالاتهم واستفاد منها عام 1996 عندما نصب لهم كميناً محكماً.
سيتعين على الجيوش بعد حرب غزة أن تقارن بين التكلفة المرتفعة للتسليح وحجم التأثير من واقع نتائج هذه الحرب التي يحسمها المقاومون بنجاح مذهل حتى الآن.

يبلغ ثمن صاروخ القبة الحديدية التي أخفقت مراراً في التصدي لصواريخ القسام الموجهة نحو مدن غلاف غزة والمدن الإسرائيلية في العمق، بين 40 و50 ألف دولار.

بينما لا يتجاوز الصاروخ الواحد من صواريخ المقاومة بعيدة المدى، 600 دولار كما ورد في تقرير لجامعة كولورادو بولدر الأمريكية.

مقابل إسقاط صاروخ واحد تكلفته 600 دولار فقط، تطلق القبة الحديدية أكثر من صاروخ اعتراضي سعر الواحد 50 ألف دولار. 

في المجمل يتحمل الاقتصاد الحربي لإسرائيل خسارة 48 مليون دولار إذا أطلقت جميع صواريخ القبة الحديدية التي تشمل 10 بطاريات تحتوي كل منها على 60 إلى 80 صاروخاً.

وفي حال أطلقت 5000 صاروخ فإن التكلفة ستكون 3 ملايين دولار.

وهنا يمكن تفسير الأعداد الكبيرة من الصواريخ التي تطلقها القسام والتي تسميها "رشقة صاروخية" فإذا لم تبلغ هدفها فهي تسبب خسائر كارثية للاقتصاد الإسرائيلي وتستنزفه، لا سيما مع توقف الإنتاج لهجرة آلاف المستوطنين من مدن غلاف غزة ومستوطنات شمال فلسطين المحتلة قرب الحدود مع الجنوب اللبناني.

رغم استمرار الدعم المادي والتسليح الأمريكي، فإن تل أبيب لن تتحمل هكذا استنزاف.. وستراجع واشنطن نفسها مسألة إنتاج الأسلحة الاستراتيجية المكلفة مثل برنامج الطائرة إف 35 من شركة لوكهيد مارتن، وستتفق واشنطن 1.7 تريليون دولار لإنتاج 2500 طائرة خلال العقود القادمة.

تكلفة عالية جدا.. ماذا تستطيع هذه الطائرة ذات السعر الخيالي، أكثر مما تفعله طائرة مسيرة انتحارية لا تزيد عن مئات الدولارات؟!

شكل الحروب القادمة.. حروب شوارع ومدن مزدحمة وميليشيات وأنفاق حصينة.. وهذا يستلزم إعادة النظر في تسليح الجيوش.

طائرة إف 35 مثلا تواجه مشاكل صيانة ونقصاً في المعدات اللازمة لتصنيعها.. وستواجه فشلاً ذريعا في توفير غطاء جوي لمعارك المسافة صفر.