هشام النجار يكتب: فلسطين وإسرائيل والعرب.. الثعلب والقراض والقنفذ!

ذات مصر

لابد من أسئلة، لا ينبغي أن تمر التحولات والأحداث الكبيرة دون مراجعة ودون نقد يقود إلى تغيير، نريد أن نقف على مواطن الخلل، لنعرف ما الذي أوصلنا إلى هنا؟ وما الذي هنا؟
أجيب: تحولان جوهريان رئيسيان خلال فقط 14 عامًا؛ حيث لدينا هنا من زعم الخروج وتغيير ما هو قائم من أنظمة للعبور إلى النهضة والحرية والعدالة والرفاهية –هكذا زعموا-، فأُغرقت الدول في الانقسامات والفوضى والطائفية والصراعات والحروب الأهلية.
وهنا لدينا من حمل لواء المقاومة وقال (سأعيد مجد الأمة وأثأر لكرامتها وأحرر مقدساتها وأراضيها المحتلة) –وهكذا زعموا-، فدخل العدو بخيله ورَجِله وأفسد في الأرض واحتل ما كان من قبل مُحرَرًا وهدم المدن والقرى على رؤوس قاطنيها، فلا عادت الأمجاد ولا حُررت الأرض والمقدسات.
لذا أسأل: لماذا تنقلب الدعوات البراقة والآمال العريضة ومشاريع التحرر الكبرى في البلاد العربية إلى كوارث ماحقة، وإلى مشاريع بيد الأعداء والخصوم باتجاه الفوضى والدمار والتشرد والنزوح وقضم أراض جديدة والهيمنة على مناطق أخرى وإلى المزيد من الخسائر والتدهور؟
الرغبة في التغيير للأفضل والإصلاح حق مشروع، والمقاومة كذلك حق مشروع لكل شعب يرزح تحت الإحتلال بل واجبة حتى تُسترد الحقوق والأرض ويُستعاد الوطن، لكن كيف وما هي الآلية والمرجعية والتصورات والتحالفات، هذا هو محل النقاش والمراجعة.
لنعيد الأسئلة بداية من حراكات الشارع وما عُرف بالربيع العربي؛ فهل امتلك الراغبون في الإصلاح أو ممثلوهم الأساليب المنطقية والبرامج البديلة والمقدرة لانجاز الاصلاحات الاقتصادية والسياسية والدستورية المطلوبة مع مراعاة التحديات القائمة، دون تحويل أحلام الإصلاحات البيضاء إلى كوابيس التفخيخ والتفجير والدم والهدم والتهجير؟
ثم لنعيد الأسئلة بشأن (جبهة مقاومة) –هكذا أُريد بها- قبل الربيع العربي بسنوات؛ فهل كانت حقًا حرب صيف 2006م في سياق مقاومة وطنية تحقق مصالح عليا للبنان والدول العربية، أم لأهداف حزبية وطائفية ضيقة وللتغطية على جريمة إفشال مشروع رفيق الحريري المتمثل بإحياء لبنان وبعثه مجددًا بتصفية الحريري نفسه-رحمه الله-، وفي النهاية تحقق لإسرائيل ما تريد ووصلت لبنان إلى ما وصلت إليه اليوم تحت عنوان (الحزب الأوحد) صاحب السلاح الموازي المتحكم في مفاصل الدولة وقراري الحرب والسلام!
فقط لنقارن بين حال لبنان اليوم وما كانت عليه عندما كان رفيق الحريري رئيسًا للحكومة، وفي المقابل نسأل: كيف تطورت إسرائيل خلال تلك الفترة والتي لم تكن بحاجة إلى أكثر من القرار 1701م للتعامل مع حدودها الشمالية.  
