علي الصاوي يكتب: طابور الإمارات الخامس وورقة اللاجئين

ذات مصر

ترددت كثيرا في وضع كلمة الصهاينة بدلا من الإمارات في العنوان، فلم أجد فرقا بينهما، فالإمارات أثبتت أنها المعادل العربي للدولة الصهيونية في المنطقة، وإذا إسرائيل خرّبت شبرا فالإمارات تُخرّب ذراعا، في عام 1936 إبان الحرب الأهلية الإسبانية خطب الجنرال الاسباني إميليو مولا للقوات المتجهة إلى مدريد وقال: هناك أربع طوابير تتحرك باتجاه مدريد لمساعدتكم، وطبور خامس سينهض من داخل المدينة، في إشارة إلى المتعاونين معه من العملاء والمنتفعين، ويبدوا أن هناك طابور خامس أطلت رأسه هذه الأيام في مصر، تفوح منه رائحة تمويلات خارجية لضرب استقرار الدولة المصرية وتهديد السلم الاجتماعي من خلال ورقة اللاجئين، الذين هم في حقيقة الأمر إخوتنا في الدين والعروبة وشركاءنا في الجغرافيا والتاريخ.

انتشر على منصة إكس في مصر هاشتاج "طرد اللاجئين واجب وطني" هكذا بدون مقدمات أو أسباب، حسابات مشبوهة تحمل نفس البيانات والشعارات المتخفية وراء الوطنية والمزايدات، تروج لمنشورات كاذبة واضح عليها الفبركة بهدف الحشد والتعبئة ضد اللاجئين، ولا أدري لماذا في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به مصر بظروف صعبة وتوترات إقليمية وضغط دولي تزامناً مع أحداث غزة، لصالح من يعمل هؤلاء؟ من الدولة المستفيدة من إثارة القلائل في بلادنا وضرب أمنه كجزء من مخطط كبير كلنا نعرفه؟ ومنذ متى ومصر تتعامل مع جيرانها على أنهم لاجئين، وهل اكتسبت مصر لقب أم الدنيا من فراغ؟ عجزوا عن ضرب النسيج المجتمعي وإثارة النعرات الطائفية فلجأوا إلى ورقة اللاجئين، إلى متى يظل عسل الإمارات يجذب الذباب؟ ماذا تريد أن تفعل الإمارات أكثر مما فعلته؟ نعلم أن هناك مصالح بيننا وبينهم، لكن لا شيء يتقدم على الأمن القومي المصري ووحدة نسيج الوطن، كلنا نعلم ما يدبرونه وراء البسمات واللقاءات الدبلوماسية الفاترة.

من هو الطابور الخامس؟

مجموعة سرية أو فصيل من العملاء التخريبيين الذين يحاولون تقويض تضامن الأمة بأية وسيلة يمتلكونها من خلال استغلال مخاوف الناس ونشر الإشاعات والمعلومات المضللة، وكذلك من خلال استخدام تقنيات التجسس والتخريب الأكثر شيوعاً، يشترك هؤلاء التخريبين في المزايدة الوطنية المبالغ فيها تحت شعارات واحدة والخوف على مستقبل البلاد، مبالغة تثير الشكوك أن وراءها هدف آخر وهو التأثير على القرار السياسي وخلق حالة من الجدل في قضايا بعينها، يروح ضحيتها أناس أبرياء لا علاقة لهم بأى شيء غير أنهم مجرد ورقة لإذكاء الصراع.

كلنا نعلم حجم المؤامرة الدائرة على مصر الآن وطبيعي أن يترصد لنا عدو خارجي يريد تنفيذ أجندته وتمرير خططه رغما عنا، لكن من غير المنطقي أن يأتي الهدم من أبناء جلدتنا، مَن لهم ثمن في سوق السياسة، ما يفعله هؤلاء إهانة للدولة المصرية وتشكيك في منظومة الأمن الداخلي، وملاحقتهم واجب وطني، فما هى الفائدة من ترويج أكاذيب ليل نهار بلا ملل حول أخوتنا من سوريا واليمن والسودان؟  هل القناعة الشخصية؟ أم أن تلك المجموعات مثيرة مثلا للمشاكل؟ بالطبع، لا هذا ولا ذاك، الأمر مجرد أموال تدفع وذمم تُشترى لمدعى الوطنية المندسين، يروجون لسرديات متشابهة لا تحمل أى منطق، ولا أساس لها من الصحة، وإن كان هناك تجاوزات فهى لأفراد يُعاقبون عليها بالقانون إن أخطأوا، أما أن آخذ مجموعة كبيرة بجريرة فردية فهذا هو الجنون بعينة والظلم الذي لا يقبله أى مصري، ومن ذا يطيق الجلوس وراء شاشة الهاتف أو الكمبيوتر يكذب ويفتري طوال اليوم وكل يوم إلا إذا كان مأجورا وموجها وينفّذ مهام محددة؟

عندما اشتدت حملة الهجوم على اللاجئين في تركيا لأغراص سياسية تدخلت الدولة واكتشفت أن من يقف وراءها مؤسسات إعلامية وشخصيات تابعة لجماعة غولن الإرهابية، وقبضت السلطات على مواطن إيراني اعترف بأنه كان يأخذ أموالا من أحد الشخصيات المقبوض عليها لترويج سرديات ونشر فيديوهات كاذبة عن اللاجئين، والآن جميعهم في السجن وعاد الهدوء الاجتماعي مرة أخرى.

"لا تستهن بصغيرة.. إن الجبال من الحصى" نحن على ثقة أن الأمن المصري من القدرة بمكان أن يلاحق هؤلاء المجرمين، وأن المصريين من الوعي التاريخي والمعاصر بمكان لصد هذه الحملة الكاذبة والافتراءات التي لا يرددها إلا الصهاينة الجدد، مصر واحة أمان ومظلة تحتضن الجميع بالأصول والقانون، فنحن نسيج واحد وأرض مصر ليست خصبة لزرع فتن وخطط دول مارقة باتت مكشوفة للعيان ويوما ما ستدفع الثمن، ولن ينفع ذبابها الجاهل العميل ما تجرعه من عسل أموالها الملوثة بدماء الأبرياء من أمتنا العربية، أدخلوا مصر بسلام آمنين، ذلك هو العنوان الخالد الذي كرّم مصر وميّزها عن باقي الدول الأخرى.