خالد طه يكتب: آبي احمد.. السباق في مضمار آخر

ذات مصر

كشفت زيارة رئيس الوزراء الأثيوبي للعاصمة الإدارية السودانية امس الثلاثاء عن تغيرات كبرى في ميزان التأثير والتأثر بحرب السودان المتواصلة منذ منتصف ابريل من العام الماضي.

نقلت  تقارير اخبارية ان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، قد وصل إلى مدينة بورتسودان ليبحث مع الفريق اول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، سبل التوسط في النزاع القائم بين "القوات المسلحة السودانية" و"مليشيا الدعم السريع"، الواضح أن دوافع أخرى متصلة بذات النزاع قد نقلت الموقف الأثيوبي كله إلى مربعا جديدا وجعلت زيارة آبي احمد، المطوق بإزمات داخلية ومهددات خارجية يسعى لرفع (راية الحياد) ولو بصفة مؤقتة.

الواقع ان الرجل لم يأتي من الهضبة الملتهبة إلى ساحل البحر الاحمر (ليقدم حلولا على أرض الواقع بعد أن وصلت كل المحاولات الإقليمية والدولية إلى طريق مسدود) كما أشارت مصادر اعلامية إثيوبية فور مغادرته لاديس أبابا برفقة وفدا وزاريا رفيع المستوى.

فبالرغم من قراءات متعددة تشير إلى أن الحرب في السودان قد بدأت في العد التنازلي وان الخط التصعيدي للمواجهات العسكرية آخذ في الإنخفاض، إلا ان تصريح رئيس الوزراء الاثيوبي باعلان الحياد يعد خطوة إستباقية تمنع أثر الحرب من أن يتمدد ليصل إلى اثيوبيا، واراد من ناحية أخرى أن يوقف تدخل وتأثير إثيوبيا على مجريات الحرب في السودان التي جرت وقائعها على عكس ما كان متوقع من ناحية المدى الزمني والتوسع في الرقعة الجغرافية وما سيشكله استمرارها من تهديدات مباشرة على دول الجوار القريب.

إن وصول آبي أحمد، في اول زيارة رئاسية للسودان منذ إندلاع حرب 15 ابريل، وهو يرتدي بدلة بيضاء لم يكن صدفة، كما ان الحرص على غرس شجرة في أرض العاصمة الادارية السودانية المؤقتة، ليس بالضرورة إمتدادا لمبادرة (البصمة الخضراء) التي اطلقها في إثيوبيا في العام 2019 بغرض مكافحة التصحر ومجابهة التغيرات المناخية، ولا تحمل الخطوة  أي دلالة سوى أن تغييرا كبيرا طرأ على معطيات واقع الجيوبولتيك في المنطقة جعل تغيير نبرة الخطاب المتعلق بالشأن السوداني ضرورة قصوى.

إن تبديل الخطة والتحول من صراع داخلي و"تطويق عبر دول الجوار" الى "تعظيم دور تلك الدول في القدرة على إحداث التوفيق بين أطراف الصراع السوداني" والتباحث حول سبل إرساء علاقات حسن الجوار، وتطوير وترقية التعاون في مختلف المجالات، باعتباره المخرج الآمن من إحتمال توسع دائرة الحرب لتصل إلى أطراف إقليمية ليس فقط في الأثر بل بإنتقال الحرب نفسها.

ايضا جاء تغيير النبرة الاثيوبية في ظل تحركات اقليمية نشطة حيال موضوع وقف الحرب في السودان، تمظهرت في إستضافة القاهرة لملتقى خاص بالقوى السياسية والمدنية السودانية، ومباحثات اجراها نائب وزير خارجية المملكة العربية السعودية وليد الخريجي، مع الرئيس البرهان بهدف الدعوة لإستئناف منبر جدة، و وسط تغيُّرات اعترت موقف الاتحاد الافريقي، في النظرة لآفاق حل الأزمة السودانية، والاتحاد القاري يعد أيضا للقاء بالقوى السياسية والمدنية خلال الأيام القليلة القادمة في أديس ابابا، مع علو أصوات ابدت مخاوف جادة من أن تصبح أحداث السودان سابقة تعتمد وتتكرر في دول إفريقية اخرى بهدف السيطرة على الموارد أو الموانئ والمعابر البحرية والبرية، في حال بسط الدعم السريع سيطرته على السودان، وتزايد الخوف من تحول البحر الاحمر إلى(بؤرة قرصنة) جديدة.

في ذات السياق يقرأ تنامي العلاقات الارترية الصومالية، والارترية الجيبوتية، واستضافة جيبوتي علنا لعناصر معارضة لما يعرف بأرض الصومال،   والموقف الارتري من الحرب في السودان، وإمكانية التدخل المباشر بدوافع استراتيجية في حال توسع دائرة الحرب و وصولها الى شرق السودان، فذلك قد ينقل المواجهات بالدرجة التي قد تشارك فيها دول جوار قريبة حفاظا على مصالحها وحدودها، أو لتصفية صراعات أخرى.   
وغير بعيدا عن هذه التوازنات الإقليمية نقلت الأنباء تلقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في الاسبوع الماضي، أكدا فيه الترحيب والحرص على التعاون المتنامي بين البلدين في الفترة الأخيرة، حيث أكد الرئيس السيسي حرص مصر على أمن واستقرار وسيادة الصومال على أراضيه، ودعم مصر له في مواجهة مختلف التحديات الأمنية والتنموية.