ثم لننتقل بالأسئلة إلى غزة وفي نفس التاريخ خريف عام 2005م، حيث انسحبت إسرائيل من غزة؛ فماذا فعل الفلسطينيون منذ هذا التاريخ إلى اليوم؟ ماذا فعلوا لغزة ولفلسطين وللمقاومة، بل ماذا فعلوا بالمقاومة، بل إنني أسأل وأعني ما أقول: ماذا فعلوا بأنفسهم؟
التصرف الوطني السليم المبني على برنامج مدروس ويدخل في صلب مشروع الدولة المستقبلي والذي من المفترض أن يتحقق تدريجيًا عبر نضال مبدع يزاوج بين البناء والمقاومة الخلاقة (الاستنزافية للعدو)، والتي تراعي موازين القوى والمتغيرات المحلية والإقليمية والتي تستنزف العدو -لا الشعب الفلسطيني- عبر ضربات خاطفة (إضرب واهرب) مع تكثيفها في القدس والضفة والتركيز على البناء في غزة، حتى لا يجد العدو ذريعة مجددًا للعودة للقطاع.
فهل حدث ذلك؟
لا والله لم يحدث للأسف، وطبق الفلسطينيون على الأرض كل ما يدور في عقل المخطط الإستراتيجي الإسرائيلي؛ عبر تعزيز حماس تواجدها العسكري في غزة وبذل قصارى جهدها لإفشال السلطة الوطنية في الضفة، والسطو –يا للعجب- على أي جهد مُقاوم خلاق في الضفة والقدس بصرف الأنظار عنه والإسهام في تعطيله وإفشاله، عبر إطلاق صواريخ من غزة (انتفاضة حي الشيخ جراح بالقدس نموذجًا)!
سيقول أحدهم: هل تنتقد حماس وهي في هذا الظرف الحرج؟ وأقول: لا مفر من انتقاد أي جهة أو أي دولة أو أي أحد متداخل ومُسهم فيما جرى ويجري للأمة وقضاياها الكبرى، وأزعم أنني مشفق أضعافًا مضاعفة ممن يزايدون على مشروع
مقاومة المحتل، باحثًا عن الخلل الذي سمح بحدوث المآسي وأدى لانعكاس مشاريع التحرر والخلاص وأمنيات استعادة الكرامة والحقوق وتحقيق النهوض والتقدم إلى خيبات ونكبات تتجدد.
لمن يريد أن يتحدث عن خطط حقيقية للتغيير وتحقيق الانجازات والانتصارات وإعادة الأمجاد دون خطط شاملة ودون تغيير جذري للأوضاع والمرجعيات والتحالفات التي لم تخدم العرب والمسلمين بل خدمت العقل الإستراتيجي الإسرائيلي وراكمت الأعباء والتهديدات حتى على الدول العربية التي لا تزال متماسكة وتقف على قدميها، فأهلًا بك في نادي الأوهام والأمنيات المغموسة ببؤس الهدم والنزوح والجوع والدم في شوارع وأرصفة غزة، التي كانت قبل 7 أكتوبر مستقرة يعمل أبناؤها ويكدون ويربحون ويعودون بكرامة آمنين إلى أسرهم وبيوتهم، وكانت المقاومة الفاعلة والمنجزة تتعافى في الضفة والقدس (كتائب جنين وعرين الأسود.. الخ) لا في أنفاق غزة..
أقصد أن هناك شكل من أشكال المقاومة التحررية الاستنزافية لم يركز عليه الفلسطينيون وهجروه إلى شكل مقاومة الصواريخ والأنفاق في غزة؛ ذاك هو شكل المقاومة المتدرجة التي تناسب موازين القوى والتي تنهك العدو (العملاق المتوحش) تدريجيًا؛ لأن التعامل الأمثل لينتصر عصفور على المدى الطويل على فيل هو الفوز بالنقاط لا بالضربة القاضية.
إذا استعجل الطرف الضعيف معجبًا ببعض القوة التي راكمها وادخرها وحاول الفوز بضربة قاضية غافلًا عن التفكير بعقلية السياسي الاستراتيجي، فإنه بذلك لا يفعل شيء سوى أنه يستفز العدو القوي ليجهز عليه.
دعونا نضع أيدينا على مواطن الخلل وهي ظاهرة في لبنان وفلسطين وتنسحب تدريجيًا على سوريا والعراق واليمن.
