هشام النجار يكتب: متى ننتصر على إسرائيل وكيف؟

ذات مصر

متى ننتصر على إسرائيل؟
الإجابة: عندما نفهم ونتذكر ولا ننسى ولا تفتر عزيمتنا ولا تنهار إرادتنا، عندما نتعلم من التاريخ ونصحح الأخطاء ولا نتمادى، وعندما نكون متحدين.


بيجين أكد أن العرب سرعان ما ينسون وتفتر عزيمتهم وتنهار إرادتهم، وهذا ما حدث ويحدث بالمقارنة بين البدايات والنهايات.


الفارق بيننا وبين إسرائيل– كما يؤكد عبد العظيم رمضان – أن (إسرائيل تتعلم من التاريخ والعرب لا يتعلمون، وإسرائيل تستطيع أن تصحح أخطاءها بسرعة والعرب يتمادون، وإسرائيل موحدة والعرب متفرقون).


وكان عبد الرحمن عزام رحمه الله الأمين العام الأول للجامعة العربية محقًا عندما سُئل سؤالًا استنكاريًا بعد حرب فلسطين الأولى عام 48م: كيف تهزم دولة واحدة هى إسرائيل العرب وهم خمس دول؟ أجاب ببساطة: (لأن اسرائيل دولة واحدة، والعرب خمس دول).


من هي إسرائيل وماذا تريد؟


نحن لم نفهم بداية ما هي إسرائيل وماذا تريد من العرب ومن يقف وراءها؛ وحتى نفهم إليكم ما كتبه المفكر الكبير جمال حمدان رحمه الله فى مقال له منشور فى مجلة الهلال القاهرية عدد ديسمبر 1964م تحت عنوان: (فلسطين والوحدة).


يقول: (العالم العربى لم يتعرض أو يخضع فى حياته الطويلة وتاريخه الحافل لخطر مثل خطر الصهيونية، لا التتار من الشرق، ولا الوندال من الغرب، لا الصليبيين فى العصور الوسطى، ولا الإستعمار الأوربى فى العصر الحديث.
حقًا كان التتار وغيرهم غزوًا وتخريبًا، لكنه كان غزوًا بدائيًا بلا عقل، وحقًا كان الاستعمار الصليبى والاستعمار الحديث متعصبًا طفيليًا أو ابتزازايًا مصاصًا، ولكن الاستعمار الصهيونى وحده (غزو إبادة) محكمة ومطلقة بقصد الإحلال لا مجرد الإحتلال، الإحلال الجنسى لا مجرد الإحتلال العسكرى، ومنذ بداية هذا الغزو الصهيونى وهو يسير نحو الهدف بتخطيط خبيث وإصرار قاطع، وما من زعيم صهيوني داخل إسرائيل أو خارجها ابتداءًا من وايزمان وحتى جولدمان، ومن بن جوريون وحتى أشكول، إلا وأعلن صراحة على العالم نواياهم التوسعية.


وما من شاهد إلا ويدل على أن هذا التوسع يفترض، بل ويحتم تفريغ المنطقة وتصفيتها من أصحابها الشرعيين الحاليين، ومثل هذا التفكير الدموى ليس بغريب على شريعة منحرفة أو بالأحرى محرفة، تحيا على الغزو والسبى والقتل والابادة.


وما قاله الرئيس عبد الناصر من أننا ان لم نستأصل إسرائيل فسوف نجد أنفسنا جميعًا فى يوم ما شعبًا من اللاجئين صحيح كل الصحة؛ لأن المعركة التى بيننا وبين إسرائيل هى فى حقيقتها معركة إبادة تامة، لأن الصهيونية فى جوهرها لا تهدف أساسًا الى أن تحولنا نحن العرب الى شعب من اللاجئين بقدر ما تهدف إلى أن تحولنا الى شعب بائد فى ذمة التاريخ، وهياكل منقرضة مثل الديناصورات، ضخمة وكبيرة، لكنها منقرضة).
-انتهى الاقتباس من مقال المفكر جمال حمدان-
واليهود لا يكتفون بأرض فلسطين فقط، بل أطماعهم التوسعية تشمل كلا من الأردن ولبنان وسوريا والعراق وشمال المملكة العربية السعودية ومعظم أجزاء سيناء، وهم لا يعتبرون سكان هذه الأراضى ملاكًا لها ولا سكانًا أصليين ولا أصحاب أرض، بل يعتبرونهم غزاة قد احتلوا أرضهم التى يجب تحريرها من أيديهم بالقوة وطردهم منها.
حيازة القوة.. فما هي؟
 

أخطأ من ظنوا أن الانتصار يأتي بتنسيق وتعاون بين جماعات مسلحة من السنة والشيعة من داخل فلسطين وخارجها، لأن الوحدة المطلوبة بين الدول العربية، وبين الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني.