كما تناولا الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي،  وأكد الرئيسان حرصهما على ضمان أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، بما ينعكس إيجاباً على القرن الأفريقي وشعوبه، وشددا على رفض أي إجراءات أحادية من شأنها الإضرار باستقرار المنطقة، منوهين إلى ضرورة التزام دول الإقليم كافة بأطر التعاون، بما يحقق الاستقرار والتنمية لشعوبه.
إلى جانب ذلك، تنبع المخاوف الاثيوبية من هشاشة وضعها الامني الداخلي، وتوسع الحرب في السودان، بما ينعكس عليها سلبا في تغذية الاضطرابات الداخلية، أو إعاقة خطوات واتفاقات إقتصادية شرعت إثيوبيا في إبرامها وتنفيذها في السادس من يوليو الجاري، مع دولة جنوب السودان، بشأن الأمن والتجارة، وإنشاء مسار خط لأنابيب النفط، وترقية البنية التحتية على إمتداد حدودهما المشتركة.

في الاسبوع الماضي قال آبي احمد، أمام برلمان بلاده: “إن استعادة أراضينا التي توغل فيها الجيش السوداني مسألة ساعات فقط، لكننا أخلاقياً لن نستغل ظروف الحرب التي يمر بها الشعب السوداني الذي وقف إلى جانبنا بجميع الأوقات العصيبة لشن حرب عليه"  وأضاف:"أن موقفنا من الصراع في السودان محايد 100%، ونعسى لجلب طرفي الصراع الى طاولة الحوار بغرض إنهاء الحرب، ونتمسك بالاحترام لمبادئ حسن الجوار مع السودان”.

لكن، هناك عوامل عدة تشير الى ان  الهدف من إلقاء الخطاب في البرلمان هو الحصول على تقويض وشرعنة للتحرك في المنطقة، لتحقيق أهداف متعددة في الصومال وإرتريا والسودان، وتنفيذ برنامج قوى اقليمة ودولية رأت أن تستبدل المواقف حيال أطراف الحرب في السودان، مقابل انتزاع موقف سوداني مساند لاديس ابابا في قضية إقليم تقراي، وتنفيذ اتفاقية برتوريا، وفي شأن العلاقات مع ارتريا التي تشكل ضاغطا مستمرا، فهو يريد أن يخرج الارتريين من أراضي متنازع عليها، ويريد أن ينهي الوجود الارتري، وأن يحل النزاع حول تبعية مقاطعة "والغايت" إداريا لإقليم أمهرا، كما يريد أن تستمر الاستفادة من أراضي "الفشقة" المتنازع عليها مع السودان، هذا ما يبرر دوافع اتجاه آبي احمد  للبرهان في هذا التوقيت، في محاولة لإيجاد محيط مساند، بخطوة واحدة هي الانتقال إلى مربع بورتسودان، والاشتغال على مقولة أن (بقاء الدولة السودانية يعني سلامة الدول المحيطة) بالرغم من أن ذلك كان واضحا منذ البداية لكن لم يكن استمرار الحرب لأكثر من سنة ضمن تقديرات الموقف.

كل العوامل المذكورة هي جزء من مخاوف إثيوبيا ودوافعها لتغيير الخطوات والنبرة، لكن رغم كل ما حدث يظل هناك سؤال مهم : هل تؤمن القيادة الأثيوبية  بوحدة السودان وسيادته على اراضيه، وضرورة بقاء جيشه، والحفاظ على المؤسسات الدستورية في السودان كمدخل لوحدة السودان كما أعلنت دول جوار اخرى مثل مصر وارتريا؟ هل يمكن لأبي احمد أن ينعتق من الادوار الدولية بشأن نزوع بعض من القوى الدولية لإيجاد "شرق أوسط جديد" يفرض بالقوة، و ربما يتوسع الطموح ليشمل تغيرات في خارطة بعض دول الشرق الافريقي أيضا، هل هو مستعدا لذلك ويعتبر غرس شجرة تذكارية في بورتسودان اعلان عن جهد إفريقي مشترك؟.. الواقع ان تلك ليست مهمة رئيس الوزراء الأثيوبي وحده، فإن كان السودان مهددا بزوال الدولة فهنالك من لا يمثل لهم اختفاء أو زوال (الدولة الوطنية) امرا مهما، او قد يجد البعض  ضالته في ذلك، لكن على كل حال  سيشكل ذلك خطرا كبيرا بلا شك على كل دول المنطقة.