منطق اللادولة وانحسار وتراجع مفهوم الدولة الوطنية الموحدة
أين الدولة الآن في لبنان؛ فقط حكومة تسير الأعمال، لا رئاسة لا مؤسسات لا دولة طبيعية تقرر مصيرها بنفسها وتملك قرارها وتقرر متى تسالم ومتى تحارب، والأحزاب لم يعد لها ما كانت تملكه من وزن وحضور وتأثير عشية 1975م، ولك أن تسأل أين لبنان باريس الشرق وقبلة السياحة واقتصادها منهار وأوضاعها تحزن محبيها؟
ولا تمر سنوات إلا وتعود الحرب لتهددها بالموت والدمار والاقتتال؛ فهل هي لعنة الجغرافيا، أم لعنة اللادولة ومن ابتليت بهم الكراسي ممن لا يخططون لبناء الدولة وتنميتها والحفاظ على وحدتها وتلاحم نسيجها وحماية مصالهحا ومعايشها ومصالح قاطنيها، إنما يخطط لصراع جديد وحرب أخرى بعد هدنة قصيرة رُممت خلالها بعض المباني والطرقات؟
وأين الدولة في فلسطين؟ وحتى لو لم تُؤسس بعد دولة بأرض وحدود وهيئات ومؤسسات، نسأل أين منطق الدولة وسلوك رجال الدولة، وهل تحرر شعب إلا بوحدته، وهل انتصرت فيتنام أمام الفرنسيين والأميركان إلا بوحدة الفيتناميين في جبهة تحرير فيتنام.
بل والله لو كانت فيتنام منقسمة متصارعة داخليًا، ولديها (منظمة التحرير الفيتنامية) في واد و(حركة حماس القيتنامية المؤدلجة) في واد آخر، والله لانهزمت وما كانت لتربح أبدًا وتذل غزاتها.
ما كان ينبغي أن تمر كل هذه الأعوام (ستة عقود هي عمر الحركة الوطنية الفلسطينية) دون أن يتحقق شيء حتى لا تصل القضية والأرض والشعب إلى ما وصلت إليه؛ وما كان هذا ليتحقق تحت زعم أن إسرائيل قوية ومحترفة وتساندها أميركا ودول أوربا؛ إنما لغياب المراجعة النقدية والميل لاستعجال حيازة السلطة والانفراد بها، وعدم التحرك وفقًا لبرامج وخطط كفاحية وثورية مدروسة والتنصل من الخضوع للمساءلة وامتلاك شجاعة الاعتراف بالخطأ ومفارقة المنصب في حال التقصير والتهاون.
وأعيد وأكرر أن منطق الدولة في فلسطين حتى لو لم تقم بعد على الأرض هو ما يرعب نتنياهو الذي يتصف بكل الصفات السلبية لكنه ذكي يعرف جيدًا أن الفلسطينيين لو فكروا بمنطق رجال الدولة ووضعوا خططهم ونفذوها إنطلاقًا من فرضية وحدتهم والتفافهم حول قضية وهدف موحد لكان ذلك أكبر خطر عليه وعلى تياره اليميني المتطرف.
ولن تقوم دولة للفلسطينيين إلا إذا وُجد رجال دولة ينهون الانقسام ويمضون على قلب رجل واحد ضمن جبهة عمل موحدة ومنسقة، وأذكر كما قلت مرارًا أن كل الأعمال الكبيرة العظيمة والتضحيات الكبرى من الشعب الفلسطيني البطل يجري تضييعها ولا تنتج واقعًا مختلفًا على الأرض بسبب رئيسي هو الانقسام والتشتت والعزل الذي اجتهد في تكريسه الإسرائيليون بين غزة والضفة.
ينطبق هذا على الكثير من الوقائع؛ أقربها تحويل الانتفاضة الشعبية الثانية إلى انتفاضة مسلحة، واستدراج إسرائيل لحماس لتطلق صواريخها من غزة لتضر أيما ضرر بلبنة وبذرة الثورة الشعبية ضد المحتل للدفاع عن حي الشيخ جراح بالقدس عام 2021م والتي شارك فيها فلسطينيو 48، ولولا أن حماس تدخلت بصواريخها لتباشر إسرائيل همجيتها في غزة ما استطاعت اجهاض الثورة في مهدها، ولو تركت في نموها الطبيعي لكبرت وكسبت زخمها وأنهكت العدو وشتتت تركيزه.