الصهيونية مشروع لإبادة العرب جميعًا أو على الأقل إنهاء دورهم وجعلهم تابعين للقوى الدينية المتطرفة في الإقليم وفي مقدمتها إسرائيل (وهو ملخص مشروع الشرق الأوسط الجديد)، ولا أحد قادر على مواجهته والتصدي له سوى العرب مجتمعين ومتحدين، ومعهم الفلسطينيين في هيئتهم الأولى قبل الانقسام والتشرذم، هذا في غزة وذاك في الضفة.
الإنتصار مبني على فعل حضاري متعلق بتبني منهج بناء وعمران ونهضة، ورغم أن الدين له دور مهم من جهة تقوية العزائم والإسناد في تنقية الضمائر والإسهام بنسخه المشرقة في البناء والتطوير والاتقان إلا أن الهزيمة في العام 67م –وفي أي عام كان- كانت في المقام لأننا لم ندخل الحداثة ولم نمتلك التكنولوجيا بما فيه الكفاية (قل هو من عند أنفسكم).


والقوة المطلوب امتلاكها ليست قوة سلاح فقط ولا مقاتلين مدربين فحسب، بل القوة الشاملة، قوة الدولة وقوة المجتمع وقوة الشعب وقوة الأمة. 
إسرائيل في المقابل لم تنتصر يومها لتمسكها بالدين إنما لحيازتها القوة على مختلف المستويات، وتلك هي سنن الله في الكون فمن لديه القوة والقدرة والذكاء والعلم والمال ينتصر.


لا إنتصار قبل حيازة القوة، ولا حيازة للقوة قبل نهضة، ولا نهضة بدون تطبيق برامج إصلاح، وللاصلاح خطط تدريجية تكاملية، وليس بالسلاح والتنظيمات السرية يكون التعامل، وليس بالعنترية والفوقية والأحادية والتعجل وفرد الذراع.


وقدرنا أن نحيا واقعنا ونكبر مع أحلامنا وأن نتعامل مع مكونات مجتمعاتنا ونتعاون ونتكامل مع الآخر، ونتعرف على قدراتنا وأن نظل فى مركب الوطن؛ فلا طائفية ولا تحالفات مع قوى ودول أجنبية – فتلك خيانة وعمالة - ولا خيالات أكبر من قدراتنا ولا مغالبة اقصائية مع من فى مركبنا مهما كان حجم الخلاف، والا تحولت شعارات الاصلاح التدريجي لمصائر موت فعلى.


تقدمنا أول خطوة بعد ثورة يوليو 1952م على طريق التحديث والعمران لكن هناك كيانًا رجعيًا ذا قدرة على فعل الفتنة وتعطيل الطاقات وإشغال الداخل بقضايا ثانوية تحت عناوين دينية زائفة تم زرعه، ما أدى إلى شل جانب كبير من قدرات العرب على العمل والعطاء والإبداع لسنوات لم نحرز خلالها إلا قدرًا ضئيلًا من الانجازات والانتصارات التي نستحقها.


تحييد الحنجوريين وتصدير المتجردين الصادقين
تحدي بهذه الضخامة لا يصح أن يتصدر لمواجهته سوى قوى مسؤولة عاقلة راشدة مستقلة القرار والإرادة، بل يجب ألا تسمح الأمة يومًا لمن لا يمتلكون مؤهلات حمل مسؤولية بهذه الضخامة والدقة بأن يمثلوها في ملف غاية في الخطورة، قد يؤدي تراكم الأخطاء والاستهتار والخفة فيه إلى أن يصير العرب من الأمم البائدة المنقرضة.
أي خطأ يُرتكب أو تهور أو تصرف غير مسؤول وانجرار وراء جهة خارجية أو إقليمية ما قد يتسبب في تفجير الأوضاع في توقيتات تفيد إسرائيل وتستغلها لمصلحتها، لذا لابد وأن يقدم الفلسطينيون قيادة لصفهم الموحد على أعلى درجات المسؤولية والانضباط والوطنية والفهم.


