هشام الحمامي يكتب: إسرائيل و(الحزل) .!

ذات مصر

(الحزل) هو الانتقام الحقود الخسيس.. كما جاء في كتاب الراحل الكبير د. عبد الرحمن بدوي (ت/2002م) رحمه الله في كتابه عن (نيتشه) الفيلسوف الألماني المعروف.. وهو أيضا طاقة شريرة مختوم عليها كما يقول.. ولدى إسرائيل من هذا (الحزل) ومادته الشريرة المختزنة ما يكفى للانتقام من كوكب الأرض كله.

والموضوع طويل للغاية وممتد، ليس فقط للحالة التي تكونت فيها سيرتهم عبر التاريخ من الأذى والشر والتمرد كما تعرفهم كتب الدين التاريخ.. ولكن هنا.. فيما تم تصنيعه منها من القرن الـ 19، وهى(الصهيونية) التي اختصرت تاريخ أليم من المعاناة الأكثر ألما لهم داخل الحضارة الغربية، بمراحلها المتعددة حتى الثورة الصناعية وعصر المستعمرات.

فالتقت خطوط متعددة عند نقطة التقاء واحدة، وهي ضرورة تجميع أكبر عدد من هؤلاء البشر، حول بقايا فكرة دينية يتم تخليطها برومانسية قومية كما قال العلامة د. عبد الوهاب المسيري (ت/2008م) رحمه الله.. ووضعهم في دولة ترتبط بخيوط الكذب والادعاء التاريخي بالمنطقة الأكثر خطرا دائما وأبدا، على الغرب وحضارته الهيلينية/المسيحية.. الشرق الإسلامي.

والموضوع على فكرة فقد بريقه الأول، وتطور عبر عقود من التحولات الشريرة إلى شبكة ضخمة من المصالح الاقتصادية والمادية الهائلة، لا علاقة لها بفكرة الدين والإيمان، إلا على المستوى (الشعبوي) العامي في تشكيل الرأي العام الغربي والعالمي، وتكوين كتل بشرية يتم إغوائها بحكايات أسطورية عن الدين والتاريخ والنبوءات والخلاص والمصير.

***

وفي النهاية سيكون المحك الأساسي هو سؤال: (من يحكم العالم؟) كما قيل لنا في الكتاب الذي صدر بنفس الاسم سنة 2017 م ومؤلفاه هما (برتران بادي أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية بباريس، ورجل الأعمال دومنيك فيدال) الكتاب صدرعن دار الفكر (العربي/بيروت) وترجمه الأستاذ نصير مروة، سنقرأ على غلاف الكتاب السطور التالية التي تحتاج إلى ما هو أكثر من التأمل، وما هو أكثر من التفكير وما هو أكثر من الدهشة البلهاء.

هناك ‬القلة ‬القليلة ‬من ‬الناس ‬تدرك ‬أن ‬الأشخاص ‬الذين ‬يديرون ‬بالفعل ‬شؤون ‬السلطة ‬في ‬بعض ‬الدول ‬العظمى، ‬ليسوا ‬هم ‬الظاهرون ‬للملأ، ‬سواء ‬على ‬الساحة ‬السياسية ‬والاقتصادية بل ‬كشفت ‬دراسة ‬أعدت ‬سنة ‬1981 ‬م ‬بوجود ‬ما ‬يسمى ‬(نادي ‬روما)‬ ‬تديره ‬لجنة ‬مكونة ‬من ‬200 ‬فرد ‬وهيئة ‬تخريبية، ‬ليست ‬مختبئة ‬في ‬الأقبية ولا ‬تمارس ‬عملها ‬في ‬غرف ‬سرية ‬تحت ‬الأرض، ‬إنما ‬هي ‬موجودة ‬على ‬مرأي ‬ومسمع ‬من ‬العالم‬، في ‬مكاتب ‬بعض ‬الحكومات ‬الأجنبية ‬ذات ‬السلطة ‬العالمية. 

وهم ‬سدنة ‬حكومة ‬واحدة، ‬لنظام ‬عالمي ‬جديد، ‬يخضع ‬له ‬بعض ‬من ‬يديرون ‬قضايا ‬العالم، سواء ‬عن ‬طريق ‬حكوماتهم، أو عن ‬طريق ‬الهيئات ‬والمنظمات ‬الدولية ‬المتسلطة ‬في ‬مجالي ‬السياسة ‬والاقتصاد.

***

ولا يمكن تصور أن ما يحدث في غزة الأن تتم إدارته بعيد عن هذه (المتسلطة) في مجالي السياسة والاقتصاد، والاثنان لا يمكن ذكرهما، بدون الحديث عن ثالوثهم بالغ الأهمية وهو (الإعلام) وقد رأينا كيف كان اللعب والتلاعب في تغطية الحدث العربي الأكبر من مائة عام (طوفان الأقصى).

والتوصيف ليس انفعاليا ولا عاطفيا، والمسألة فقط متروكة للزمن القادم، لنعرف كم سيكون هذا التوصيف دقيقا تماما.. ليس فقط على مستوى الفعل والتنفيذ والاستحواذ، ولكن على مستوى المعنى والفكرة والإرادة.