ما جرى للأسف تدخل في الوقت الخطأ بقرار أحادي دون تنسيق مع الضفة أضر بها وبهبتها الشعبية، واليوم بعد تكرار التدخل بصورة أكبر وأكثر تعقيدًا في السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى) ضاعت غزة وتكرر تل أبيب عملية السور الواقي (2002) بتفكيك الفصائل، لتصبح الضفة وحيدة بدون إسناد من غزة.
نسأل: لو كان هناك منطق الدولة وعقل الدولة ورجال الدولة (حتى لو لم تقم الدولة بعد) من خلال عمل ونشاط موحد منسق ضمن جبهة موحدة، هل كان سيحدث ما حدث؟
لو كانت هناك مقاومة منسقة موحدة الجبهة بطول فلسطين المحتلة وعرضها تحافظ على مواردها وتستنزف عدوها ولا تمكنه من استنزاف شعبها وتضع في اعتبارها وأولوياتها وحساباتها الدقيقة قدرة شعبها على التحمل وتمضي في كفاحها وفقًا لتلك الحسابات، ما كانت إسرائيل لتقدر على الانفراد بغزة أولًا، ثم الانفراد بالضفة أخيرًا.
التفكير العاطفي الرغبوي وانحسار الواقعية والتفكير الإستراتيجي
هذا متبادل بين بعض قادة المقاومة وبعض النخب وقطاع من الجمهور؛ وإلا فأين التفكير الإستراتيجي وأين الواقعية في اتخاذ قادة المقاومة منفردين قرارًا في حجم هجوم السابع من أكتوبر، تأسيسًا على أمنيات لا على رؤية مدروسة موثوق من تحققها على الأرض؛ حيث راهنوا (فضلًا عن الرهان على فرضية استجابة محور المقاومة لما تم الاتفاق عليه وراء الكواليس) على تحرك الجيوش العربية والشعوب الإسلامية للمشاركة في معركة التحرير!
فهل هذا أوان (معركة التحرير) وهل الجيوش والشعوب العربية مستعدة لهكذا مهمة، وهل اكتملت أدوات الفصائل المقاومة وهل وصل استنزاف العدو المحتل وانهاكه عبر عمل مقاوم متدرج ومتصاعد واستنزافي للدرجة التي تحتم القيام بضربة قوية تقرب المقاومين وشعبهم من النصر؟
لا لم يكن هذا هو ما جرى إنما محض عاطفة ومحض قرار وتصرف عاطفي لتحقيق هدف حزبي وأيديولوجي ضيق ظنًا أن عملًا كهذا سيعزز من حظوظ حماس محليًا واقليميًا ودوليًا لتحل محل منظمة التحرير في تمثيل الفلسطينيين ليس في غزة فقط انما في الضفة وغزة، في تجاهل مريب لموازين القوى أمام جيش قوي مجهز على أعلى مستوى ومدعوم بشكل كامل من الغرب وأميركا.
يكتمل المشهد الأمنياتي العاطفي الرغبوي بمن يروج من الجمهور والنخبة أن إسرائيل لم تحقق بعد أهدافها؟
أسمع هذا التعليق كثيرًا في وسائل الاعلام من محللين ومعلقين (لم تستطع إسرائيل تحقيق أهدافها)!
فماذا حققت إسرائيل إذن إذا لم تكن حققت أهدافها وأهداف منظريها ومفكريها الاستراتيجيين الذين كتبوا -قديمًا واليوم- أنه لابد من جعل غزة مكانًا غير قابل للحياة والعيش فيه، وهل يعلمون أن إسرائيل تتبع خطة تدريجية لانهاء وجود الفلسطينيين ان لم يكن مرة واحدة فعلى مراحل؛ فإذا لم تستطع قتلهم جميعا أو تشريدهم جميعا أو تهجيرهم جميعًا اكتفت مرحليًا بأعداد منهم تمهيدًا لمرحلة جديدة من القتل والتشريد والتهجير؟
من يزعمون أن إسرائيل لم تحقق أهدافها خاضعون للمنطق العاطفي الرغبوي الأمنياتي؛ لأن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر إلى اليوم حققت الكثير ضمن مخطط إخضاع الشعب الفلسطيني وإضعاف قواه وأدواته تمهيدًا للحظة التي وضعوها في استراتيجيتهم (لا في أحلامهم وأمنياتهم) وهي إزاحة الفلسطينيين من الزمان والمكان، لأن إسرائيل كما قال جمال حمدان رحمه الله سلطة إحلال وإبادة وليست سلطة احتلال عادية.