حتى يتواصل مسار الإصلاح بدون قطع أو تعطيل ينبغي عزل وتحييد أي كيان داخلي إقصائي تكفيري ممزق لوحدة الأمة يشرعن لمفاهيم الفرقة الناجية ودار الحرب ودار الإسلام وتكفير المخالف، فقد ثبت أن تلك الكيانات هي قرة عين وحبيبة قلب إسرائيل.


القوة اليوم لدى من حل مشكلاته الطائفية ومحا أي أثر لتعصب ديني أو طائفي في بلده، ولمن ينتج المعلومة ولديه قدرة على استخدامها في عملياته الدفاعية والهجومية.


يجب تحييد الفارغين محترفي العنترية، ممن يتصدرون لمهمات أكبر بكثير من مستوياتهم وقدراتهم، وهؤلاء السطحيون المصلحجيون الشعاراتيون الحنجوريون، هم من أدخلوا بلادنا صراعات قاسية مدمرة لم تنتج فحسب دمارًا وتمزيقًا للمجتمعات والجيوش إنما ألغت جانبًا من فاعلية الإنسان العربي، وأفرزت آلاف العقول الاتباعية والإتكالية المخدرة بمظهر مقاومة مغشوش خادع يرتد في كل مرة دمارًا هائلًا على ما تبقى من الحاضرة العربية.


ألقيت كلمة في مسجد الإستقلال بجاكرتا عام 2014م، خلال مواجهة أخرى في غزة، والاندونيسيون متدينون شغوفون بنصرة قضاياهم، كل فرد فيهم يتمنى أن يطيل الله عمره ليرى الأراضي والأوطان والمقدسات وقد حُررت، والفلسطينيون والعرب والمسلمون ينعمون بالعزة والثروة والكرامة.


ذكرتهم بأن المشهورين من القادة الذين يحفظ التاريخ لنا أسماءهم قليلون، وليسوا هم أصحاب الانجازات والتحولات الكبرى في مسيرة الأمة، إنما الفضل الأكبر يعود إلى ملايين من مجهولي الهوية والاسم من الشعوب المسلمة التي خاضت الأهوال والمواجهات لأجل الله وحده، لا لأي شيء آخر ولا لأي مطمع في سلطة أو شهرة أو مال. 


طلبتُ منهم العودة إلى غزوة خيبر والى خبر الرجل الذي طلب بعد إسلامه صحبة الرسول في جهاده، فدفع الرسول صلى الله عليه وسلم غنيمة كان غنمها فرفضها قائلًا: (ما على هذا اتبعتك إنما على أن أضرب بسهم في نحري فأموت فأدخل الجنة)!


هذا الرجل ليس له اسم ولا تعريف في جميع كتب السير ولا يعرف أحد اسمه ولا وصفه. 


بحث أحد المفكرين عن عوامل تحول أكبر ثلاث إمبراطوريات إلى الإسلام وهم العرب والتتار والأفغان، فتوصل بعد جهد إلى أن المجهولين والملايين من الصادقين المتجردين لخدمة الإسلام دون طمع في سلطة أو شهرة أو مال هم أصحاب الفضل الأكبر، وذكر خبر الجندي الذي عثر في إحدى المعارك على تاج مرصع بالذهب والألماس فجاء به إلى قائده الذي اندهش كيف لم يطمع فيه، فسأله عن اسمه، قال: (لا تسألني هذا السؤال فاسمي يعرفه الله).


قلتُ للأشقاء الاندونيسيين الذين ملأوا مسجد الاستقلال أمامي قبل عشر سنوات: لو عدنا إلى مصر الآن بمائة مليون مسلم إندونيسي صادق متجرد غيور – تعدادهم مائتان وخمسون مليونًا – ووضعناهم في صحراء سيناء وبصقوا على إسرائيل لأغرقوها وأنهوا وجودها إلى الأبد بجانب الإرهابيين التكفيريين الذين يخدمون مصالحها في مواجهة جيوشنا.


قودوا هؤلاء المتجردين المجهولين الصادقين بالحب والتودد والرفق، سيتسابقون لنصرة القضية بالملايين، فسلامًا وتحية وإعزازًا وكرامة.
أما أنتم يا أصحاب الملايين، أيها المشهورون الحنجوريون المتكبرون المتغطرسون يا من تتاجرون بالقضية على الشاشات وفى الإستديوهات وتستغلونها لمصالحكم.. فعارًا وندامة وخسة وخساسة.

[email protected]