لكن وبما أن الحديث هنا عن حقيقة (من يحكم العالم).. لا ينبغي أن نغفل اسم من أهم الأسماء الكبيرة جدا التي تناولت هذا الموضوع، وتناولته من قاع القيعان السفلية (ناعوم تشومسكى 93 عاما) والذي يقول في كتاب (من يمتلك العالم) الذي صدر سنة 2014م في بغداد وترجمة الأستاذ أسعد الحسين.

عندما نتساءل من يحكم العالم؟ يتبادر إلى الذهن الفاعلين في شئون العالم وهم الدول العظمى بقراراتها وعلاقاتها البينية، هذه الإجابة ليست خاطئة، ولكن يتخللها كثير من التضليل والخداع، فالدول لها تركيبة داخلية معقدة، وتتحكم في قراراتها واختياراتها القيادات السياسية الواقعة تحت تأثير قوى أخرى، لها نفوذ داخل تلك الدول.

ويضيف: لا نستطيع أن نعرف من يحكم العالم إلا إذا سلطنا الضوء على (أسياد البشرية) كما أسماهم رائد الاقتصاد السياسي الاسكتلندي آدم سميث في كتابه الشهير ثروة الأمم عام 1776 م وهم التجار وأصحاب المعامل والمصانع في إنجلترا آنذاك، وفي أيامنا هذه الشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الضخمة، والتي تقف خلف كثير منها (قوى يهودية) تتعارض أحيانا في أهدافها وتوجهاتها مع المصالح الأميركية! (تشومسكى يهودى!).

وحيوية تلك المؤسسات أو الشركات المتعددة الجنسيات تكمن في أنها تمتلك أكبر وأضخم وكالات الأنباء وشركات الإعلام والإعلان، وتمتلك شركات إنتاج الأفلام وصناعة السينما والتلفزيون، ودور النشر ومؤسسات صحفية، ومؤسسات قياس الرأي العام، أي أنها تملك إمكانية صياغة (العقل البشرى).

***

لن أتوقف كثيرا عند جملة صياغة (العقل البشري) ولكنى سأتوجه منها إلى المهندس (نايل شافعى/64 عاما) الرجل الموسوعي المعرفة والذي قابلته عند د. عبد الوهاب المسيرى عام 2007م بمنزله بمصر الجديدة، ود. نايل شخص له تقدير واحترام وعرفان لأدواره المميزة في المجال العام.

لكنه نقل لنا في تغريده له أمس عن النيويورك تايمز الأتي: الجيش الإسرائيلي حصل على خطة (طۅفاڼ الأقصى) مفصلة في 40 صفحة، قبل عام من تنفيذها، وتداول الخطة على نطاق واسع، وعلى الرغم من التفصيل الشديد للخطة المسربة حتى أدق التفاصيل، إلا أن الجيش والمخابرات قررا أن إمكانيات الخصم لا تقدر على تنفيذها، حتى مع تراكم الأدلة حتى يوليو 2023 بشأن تزايد القدرات والتعبئة والتدريبات عالية المستوى، وصادرت المخابرات أجهزة راديو التنصت من الضابطة صاحبة التحذير.

***

ووضع علامة تعجب ودهشة، توحي بأن الموضوع يمكن وضعه في سياق أخر تماما، عما رأيناه ورأه العالم من (قوة وقدرة وإرادة) من قام بهذا العمل الكبير العظيم!.

وعتابنا هنا عليه في محله تماما، لرجل يعرف كيف تفكر دهاليز الإعلام الأمريكي، والذي يريد ببساطة بالغة السخف، سحب البساط من تحت أقدام حماس، ليضعه تحت أقدام (شلة الخفر) في إسرائيل، بإشارة إلى أنهم عرفوا به وسمحوا به، لأنهم لديهم من الخطط الخطيرة، ما يفوق العمل نفسه، وبناء عليه وعلى نتائجه. 

وبالتالي فلا تصديق لفكرة أننا أمام عمل عظيم لرجال عظام، ولا مجال لتصديق أن إسرائيل ضربت في مقتل، وتم كشف ضعفها الحقيقى والفعلي، والذى كان يختبئ خلف الضعف والعمالة والأساطير الإعلامية.. فهل نقبل ذلك ونصدقه وننشره.!؟ 

وعلى الرغم من أن صحيفة جيروزاليم بوست نشرت أمس الجمعة 1 ديسمبر عن مصدر أمني: أن حركة حماس تمكنت بدهاء من خداع إسرائيل قبل هجوم 7 أكتوبر، وأن الجيش الإسرائيلي كان (أعمى) بالمطلق، ناهيك عن أنه فشل استراتيجيا، وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن أحدا من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لم يفهم ذلك، ولا حتى الشاباك أو الموساد.

لو فعلها غيرك يا د. نايل! 

***

وعفوا للاستطراد بعيدا قليلا عن الفكرة الأساسية، وهى فشل إسرائيل قبل الهدنة، والذي سيأخذها إن شاء الله إلى فشل جديد بعد الهدنة، وعلى رأى المثل الشعبي (اللي خدته القرعة..).

وها هي تستفتح فشلها الثاني، بنفس الأدوات التي استفتحت به فشلها الأول، وهو التدمير(الجوي) للبيوت والشوارع وقتل المدنيين أطفالا وكبارا.. رغم أن المعركة ليست عندهم. 

المعركة هناك، عند (المسافة صفر) يا......!