أسأل أخيرًا: أليست هناك خطة مثلى لا تقذف بالشعوب الحالمة بالإصلاحات والتحرر والخلاص والنهوض والكرامة والحقوق إلى مستنقعات الفتن والفوضى والمذلة والانكسار؟
للاصلاح -كما للمقاومة- خطط تدريجية تكاملية، وقدرنا أن نحيا واقعنا ونكبر مع أحلامنا وأن نتعامل مع مكونات مجتمعاتنا ونتعاون، ونتعرف على قدراتنا وأن نظل فى مركب الوطن؛ فلا طائفية ولا خيالات أكبر من قدراتنا ولا مغالبة اقصائية مع من فى مركبنا مهما كان حجم الخلاف، وإلا تحولت شعارات الإصلاح لمصائر موت فعلى.
أما المقاومة فلا شك عندي أن ما حدث قد حدث بسبب خلل كبير داخل الصف الفلسطيني؛ تقديمًا لمصالح خاصة في سياق النزاعات والانقسامات بين جبهتي فتح وحماس، لا بسبب تفوق إسرائيل وقوتها، لأن الله عز وجل يقول "وما كان ربك مهلك القرى وأهلها مصلحون".
القصة تقول:
كان الثعلب يعبر النهر ذات مرة، وبعد عبوره بقليل اذ به يهوى فيسقط فى أخدود عميق، وباءت كل محاولاته للخروج منه بالفشل، يحاول مرة ثم مرة، ولكنه يفشل فيتألم ويعتريه الهم والكرب.
وما زاده ألمًا وعذابًا مجيء سرب القراض، وهو سرب مصاصى الدماء الذى حط عليه والتصق بجسده وراح يمص فى دمه.
وبينما هو على تلك الحال التي يرثى لها، مرعليه قنفذ، فيحزن القنفذ حزنًا شديدًا لحال الثعلب، فيعرض عليه القنفذ خدماته ويعرب له عن استعداده كى يخلصه مما هو فيه، ويسأل الثعلب: ماذا أفعل؟ ماذا أستطيع فعله لكى أخلصك؟ هل أقوم بالتقاط القراض من على جسدك وأخلصك من هذا البلاء؟ 
فيجيبه الثعلب:  لا.. لا تفعل، فيتعجب القنفذ ويتساءل فى دهشة: ولم لا؟ 
فأجابه الثعلب: لأنها نالت مني بالفعل وجبة دسمة، وهى الآن لا تريد المزيد؛ فقد امتلأت بطونها ولا تحتاج إلى مزيد من الدماء، فاذا أبعدتها أيها القنفذ عن جسدى الآن، جاء سرب آخر جديد جائع تمامًا ليشرب كل نقطة بقيت من دمي، فالحال التي أنا عليها الآن أفضل بكثير إن قارنتها بما تريد أنت فعله.
لم تشبع إسرائيل بعد كل هذه الدماء التي مصتها وسفكتها ولا تزال جائعة وشهيتها مفتوحة للمزيد، لكن لأننا نفتقر في ساحات عديدة لوجود الدولة ولمنطق الدولة وعقلية رجال الدولة، ويفكر البعض منا بالأمنيات والعواطف لا بعقل إستراتيجي، صرنا نخاف أن يحدث ما هو أسوأ مما حدث ونقول كفى ما فعلوه -وما فعلوه وحشي وهمجي- ولنرضى بتسوية..
وحتى التسوية في الطريق إلى شيئ من العدالة واسترداد بعض من الحقوق.. إسرائيل تناور ولا ترضى بها.

[email protected]